ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…
ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…
تُخصّصُ هذه الصفحة صبيحة كل يوم سبت، لتحتضنَ محطات لامعات من تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، صنعها قوميون اجتماعيون في مراحل صعبة من مسار الحزب، فأضافوا عبرها إلى تراث حزبهم وتاريخه التماعات نضالية هي خطوات راسخات على طريق النصر العظيم.
وحتى يبقى المستقبل في دائرة رؤيتنا، يجب أن لا يسقط من تاريخنا تفصيل واحد، ذلك أننا كأمّة، استمرار مادي روحي راح يتدفق منذ ما قبل التاريخ الجلي، وبالتالي فإن إبراز محطات الحزب النضالية، هو في الوقت عينه تأكيد وحدة الوجود القومي منذ انبثاقه وإلى أن تنطفئ الشمس.
كتابة تاريخنا مهمة بحجم الأمة.
إعداد: لبيب ناصيف
مأمون أياس بكى عندما بلغه خبر استشهاد سعاده
وان كان مأمون اياس، الامين، والمسؤول الحزبي الذي نشط في الثلاثينات والاربعينات، قد طرد لاسباب عقائدية بعد عودة سعاده من المغترب القسري في 2 آذار 1947، إلا انه لا يصح ان نكتب عن حزبنا في بيروت الا ونتذكر احد قادته في تلك السنوات، خاصة انه لم يسيء الى سعاده بعد ان كان طرده، بل كان يبكيه بعد استشهاده وكلّما تحدث عنه.
يستحق «الامين مأمون اياس» ان يكتب عنه الكثير، آمل ان احاول، او يحاول غيري. اكتفي ان اضيء بما أمكن، تعريفاً للجيل الجديد من القوميين الاجتماعيين ولابناء مدينة بيروت.
الاب: احمد بك اياس 1
الام: فوزية الحسيني شقيقة الامين منير الحسيني 2
مواليد بيروت 1913 بالهوية، 1911 الحقيقة
اقترن عام 1945 من الرفيقة أهيلة عارف رمضان 3 ورزق بكل من: جومانة، تغريد، سناء وفادي.
درس الاقتصاد والتجارة في «الجامعة الاميركية»
كان مديراً في وزارة الاشغال العامة عندما داهمه «داء السكري» وكان عمره 63 عاماً، فلازم منزله الى ان وافته المنية، في 23/12/1983.
أفادنا السيد فادي اياس 4 ان لوالده المؤلفات التالية:
«الجذوة السحرية»، قصة قومية اجتماعية كتبها في 8 ايلول 1943 في معتقل «راشيا الوادي»، وبقيت بخط اليد فلم تطبع.
قصص قصيرة بعنوان «حول الموقد» صدرت عن مطابع «صادر ريحاني» في بيروت 5 ،
ويفيد ان الدكتورة صفية سعاده سجلت له حديثاً على شريط كاسيت، قبل وفاته، وما زال يذكر كيف راح والده يبكي تأثراً.
يضيف ان والده لم ينقطع عن رفقاء الامس، ولم ينقطعوا عنه، فكان يزوره الامينان جبران جريج وعبدالله قبرصي والرفيق زكريا لبابيدي. كان شديد التمسك بصداقاته. «الصداقة مقدسة» كان يقول.
يضيف السيد فادي انه نشأ في بيت علماني، فقد كان والده حريصاً على تربية اولاده وتنشئتهم على
الفضائل والتقاليد الحلوة.
تروي الرفيقة اهيلة اياس ان «الامين» مأمون كان في السنوات الصعبة يتوارى عن الانظار متنقلاً من مكان الى آخر وصولاً الى بلدة «نابيه» 6 في المتن الشمالي، وكانت زارته في «غرفته النائية في نابيه حوالي العام 1944 فدأب هناك على الكتابة محاطاً بالكروم والطيور، وكان الساحل تحته والبحر امام عينيه.
لعل ما اورده الامين غسان عزالدين في الصفحة 36 من الجزء الثالث من «حوار مع الذاكرة» نقلاً عن الرفيقة اهيلة اياس افضل ما يضيء على الامين مأمون اياس، تقول:
« لقد تعرفتُ على مأمون اياس عندما كان في قيادة الحزب السوري القومي ولأني كنتُ عضواً عاملاً في مديرية السيدات. لقد كان شخصية قوية، وسيم الطلعة وابن عائلة معروفة وفائق الذكاء والمعرفة. لقد قفز مأمون من عضو الى وكيل عميد المالية في برهة قصيرة، ثم قفز الى رتبة عميد للرياضة التي تسمى اليوم «عمدة الدفاع». وكان مع نعمة ثابت أكثر القياديين المقربين من الزعيم.
« السبب الرئيسي لا يكمن فقط في ان مأمون اظهر تفوقاً في فهمه للعقيدة وفي نضاله في الحزب، بل لانه كان من عائلة غنية ويستطيع لهذا السبب ان يكون دائماً الى جانب الزعيم لأن الآخرين لم يكونوا ميسورين ليتفرغوا للعمل الحزبي.
