في سورية وحدَها الحقائق ناصعة
ناصر قنديل
– الغموض والتلعثم والمراوغة والصفقات في الغرف السوداء هي عناوين المشهد الإقليمي والمشاهد المحلية في الكثير من البلاد العربية. هذا هو حال العلاقة السعودية الأميركية والعلاقة السعودية التركية، والعلاقة الأميركية التركية، بخلفية قضية جمال الخاشقجي وبدونها، بخلفية الإفراج عن قسٍّ أميركي محتجز وحديث عن استقلال القضاء وبدونها، بما يدور في العلن والسر عن إخراج ملفق للتستر على جرائم بائنة لقاء صفقات سياسية ومالية، أو في المطالبات المتكررة والمهينة التي يطلقها الرئيس الأميركي بلغة التهديد لحكام الخليج بعبارات «ادفعوا وإلا..». فالحديث عن حقوق الإنسان كذبة وعن ثورات هنا وهناك كذبة وعن حرب على الإرهاب كذبة كبرى، بل صار الحديث عن مفهوم الأمن القومي للدول من أميركا إلى تركيا والسعودية، وصولاً لحكومة الاحتلال مطاطاً يتسع ويضيق بقدر اتساع وضيق شهوات التوسع وعجز المقدرات، وصعوبة المعادلات وموازين الردع.
– في سورية فقط تُرسَم الأهداف بعناية محسوبة وفقاً لمبادئ وثوابت، وترصد المقدرات اللازمة لبلوغها، فتصير شعارات معلنة، وليس العكس عندما تطلق الشعارات للعب بمشاعر الناس وتوجيه الرسائل طلباً للتفاوض بحثاً عن صفقات وعندما تتحقق تدفن الشعارات في الغرف التي شهدت ولادة الصفقة. في سورية فقط كان شعار الأمن القومي صادقاً، منطلقاً من ثوابت لا تتزحزح، وحدة سورية وسيادتها لا تقبلان التفاوض. الحرب على الإرهاب تنطلق من مصداقية. التحالفات مبنية على تفاهمات مبدئية عميقة لخدمة أهداف نبيلة. مخاطبة الشعب وتعبئته لصالح الأهداف الراسخة لا تتبدل ولا تتراجع نبرة المصداقية فيها. والتقدم نحو الأهداف ليس إثباتاً للقدرة سعياً لتفاوض يتضمن الاستعداد للتنازل عن مواصلة المسيرة لقاء مكاسب هنا أو هناك، بل هو فعل تراكم للمضي قدماً نحو آخر لائحة الأهداف، في توحيد سورية وبسط السيادة عليها.
– في سورية فقط للمنجزات البسيطة طعم النصر، ففتح معبر نصيب ليس حدثاً خدماتياً ولا اقتصادياً، ولا هو إنجاز إجراءات لوجستية، إنه إنجاز سيادي كامل، باستعادة العلاقة بالخارج، وبرضى هذا الخارج الذي شارك في الحرب على سورية، بصفتها علاقة تقيمها وتديرها الدولة السورية التي عاد علمها وحده يرفرف فوق المعبر، وتحشرج الاختناق في حناجر المعلقين الذين دأبوا على بث سموم التحريض وهم يشرحون بحسرة وداع كذبة الثورة التي فلقوا العالم بجبروتها واقترابها من قصر المهاجرين ذات يوم، وفتح معبر القنيطرة ليس فقط استعادة للوصل بين الجولان المحتل وعمق الوطن السوري، إنه إعلان وفاة رسمي لمشروع الشريط الحدودي الذي أعلن الاحتلال العزم على إقامته في يوم غير بعيد، وإعلان إغلاق للمعابر البديلة التي فتحها الاحتلال على العبث بالداخل السوري سعياً لحروب أهلية وفتن مذهبية، وإعلان إغلاق للشهية الإسرائيلية على اللعب بالأمن السوري وقد صار محصناً براً وبحراً وجواً.
– في سورية فقط نسمع كلام وزير الخارجية عن مسار سوتشي بين روسيا وتركيا فنصدّق الكلام. ونسمع الكلام عن العلاقة بالعراق وفتح المعابر فنفهم معنى الكلام. ونسمع عن الحسم والحزم في مصير إدلب وعن شرق الفرات بعد إدلب فندرك دقة الكلام، لأن في سورية دولة ورجالها رجال دولة، ولأن في سورية للسياسة معنى واحد هو حماية الوطن واحترام الشعب، يصير للكلام معنى، وتصير اللغة مصدراً لفهم السياسة.