الخاشقجي – غيت القشة التي قصمت ظهر البعير…!
محمد صادق الحسيني
تتدحرج كرة الثلج وتكبر أكثر فأكثر كلما مرّت الساعات على قضية الكاتب الصحافي جمال الخاشقجي، خاصة ونحن نقترب من الانتخابات النصفية الأميركية، والتي توظف فيها هذه القضية أميركياً بما يتماهى مع قضية ووتر- غيت الشهيرة…!
آخر ما صدر من تعليقات مهمة من مسؤول أميركي كبير قول مسؤول العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي بوب كوركر: إبن سلمان هو مَن يقف وراء اغتيال الخاشقجي ولا نريده في الحكم…
ما يعني انّ ابن سلمان باتت أيامه معدودة إما أن يرحل اغتيالاً أو يُعزل أو يصبح مطلوباً لمحكمة دولية…!
وثمّة مَن يذهب الى أبعد من ذلك فيقول: يبدو أنّ الخاشقجي- غيت ستطيح بكلّ من إبن سلمان وترامب، وأنّ العدّ العكسي لسقوط الصنمين قد يبدأ في ايّ لحظة…!
لن نضيف جديداً إذا ما قلنا إنّ كلّ المعلومات والقرائن تؤكد أنّ محمد بن سلمان هو مَن أصدر أمر ارتكاب هذه الجريمة شخصياً، وأنه أشرف على كلّ تفاصيلها، منذ لحظة ولادة فكرة اغتيال الخاشقجي، في دماغه الإجرامي المريض، وحتى عودة فرقة الموت على متن طائرتين خاصتين سعوديتين أقلعتا من الرياض بأمر شخصي منه وعادتا الى هناك بالأمر نفسه…!
أما العنصر الذي يمكن إضافته الى قضية جريمة قتل الخاشقجي وتقطيع أوصاله وهو على قيد الحياة فهو أنّ الخناق قد بدأ يضيق ليس فقط على محمد بن سلمان وإنما على سيد البيت الأبيض الأميركي الذي يقدّم له الحماية والغطاء السياسي والأمني والعسكري منذ أن سطع نجمه في السعودية بعد تولي والده عرش مملكة آل سعود.
ذلك القابع في البيت الأبيض هو الذي وفر الغطاء السياسي لمحمد بن سلمان ليرتكب من المجازر في اليمن ما لم يرتكبه أحد في التاريخ، وتحت حجة واهية يدّعي فيها ترامب أنه يقدّم دعماً لوجستياً واستخبارياً فقط لقوات العدوان السعودي على اليمن.
لكنه اليوم، وبعد تزايد التأكيدات والمعلومات الاستخبارية لدى أجهزة الاستخبارات الأميركية، المتعلقة بجريمة قتل الخاشقجي، في القنصلية السعودية في اسطنبول بتاريخ 2/10/2018، وبعد المعلومات التي تسلمها من وزير خارجيته، وهو مدير سابق للمخابرات المركزية الأميركية، فإنّ ساكن البيت الأبيض، وفِي معرض إجابته على أسئلة صحيفة «نيويورك تايمز»، في مقابلة أجرتها معه في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، وجد نفسه مضطراً للاعتراف بما يلي:
ـ عن اعتقاده بأنّ الخاشقجي قد قتل.
ـ عن ثقته بالتقارير الاستخبارية المتوفرة لديه والتي تؤكد وجود دور سعودي على مستوى عالٍ في ذلك.
وهذا ما اضطره الى القول، رداً على سؤال حول ما يمكن ان ينشأ عن ذلك من تداعيات، بأنّ العواقب ستكون وخيمة جداً.
والأهمّ من ذلك انّ الرئيس ترامب سيجد نفسه مضطراً لاتخاذ إجراءات قاسية ضدّ إبن سلمان ومملكة آل سعود بشكل عام، وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي يبذلها صهره، جاريد كوشنر، لإقناعه بعدم رفع الغطاء عن محمد بن سلمان، وذلك خوفاً من تدحرج الأمور وصولاً إلى مطالبة جهات أميركية بعينها، بتشكيل تحالف قوى ديمقراطية سياسية وإعلامية في الولايات المتحدة نفسها للمطالبة بتشكيل محكمة دولية لمحاكمة محمد بن سلمان على هذه الجريمة، وما يمكن أن يترتب على ذلك من أضرار قد تلحق بالمصالح والعلاقات الاستراتيجية الأميركية مع مملكة آل سعود، حسب جاريد كوشنر الذي سافر الى الرياض والتقى إبن سلمان على مدى يومين وتدارس معه وسائل محتملة لحمايته ابن سلمان من الملاحقة القانونية دولياً.
بينما انضمّ وزير الخارجية الأميركي إلى هذه الجوقة، بعد عودته من زيارة الرياض وأنقرة، إذ قام بتذكير الصحافيين بالعلاقة الاستراتيجية مع مملكة آل سعود والتي تعود جذورها إلى العام 1932، وتأكيده أنّ المملكة هي حليف مهمّ في محاربة الإرهاب، حسب تعبيره.
لكن ما هو ممكن في السعودية غير ممكن في واشنطن، إذ إنّ الرئيس ليس هو الطرف الوحيد الذي يمكن ان يقرّر سياسة الولايات المتحدة في قضية دولية بهذا الحجم وهذه الخطورة، خاصة أن ترامب نفسه قد اعترف، في المقابلة نفسها مع «نيويورك تايمز»، يوم الخميس 18/10/2018، بأنّ قضية الخاشقجي تشكل له حالياً تحدياً أكبر من كلّ المواضيع الأخرى، وذلك لاستحواذها على اهتمام أكبر بكثير من المفترض.
