عون وبري والحريري يتابعون على مدار الساعة مساعي تسريع الولادة الحكومة تخطّت آلام المخاض… بانتظار «طلقة آخر حقيبة» لتبصر النور
كتب المحرّر السياسيّ
بدأ المبعوث الأممي الخاص بسورية بحزم حقائبه استعداداً للرحيل بعدما انتهت حقبة الرهان التي مثلتها مهمته، على رحيل الرئيس السوري أو العبث بوحدة المكونات السورية تحت شعار دستور يستوحي نموذج التنظيم الطائفي للدولة من لبنان والعراق، وفيما تنفتح سورية على نسخة منقحة من المسار السياسي مسقوفاً بالتمسك بوحدة سورية وسيادتها، وتحييد ملف الرئاسة عن أي تفاوض، وجعل الدستور الجديد الذي سيحكم الانتخابات المقبلة كهدف للعملية السياسية، محكوماً بترجمة مفهوم الدولة المدنية العلمانية، يبدو أن البحث عن مبعوث أممي يحاكي المرحلة الجديدة صار ضرورة، فيما يقصد دي ميستورا دمشق طلباً لجائزة نهاية الخدمة بتساهل في تسميته عدد من أعضاء اللجنة التي ستجتمع في جنيف برعاية أممية، بينما كان الموضوع السوري حاضراً في اللقاء الذي جمع رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي حنا الناشف بتداعياته اللبنانية في التوافق على أولوية ملف عودة النازحين.
في الملف الحكومي دبّت الحياة خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية في الاتصالات واللقاءات على كل الجبهات والعقد والمحاور، بينما حرص رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري على إقامة خطوط تواصل بينهم على مدار الساعة، لم يقطعها وجود بري في جنيف، ولا غياب زيارة الحريري إلى بعبدا، تعبيراً عن رغبة بأن تكون الزيارة المقبلة آخر زيارة لرئيس مكلف، لتعلن الحكومة العتيدة في ختامها، واستثمار الوقت المتبقي لوجود الرئيس بري في الخارج لإتمام آخر اللمسات الضرورية لإنهاء تفاصيل التشكيلة الحكومية، التي قالت مصادر مشاركة في الاتصالات إنها تخطت آلام المخاض، وإن عملية الولادة تتم بشكل سلس مع تذليل العقبات الرئيسية، وإن الحقيبة العالقة في حصة القوات اللبنانية يجري تداول عدد من الخيارات لتخطيها، بعدما حسم الأمر بحقيبة أساسية واحدة، من دون أن تحسم هذه الحقيبة، حيث تصرّ القوات على حقيبة العدل التي يتمسك بها رئيس الجمهورية.
العقدة الدرزية تبدو قد خرجت من ماراتون الأزمات، بعدما ترجم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط صورة التسوية التي أنهتها برسم معبر قام بنشره مع تغريدة تحضّ على التسويات، والرسم يظهر صورة شخصين يجلسان على مقعدين محسومين ومعقد ثالث يجلس عليه شخص قيد التشكل من نصفين، ما يعني أن الوزير الدرزي الثالث جاء حصيلة شراكة في التسمية قالت مصادر معنية إنها تمثلت بتفويض جنبلاط والوزير طلال إرسلان لرئيس الجمهورية باختيار اسم من اللائحتين اللتين أودعتا لدى الرئيس مع قبول مسبق بمن يقع عليه اختيار الرئيس.
في العقدة السنية لا يبدو أن تمثيل النواب الذين يمثلون ثلث أصوات طائفتهم وثلث مقاعدها النيابية سيكون له نصيب في الحكومة الجديدة، فالتبادل بين مقعدين مسيحي وسني بين رئيسي الجمهورية والحكومة لن يحمل على الأرجح أحد النواب السنة، بل من يمثل فريق رئيس الجمهورية كما كان الوزير طارق الخطيب في الحكومة التي تصرّف الأعمال.
التيار العلماني اللاطائفي الذي يمثله الحزب السوري القومي الاجتماعي هو الآخر سيخرج بلا تمثيل في الصيغة الحكومية الجديدة للمرة الأولى منذ اتفاق الطائف، بعدما كان الإصرار دائماً على اعتبار تمثيله العلامة الفارقة في تأكيد أن اتفاق الطائف هو ممر دستوري نحو إلغاء الطائفية، وإجماع على أن التمييز بين حكومة فدرالية الطوائف وحكومة الوحدة الوطنية يتحقق بتمثيل التيار العلماني العابر للطوائف والواقف خارج اصطفافات العصبيات الطائفية.
