الأكراد من المواجهة مع تركيا إلى الكباش التركي ـ الأميركي 2
د. هدى رزق
يمكن فهم سبب الانفتاح الأميركي التدريجي على حزب الاتحاد الديمقراطي بعد اللقاء الذي أجراه المسؤول الأميركي المكلف بالملف السوري السفير دانيال روبنشتاين مع مسؤولين من الحزب المذكور في باريس وكذلك بعد لقاء أجري إبان الحرب على سنجار بين جنرال أميركي من سي آي إي وقياديين من الحزب، حصل كلّ ذلك قبل أن تقرّر الولايات المتحدة إرسال أسلحة ثقيلة وذخيرة من إقليم كردستان العراق إلى مقاتلي الحزب في كوباني.
هذا التحوّل له أسباب، أهمّها الحاجة الأمنية إلى دور الأكراد وليس تأييداً لحقوقهم، لكن يطمح أكراد سورية، وتحديداً حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، إلى تكرار سيناريو الدعم الغربي لأكراد العراق، من خلال إبداء الاستعداد للتعامل مع التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن التي تريد استثمار هذا الدور في الأحداث الجارية، لا سيما أنّ الجغرافيا الكردية مجاورة لـ«الدولة الإسلامية»، تقع على حدودها، ما يشكل ضمانة لمنع توسع هذه الأخيرة في منطقة غنية بالنفط والغاز.
لا يمانع حزب الاتحاد الديمقراطي بالانفتاح على المعارضة السورية شرط أن ينال مزيداً من الاعتراف الإقليمي والدولي. لقد فتحت سنجار والدفاع عن الأزيديين صفحة جديدة في العلاقة مع القوى الغربية، كما أنّ دفاع حزب العمال الكردستاني عن كردستان العراق في وجه توسع «داعش» بعد احتلالها قاعدة «مخمور» التي تبعد 30 كلم جنوب كردستان العراق، كان ناجعاً هذه القاعدة نفسها التي شهدت إنزالاً أميركياً عام 2003 عند احتلال العراق وكان لحزب العمال الكردستاني موقع ولم يزل-. أثبت «العمال الكردستاني» أنه يملك مفتاح القوة الذي تبحث عنه واشنطن في حليف إقليمي يمكنه القتال على الأرض، جاء فتح هذه الصفحة بين الأكراد والأميركيين من أجل تحقيق جملة من الأهداف الكردية، أهمها دعم قضيتهم في سورية على طاولة المشهد السياسي السوري المستقبلي والاعتراف بالحزب كممثل وحيد للشعب الكردي في سورية.
لكن الانفتاح الأميركي على أكراد سورية ودعمهم بالسلاح لم يكن ليحصل لولا وصول الحوار الأميركي التركي بشأن محاربة داعش إلى طريق مسدودة، وفشل الولايات المتحدة في إقناع تركيا بالانخراط في تحالفها وفقاً للاستراتيجية الأميركية. ليس غريباً أن توقيت إيصال إمداد الأكراد بالسلاح جاء بعد إعلان أردوغان رفضه تسليحهم في كوباني ووصفه حزب الاتحاد الديمقراطي بالإرهابي. تشكل العلاقة مع الأكراد والموقف من قضيتهم تحدياً لمستقبل العلاقة بين أنقرة وواشنطن. ولأجل ذلك فإن قضية تسليح أكراد سورية ستترك تداعيات كبيرة على العلاقات بين البلدين، إذ شعرت تركيا بأن الهدف من وراء هذا الدعم هو قطع الطريق أمام شرط إقامة منطقة عازلة.
تجد تركيا نفسها في مكان لا تحسد عليه لقد وضعها حليفها الأميركي في منزلة لا تقوى على معارضته تارة بإرسال المساعدة لكوباتي عبر الإنزال الجوي وطوراً باستخدام حليفها البرزاني والبيشمركة الموثوقين بالنسبة إليها. فإما أن تدعم الصمود الكردي من بوابة محاربة إرهاب «داعش» وإما أن تواجه غضبهم الذي زحف إلى داخل البيت التركي. استدركت تركيا الموقف ووافقت على عبور البيشمركة الكردية من أربيل إلى كوباني عبر أراضيها، لكنها سعت إلى إدخال 50 عنصراً من الجيش السوري الحر إلى المنطقة من أجل القول إن للمعارضة السورية المعتدلة وجوداً عسكرياً في كوباني وتركيا داخل اللعبة وليست خارجها لكن أحد مسؤولي الجيش الحر لم يتأخر في الإفصاح عن معارضته للمشاركة بسبب الوضع العسكري في حلب.
تحولت معركة كوباني إلى حالة من «الكباش» بين أنقرة وواشنطن لا سيما في ما يعني تطورات القضية الكردية وتخشى تركيا من أن يكون الأمر له علاقة برسم خرائط جديدة في المنطقة، برعاية أميركية، لقد أعلنت واشنطن إنشاء قاعدة عسكرية قرب أربيل هي «قاعدة حرير»، بعدما رفضت أنقرة وضع قواعدها في خدمة قوات التحالف.
لتركيا أسباب أقلها شعورها بأنها دولة وظيفية بسبب عدم ضمانها لمكتسبات تعتبرها حقاً لها بعد انغماسها بأحداث الأزمة السورية بل اليوم تراكم خسائر بدءاً بمصر وانتهاء بسورية وهي تريد ضمانات لاستكمال الحرب ضد داعش.
نقلت معركة كوباني السجال الأميركي – التركي إلى مرحلة جديدة من تضارب الأولويات في الحرب ضد «داعش»، وكيفية وضع نهاية للأزمة السورية، والتعامل مع الصعود الكردي في المنطقة، لكن التعاون بين البلدين يبقى السمة الأساسية بين الطرفين لأسباب استراتيجية.