وهذا ما دفع دان كوتس، في إحدى جلساته الخاصة، للتعبير عن قلقه العميق، من احتمال تزويد الرئيس الأميركي بتقارير وتقييمات تهدف الى حشر الرئيس في اتجاه معيّن، والتأثير على قراره باتجاه الحفاظ على علاقات وثيقة مع السعودية.
في هذا الوقت تأكد تماماً وجود توجهات مختلفة لدى جهات صنع القرار الأميركية بشأن اتهام إبن سلمان بارتكاب الجريمة، وكذلك بخصوص ما يجب على الولايات المتحدة اتخاذه ضدّهما من إجراءات. ومن الواضح انّ الكفة بدأت تميل لصالح القوى الأميركية، الرسمية وغير الرسمية، التي تدعو الى التعامل مع الموضوع بحزم شديد، وذلك حفاظاً على القيم الأميركية والتي يعتبرون الحفاظ عليها هو أساس الحفاظ على مصالح الولايات المتحدة في السعودية وفِي العالم. وقد تجلّى ذلك في إلغاء كبريات الشركات والمؤسسات الأميركية وعلى رأسها وزير الخزانة مشاركتهم في ما يسمّى دافوس الصحراء المقرّر عقده في الرياض هذا الأسبوع.
أيّ انّ إجراءات عزل إبن سلمان قد بدأت فعلاً، وذلك عبر تقويض ما أطلق عليه مشروع إبن سلمان 2030 الذي يهدف، نظرياً، لتطوير الاقتصاد السعودي وتنويعه، بالإضافة إلى الأزمة المتصاعدة والصراع الشديد اللذين تعيشهما العائلة المالكة السعودية في إطار الصراع المستمرّ على الحكم ووصول الصراع إلى درجة مطالبة العديد من أفراد العائلة بتنحية ابن سلمان عن ولاية العهد، وذلك لإنقاذ السعودية من الدمار والانهيار إذا استمرّ هذا الشخص في السيطرة على الحكم، الأمر الذي سيؤدي الى عزلة السعودية وفرض عقوبات مالية واقتصادية ضدّها من قبل الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
علماً انّ أوساطاً استخبارية دبلوماسية متابعة لهذه القضية قد أكدت أنّ على السعودية ان تسرع في إنجاز تحقيقاتها الكاملة والنهائية في الموضوع، وذلك لانّ كلّ تأخير سيؤدّي الى قيام تركيا بالإفراج عن المزيد من المعلومات والحقائق التي تدين السعودية وتزيد مهمة طرحها لتفسير أو تصوّر مقبول دولياً لتوصيف الجريمة التي حدثت، وذلك في ضوء انّ الدولة التركية لن تتقاعس في الكشف عن كافة تفاصيل الجريمة ومتابعة الإجراءات القانونية ضدّ المعنيين حسب الأصول.
وها هو أردوغان يصرّح بأنه سيعلن عن كلّ التفاصيل يوم الثلاثاء غداً . بينما ذهبت صحيفة «الغارديان» البريطانية، في عددها الصادر الخميس 18/10/2018 إلى أبعد من ذلك بكثير، حيث أكدت الصحيفة بأنّ القمع الوحشي للمعارضة يؤدّي دائماً إلى تراكم السخط الشعبي الذي ينتج عنه دائماً نتائج كارثية، والملك سلمان كبير بمعنى عاقل بما فيه الكفاية ليتذكّر ما حصل مع شاه ايران. وعليه أن يُطلع ابنه المدلل على ذكرياته أو يشاركه فيها .
إذن فإنّ الخيارات السعودية باتت محصورة في خيارين لا ثالث لهما مهما بدّلوا من رواياتهم لمسرح الجريمة واللاعبين فيه أو فيها:
ـ إما الاعتراف بقيام محمد بن سلمان بارتكاب هذه الجريمة، التي لا مثيل لها في تاريخ البشرية، وتقديمه لمحكمة دولية توقع بحقه العقاب الذي يستحقه.
ـ أو الاستمرار في المكابرة والكذب والنكران والمراوغة وصولاً الى سقوط حكم آل سعود إثر تحوّلات داخلية كبرى تطيح بالعائلة وتجعلها هائمة تبحث عن تأشيرة دخول الى دولة تقبل بإيواء كلّ أفرادها، تماماً كما حصل مع شاه ايران.
هذا ما نصحتهم به الصحيفة البريطانية المذكورة أعلاه، وما يعنيه ذلك من تسليط الضوء على حماقات ومغامرات إبن سلمان الإجرامية، في سورية وليبيا واليمن، وعنجهياته الفارغة التي أطلقها قبل عام تقريباً وأعلن فيها نيته نقل المعركة الى العمق الإيراني. وها نحن نجد أنفسنا نعيش النتائج الكارثية لحماقات هذا الداشر ونرى أنه وبحماقته قد نقل المعركة الى عمق عائلة آل سعود وليس إلى أيّ مكان آخر. الأمر الذي سيعجّل في صدور مذكرة اعتقال دولية ضدّه وجلبه إلى لاهاي ليمثل أمام المحكمة الدولية التي ستحاكمه على كلّ ما ارتكب في اليمن إلى جانب جريمة قتل الخاشقجي.
وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون.
بعدنا طيبين، قولوا الله…