أكد رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي حنا الناشف أنّ الصين وروسيا الاتحادية شكلتا مظلة في مجلس الأمن الدولي منعت الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها من تحقيق أهداف الحرب الإرهابية على سورية، وهذه المظلة لم تحم سورية وحسب، بل حمت العالم بأسره من خطر تحويل المؤسسات الدولية أداة تستخدمها أميركا في حروبها للهيمنة على العالم.
وشدّد الناشف على أهمية تضافر وتعاون القوى الدولية والإقليمية التي تتعرّض لضغوط أميركية متواصلة، لافتاً إلى أنّ سياسة العقوبات التي تستخدمها أميركا ضدّ الصين وروسيا وإيران، ووقوف الإدارة الأميركية وراء الاستفزازات في بحر الصين وفي غير منطقة، يُملي على القوى المستهدَفة مزيداً من التعاون والتآزر في مواجهة الهجمة الأميركية.
وخلال استقباله في مركز الحزب أمس، سفير جمهورية الصين الشعبية في لبنان وانغ كيجيان، بحضور عميد الخارجية في الحزب قيصر عبيد، شكر الناشف الصين على ما تقدّمه من دعم للبنان وللنازحين، ومقاربتها لعودة النازحين التي تلتقي مع مبادرة حزبنا، وأمل أن يكون للصين دور أكبر في مجالي التنمية والاقتصاد دعماً للبنان وسورية.
وقد رحّب رئيس الحزب حنا الناشف بالسفير كيجيان، وشكر جمهورية الصين على مواقفها الداعمة لسورية انطلاقاً من احترامها لمبدأ سيادة الدول والحفاظ على وحدة أرضها وحقها الطبيعي في محاربة الإرهاب.
من جهته، أعرب سفير الصين وانغ كيجيان عن تقديره لمواقف الحزب السوري القومي الاجتماعي، مبدياً حرص بلاده على تعزيز العلاقات مع لبنان وسورية، وتمسّكها بمواقفها لجهة احترام سيادة الدول والحرص على استقرارها، ولفت الى أنّ الصين الشعبية تهتمّ بتعزيز العلاقات الثقافية والتجارية والاقتصادية مع دول المنطقة، وهذا توجه استراتيجي تلحظه المشاريع والخطط الصينية بما يصبّ في مصلحة الصين والمنطقة في آن.
هل تولد الحكومة السبت المقبل؟
أوحت حركة المشاورات المكثفة خلال الأيام القليلة الماضية لا سيما ليل أمس، على خطوط بعبدا بيت الوسط كليمنصو حارة حريك – ميرنا الشالوحي معراب بأن الحكومة على طريق الولادة نهاية الأسبوع الحالي أو مطلع الأسبوع المقبل على أبعد تقدير، وفق ما قالت مصادر مطلعة لـ «البناء»، إذ إنّ العقد التي عطلت تأليف الحكومة طيلة خمسة أشهر قد ذُللت بسحر ساحر مع تنازلات متبادلة بين الأطراف السياسية أفضت الى اتفاق على توزيع الحقائب، لا سيما اللقاء الذي عُقد في مركز التيار الوطني الحر في ميرنا الشالوحي بين رئيس التيار وزير الخارجية جبران باسيل والوزير ملحم الرياشي بحضور النائب ابراهيم كنعان، خرج بعدها كنعان والرياشي مُبشرَيْن بقرب ولادة الحكومة ومؤكدين التمسك بالمصالحة المسيحية وفتح مرحلة جديدة من التعاون، وعلمت «البناء» أنه جرى اتفاق بين التيار والقوات على توزيع الحقائب بينهما بشكل نهائي باستثناء حقيبة العدل التي يبقى البتّ بأمرها في عهدة رئيس الجمهورية.