« لم اعرفه إلا وهو الى جانب سعاده عاملاً بإخلاص واندفاع في سبيل انتشار العقيدة والدفاع عنها، ولما انكشف امر الحزب بعد ان بقي سرياً ثلاث سنوات، كان مع الرعيل الأول الذي رافق سعاده وباقي القياديين الى سجن الرمل.
« ان مأمون ونشاطه، بعد رحيل سعاده الى المغتربات، كان اكثر فعالية من دوره في حضور سعاده، لقد مرّ الحزب بمرحلة كان فيها مسؤولوه كلهم تقريباً في السجن، ومأمون خارجه. لقد ابتدع اسلوب هزّ أمن عام الانتداب، إذ هيّأ عدداً من المسؤولين القادرين وغير المعروفين، يدعون المواطنين الى اجتماع كبير، ويحضر فجأة قومي اجتماعي لا يعرفونه، فيتلو عليهم بياناً فيه حملة عنيفة على السلطات التي تضطهد الحزب، وما ان ينتهي من قراءته حتى يتوارى فلا يعرف عنه اي شيء يمكن ان يؤدي الى اعتقاله 7 .
« لا يوجد في لبنان سجن لم يكن فيه مأمون ضيفاً مكرّماً أحياناً ومعذباً أحياناً أخرى، فقد مرّ في سجن الرمل في اول الدعاوى التي قام بها الانتداب الفرنسي ضد الحزب، ثم قضى مدة اطول في سجن القلعة، ثم في سجن المية ومية ثم في قلعة راشيا. في كل هذه السجون والمعتقلات كان مأمون قدوة في الاحتمال والصمود.
« أما عن الزعيم سعاده، فأذكر انه كان شخصية نادرة الوجود بذكائه وعلمه ومقدرته، كما كان شخصية نادرة الوجود بلطفه وتواضعه. كان يعاملنا نحن القوميات في مديرية السيدات معاملة الاب لبناته. هذا الرجل العظيم كان عظيماً في كل شيء حتى في حديثه وترفه مع الناس سواء كانوا اعضاء في الحزب او لم يكونوا».
عندما صدرت الاحكام بحق الزعيم وكان غادر البلاد ومعاونيه، تمكن عدد ممن كانوا بقوا خارج الاعتقال، من قيادة الحزب، فانتقل الامينان جبران جريج ومأمون اياس الى بتعبورة القويطع ، لتتحول مقراً للحزب، ثم بعد ان عادا الى بيروت فاعتقلا، توّجه الامينان عبد الله قبرصي وجورج عبد المسيح والرفيق نهاد ملحم حنا الى البلدة المذكورة ليتوليا قيادة العمل الحزبي 8 .
هوامش:
1 – احمد بك اياس: من مالكي سوق اياس المعروف وسط بيروت التجاري، وكان يقع الى جانب سوق الطويلة. طالما ترددت الى سوق اياس واذكر من الرفقاء الامين الياس سمعان والرفيق متري تبشراني للاطلاع على النبذة المعممة عنهما الدخول الى موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info.
كان احمد «بك» اياس يملك قصراً تجاه بوابة الجامعة الاميركية، وكان يتردد إليه سعاده ثم انتقل الى الغبيري مقيماً في منزل بالايجار لمالكه محمود سنو، ومن شرفة المنزل القى سعاده خطابه المشهور بعد ان كان هبط من الطائرة في مطار «بئر حسن» في 02/03/1947 وتوّجه، ومعه الاف القوميين الاجتماعيين الى الغبيري.
2 – منير الحسيني اقرأ عنه في مكان آخر.
3 – أهيلة رمضان: انتمت الى الحزب عام 1938، درست في مدرسة «راهبات المحبة» اللعازارية لاحقاً وعملت في وزارة الشؤون الاجتماعية.
4 – فادي اياس: امكنني ان التقي به اكثر من مرة وكان يجب ان التقيه اكثر لولا واقع تراكم الكثير من الاعباء الناتجة عن انصرافي الى مواضيع تاريخ الحزب. آمل ان يهتم الصديق فادي بإعداد مؤلف غني بسيرة ومسيرة والده «الامين» مأمون اياس.
5 – ذكر في مستهل الكتاب انه سيصدر في سلسلة «المجاني»، «بالرفاه والبنين» رواية لمأمون اياس، و «الى ابنتي» من أدبه ايضاً.
6 – «نابيه»: عرفت الحزب السوري القومي الاجتماعي منذ الثلاثينات، وبرز من ابنائها الرفيق ميشال الخوري سالم، والد الرفقاء المرحوم يوسف، جورج، المهندس سالم، الدكتور مارون.
7 – مراجعة ما نشرته عن مرحلة من مراحل العمل الحزبي في الحرب العالمية الثانية، على الموقع المذكور آنفاً.
8 – كما آنفاً.