صفقة غربية تركية لمنح السعودية فرصة جديدة ترجمها خطاب أردوغان الحريري إلى الرياض في رحلة «طي الصفحة» بدل «بق البحصة»… والحكومة بعد العودة
كتب المحرّر السياسيّ
وقعت اللحظة الأميركية الحرجة في حضن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فوافق على طلب أميركي مباشر لقمة عاجلة تضمّه مع الرئيس الأميركي، كما وقعت اللحظة الأوروبية الأميركية الحرجة في قضية العلاقة بالسعودية بعد مقتل جمال الخاشقجي في حضن الرئيس التركي رجب أردوغان، فوافق على الصفقة التي عرضتها مديرة وكالة المخابرات الأميركية جينا هاسبل عليه، ومضمونها التراجع عن وضع السعودية في وضعية «كش ملك» في قضية الخاشقجي والامتناع عن قول كلّ ما لديه، لمنح الحكم السعودي فرصة جديدة لتقديم رواية يمكن تسويقها حول تفاصيل ما جرى في القنصلية السعودية في اسطنبول، بينما وقعت لحظة الحرج السعودي في قضية الخاشقجي بعد رواية وكالة «رويترز» عما تعرّض له الرئيس المكلف تشكيل الحكومة في لبنان سعد الحريري على يد معاون ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، سعود القحطاني المسؤول عن قتل جمال الخاشقجي، فجاءته الدعوة لزيارة الرياض، لتبرئة ساحتها مما قالته «رويترز» وضمان تطبيع العلاقة معه، فيكون طي الصفحة بديلاً لـ «بق البحصة»، فتلقفها الحريري في لحظة حرج حكومي تستدعي دعماً سعودياً للتخلص مما تسمّيه مصادر معنية بالمفاوضات لتشكيل الحكومة، بـ «الدلع القواتي» في ظلّ دعم سعودي لحصولها على ما تريد من الحكومة الجديدة.
الوضع السعودي الجديد الفاقد عناصر القوة، والواقع في عين عاصفة لا تبدو نهاياتها قريبة، شكل كما ترى مصادر دبلوماسية رفيعة المتغيّر الرئيسي الذي يعيد تشكيل المشهد الدولي والإقليمي. فمن جهة تشعر واشنطن بفقدانها الركيزة الرئيسية لمشاريعها في المنطقة التي تمثلها السعودية، سواء بعد الفشل السعودي الذريع في ترتيب البيت الفلسطيني بما يمنح صفقة القرن القائمة على تثبيت السيطرة الإسرائيلية على القدس فرصة الولادة، أو الفشل المتمادي في حرب اليمن، وقد جاءت قضية قتل جمال الخاشقجي بقرار عالي المستوى في الأسرة الحاكمة في الرياض لتنطلق معها حملة عالمية تكبر ككرة ثلج تخرج عن سيطرة واشنطن، وتفرض إيقاعاً متسارعاً، لا يحتمل الدخول في مواجهة أميركية روسية، كانت تبدو في الواجهة، وفقاً لما هو معلن من خطوات وسياسات أميركية. وجاء طلب بولتون لعقد القمة بين بوتين وترامب ترجمة للتراجع عنها، ورغبة في مواكبة العاصفة التي توشك أن تهبّ بوجه الرياض عالمياً، بتبريد خطوط التماس المحيطة بواشنطن، خصوصاً تلك التي يشكل الرهان على الدور السعودي فيها دوراً محورياً.
الخطة الأميركية الأوروبية في مواكبة الوضع في السعودية والتي تقوم على تجنيب الرياض ما يمكن من تداعيات قاتلة للتورط بارتكاب انتهاك بالغ الخطوة لمعاهدة جنيف حول حصانة المواقع الدبلوماسية وشروط التمتع بها، ترجمتها مديرة المخابرات الأميركية جينا هاسبل في زيارتها لأنقرة ومطالبتها للرئيس التركي رجب أردوغان تجنّب وضع الحكم السعودي في قفص الاتهام، والتخلي عن توجيه طلب رسمي للأمم المتحدة في فتح تحقيق دولي في قضية الخاشقجي، مقابل تطمين أردوغان لجهة الجدية في معالجة القضايا الخلافية التي تعيق العلاقات بينه وبين عواصم الغرب، اقتصادياً وسياسياً، وخصوصاً تكريسه مرجعاً إقليمياً بعد التنافس الذي كادت السعودية تفوز به على تركيا منذ تولي محمد بن سلمان ولاية العهد في الرياض والدعم الذي حظي به من الرئيس الأميركي، فجاء كلام أردوغان باهتاً، وتوفير الفرصة أمام الرياض لتقديم رواية قابلة للتسويق يمكن قبولها لتفادي الذهاب لتحقيق دولي يمكن أن يضع ولي العهد متهماً أول في قضية الخاشقجي، وربما يضاف معه ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد وفقاً لتلميحات أردوغان عن وجود شركاء غير سعوديين في قتل الخاشقجي.