وفي حين أكدت مصادر بيت الوسط لـ»البناء» أن «الحكومة ستولد خلال أيام قليلة وأنّ الرئيس المكلف يجري مشاورات نهائية مع كافة الأطراف لوضع اللمسات الأخيرة على الحقائب تمهيداً لتسلمه الأسماء»، قالت مصادر بعبدا لـ «البناء» إنّ «الأمور تتقدّم بشكل كبير باتجاه إعلان الحكومة لكن لا شيء نهائياً ورسمياً حتى الآن، بانتظار حسم بعض الحقائب التفصيلية». ولم تشأ المصادر التعليق على حصول لقاء بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف بعيداً عن الإعلام عصر أمس، لكن مصادر «البناء» لم تنفِ حصول اللقاء، وأشارت مصادر بعبدا لـ «البناء» الى أنه «لم يتمّ تحديد موعد حتى ليل أمس للحريري لزيارة بعبدا»، لكنها أوضحت بأنّ «اللقاء إنْ حصل سيكون اللقاء الأخير أيّ لقاء إعلان ولادة الحكومة رسمياً». ورجحت المصادر أن تُحلّ كلّ العقد اليوم بانتظار عودة رئيس المجلس النيابي نبيه بري لإعلان ولادة الحكومة»، وأشارت الى أن لا شيء يمنع من اعلان الحكومة دستورياً لكن درج التقليد على إحاطة رئيس المجلس علماً قبيل إعلانها رسمياً على أن تؤخذ الصورة التذكارية في اليوم التالي للإعلان». ورجحت المصادر أن «تعلن الحكومة السبت المقبل إذا سارت الأمر بشكل طبيعي وإنْ احتاج الأمر الى بعض التشاور ستؤجّل الى الاثنين المقبل».
وعلمت «البناء» أنّ العقدة الدرزية حُلّت، وأنّ الرئيس عون سيحسم اسم الوزير الدرزي الثالث اليوم من بين اللائحتين اللتين قدّمهما كلّ من رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط والنائب طلال أرسلان على أن يكون توافقياً بين الاثنين، حيث قدّم أرسلان خمسة أسماء تمّ استبعاد اثنين منهما لأنهما حزبيان أما جنبلاط فقدّم لائحة من خمسة أسماء، وعن المصالحة بين جنبلاط وأرسلان فلفتت المصادر الى أنّ جنبلاط طلب من عون تأجيل الموضوع الى ما بعد الحكومة ولإيجاد تسوية في جريمة الشويفات وتسليم المطلوب أمين السوقي الى العدالة». وأشارت معلومات الى انّ «جنبلاط يرفض وزارة البيئة ويصرّ على وزارة الزراعة».
وفي وقت يبدي جنبلاط امتعاضاً من الحريري، لأنه لم ينزل عند خاطر «بيك المختارة» بالحقائب التي طلبها، يحمل رئيس حكومة تصريف الأعمال عتباً شديداً على رئيس الاشتراكي بعد زيارة جنبلاط الى بعبدا، حيث باع تنازله عن الوزير الدرزي الثالث لعون بدلاً من الحريري الذي دعم موقفه منذ بداية التكليف، حيث فاوض جنبلاط رئيس الجمهورية ومنحه نجاح حلّ العقدة الدرزية دون الرئيس المكلف المعني بتأليف الحكومة!
وعلى صعيد عقدة القوات، أفادت مصادر «البناء» أنّ «القوات اللبنانية مصرّة على نيل وزارة العدل، لكن مصادر الرئيس عون أشارت لـ»البناء» الى «تمسكه بهذه الوزارة وبالتالي ستبقى في عهدته»، ويجري تواصل بين حزب الله وتيار المردة على تبادل في الحقائب بين الصحة والأشغال بناء على تمني من التيار الوطني الحر على حزب الله، حيث عقد لقاء أمس بين باسيل ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا لأجل هذه الغاية. وأشارت قناة «المنار» إلى أنّ « وزارة التربية حسمت للاشتراكي والعدل لرئيس الجمهورية »، مشيرةً إلى أنّ «توزيع الحصص حسم وما يجري الآن هو توزيع الحقائب ومعادلتها بين القوى السياسية ومراسم إعلان الحكومة باتت وشيكة»، لافتةً إلى أنّ «الصيغة الحكومية النهائية بالأسماء صارت قريبة جداً ومراسم إعلانها اصبحت وشيكة وما يجري حالياً هو محاولة لكسب مكاسب وزارية جديدة للقوات».
وأكد النائب كنعان في كلمة بعد مشاركته في اللقاء بين باسيل والرياشي اننا «سنسمع اخباراً إيجابية في الأيام المقبلة وباسم الحزبين أقول تهمّنا حكومة منتجة، والعهد هو عهد كلّ اللبنانيين»، مشدّداً على انّ «المصالحة بين القوات والوطني الحر هي استراتيجية وليست موسمية والخلاف السياسي وارد بين الأحزاب، ولكن الاستراتيجية التي تجمعنا اعادتنا الى هذا النوع من الحوار والتعاطي». موضحاً ان «مسألة حقيبة العدل لم تطرح في الاجتماع». ورداً على سؤال حول تنازل الرئيس ميشال عون عن حقيبة العدل اعتبر كنعان ان «هذه المعلومات غير صحيحة». بدوره قال الرياشي «نؤكد باسم رئيس القوات سمير جعجع وباسيل ان المصالحة مقدسة وكل الاختلافات في وجهات النظر لن تؤدي الى خلاف بين الحزبين»، مؤكداً أن «الاختلافات السياسية بين التيار والقوات لا يجب أن تتحول خلافات سياسية ولا يجب ان تنزل إلى الشارع وإلى مواقع التواصل الاجتماعي».
وبعد اللقاء توجه الرياشي الى بيت الوسط لإطلاع الرئيس سعد الحريري على نتائج لقائه مع باسيل.
ونشرت الصفحة الرسمية للتيار الوطني الحرّ، عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، ما يلي:
1 – المطالب المضخمة للقوات سقطت وما بقي هو احترام المعيار الواحد ونتائج الانتخابات.
2 – التيار سيحقق جميع المطالب المتعلقة به في التشكيلة نتيجة احترام وحدة المعايير وإرادة الناس.
3 – التيار الوطني الحر يعتبر أنّ الأولوية تبقى لتشكيلة حكومية منتجة ولا يعطل بعضها بعضاً.
وأفادت قناة «او تي في» أنّ «القرار حول الحقيبة الثانية التي تدخل في حصته غير الطاقة سيكون للتيار الذي سيعود له الاختيار بين العدل او غيرها». وأضافت: «القوات لن تحصل على حقيبتين خدميتين أساسيتين كما كانت تطالب بل واحدة فقط». واشارت القناة الى انّ «مصير وزارة الأشغال لا يزال معلقاً في الوقت الراهن». وقالت القناة: «القوات تبلغت ان التشكيلة ماشية وانتهى وقت المناورات».
ولفتت أوساط مراقبة لـ «البناء» الى أنّ معطيات خارجية أملت على جميع الأفرقاء تقديم التنازلات بالجملة وتدوير الزوايا لإخراج الحكومة الى النور، لافتة الى هبوط القوات عن سلم شروطها. وهذا ناتج عن ضعف موقع ومكانة السعودية في العالم بعد جريمة اغتيال الإعلامي جمال الخاشقجي ما بدا أنّ تمسك القوات بشروطها في هذا التوقيت بالذات أشبه بالانتحار الحكومي والسياسي، لذلك سارعت الى التنازل والاقتراب من التيار الحر ومسايرة رئيس الجمهورية»، وتضيف الأوساط أنّ الضغط الدولي على السعودي منح الحريري أيضاً هامش مناورة أوسع وفرصة لتأليف الحكومة قبل انقلاب المعطيات الخارجية لغير صالحه».
الى ذلك أشار الرئيس بري الى أنّ في «تأليف الحكومة اللبنانية، لا استطيع ان اقول ان هذا الأمر انتهى، استطيع ان اقول ان التقدّم هو على قدم وساق وقريباً وعسى ولعلّ. صار الفول موجود والمكيول موجود لربما ان شاء الله يتم هذا الامر».
أما جنبلاط فغرّد معتبراً انّ «الإسراع في تشكيل الوزارة أكثر من ضروري لأنّ الوضع الاقتصادي فوق كلّ اعتبار». واضاف «أضمّ صوتي الى صوت الرئيس بري والى جميع الحريصين مثله». من جهته قال باسيل بعد لقائه وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري: «يمكننا من اليوم أن نقول مبروك».