لبنانياً، جاء السفر المفاجئ للرئيس سعد الحريري إلى السعودية، رغم ضغوط مساعي تأليف الحكومة الجديدة وفي الظروف الحرجة التي تعيشها الرياض، تعبيراً عن استثمار سريع للكلام الذي نقلته وكالة «رويترز» عن دور فريق ولي العهد المكلف قتل الخاشقجي في توجيه الإهانات للحريري والتعدّي عليه بالضرب، ليقف الحريري إلى جانب السعودية في محنتها منعاً لاستغلال ما تعرّض له ضدها، بصورة تتيح له طي الصفحة مع الرياض لصالحه، واستبدال «بق البحصة» بطي الصفحة، وربما يكون الحصول على دعم بمواجهة المطالب التي ترفعها القوات اللبنانية بوجهه، بعدما خسرت القوات الراعي السعودي لملفها، سعود القحطاني المستشار الأول في الديوان الملكي والذراع اليمنى لولي العهد، والمتهم الأول في قضية الخاشقجي.
مع سفر الرئيس المكلّف سعد الحريري إلى السعودية ستأخذ الاتصالات الحكومية إجازة ليومين بانتظار عودته يوم غد الخميس، علماً أنّ المؤشرات تشير إلى أن لا تقدّم يُذكر في ما خصّ حلّ العقد المتبقية المتصلة بالحقيبة التي قد تعطى للقوات بدلاً عن العدل، وبتمثيل سنة المعارضة وإنْ كان الحريري قد ابلغ كتلة المستقبل انّ الحكومة ستتألف في غضون الأيام المقبلة. وأعلن الرئيس المكلف في دردشة مع الإعلاميين أنّ «الاتصالات لتأليف الحكومة مستمرّة مع مختلف الأطراف ولم تُجمّد».
ورداً على سؤال عن تخليه عن إحدى حقائبه في إشارة إلى وزارة الاتصالات، قال: «هل أتخلّى أكثر مما فعلت؟» وأكّد أنّ «لا خلاف مع النائب السابق وليد جنبلاط وما تمّ تداوله غير صحيح». وعن إلغاء الموعد مع النائب وائل أبو فاعور، قال الحريري: «السبب هو انشغالي وقد التقي به بعد عودتي من الرياض».
وفي هذا السياق، تشير كتلة المستقبل الى أنّ تناول التمثيل العائد للرئيس المكلف بالصورة التي يجري تداولها، من قبل بعض النواب والجهات السياسية، أمر غير مدرج في جدول أعمال التأليف، ومن شأنه أن يضيف إلى مسلسل العقد المعروفة عقدة جديدة لا وظيفة لها سوى فرض شروط جديدة وغير مقبولة لن يُقرّ بها الرئيس المكلف تحت أيّ ظرفٍ من الظروف، مضيفة لن يكون من الجائز والمنطقي بعد اليوم، العمل على ابتداع أعراف جديدة تقضي بتخصيص حقائب معينة لهذه الجهة أو تلك، الأمر الذي يعيق عملية التأليف ويخالف المسؤوليات الدستورية المنوطة بالرئيس المكلف.
وبينما التقى الحريري الوزير جبران باسيل في بيت الوسط مساء أمس بعيداً عن الإعلام قبل سفره إلى السعودية، أشارت مصادر مطلعة لـ»البناء» الى أنّ الحريري يملك الحلّ لعقدة وزارة العدل المتبقية مع القوات، مشيرة الى تلميح البعض الى انّ الرئيس المكلف قد يُسند وزارة الاتصالات الى القوات بعد تعذر سحب وزارة التربية من الحزب التقدمي الاشتراكي أو الطاقة من تكتل لبنان القوي اسوة بوزارة العدل.
بالتوازي نفت مصادر تيار المستقبل لـ «البناء» صحة ما تقدّم عن إسناد الاتصالات للقوات، مشيرة الى ان الرئيس الحريري لم يدخل خلال اجتماع كتلة المستقبل في التفاصيل الدقيقة ولجأ الى منطق استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، خصوصاً إذا كانت الحاجة بحجم تأليف حكومة باتت بمثابة خشبة خلاص للبلد لتجنّب التداعيات الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة التي قد تلحق بنا، مضيفة «لقد أبلغنا الرئيس الحريري انّ «الأمور تتطوّر إيجاباً وانشالله الفرج ما يكون بعيد»، لافتة إلى أنّ موضوع السنة المستقلين غير موجود على جدول اتصالات الرئيس المكلف المتعلقة بالتأليف.
وختمت المصادر بالقول «الحكومة قريبة جداً جداً، ويجب التفاؤل بالخير».
في موازاة ذلك، ينقل زوار عين التينة لـ «البناء» أن لا شيء في الأفق يوحي بتقدّم على صعيد تأليف الحكومة، لافتة الى انّ الأمور لا تزال على حالها وليس هناك من جديد يُذكر. وأشارت المصادر إلى أنّ العقدة المسيحية أسوة بعقدة لم تحلّ بعد لا سيما انّ وزارة التربية حسمت للحزب التقدمي الاشتراكي، كذلك الأمر بالنسبة الى تمثيل سنة المعارضة. ولفت الزوار نقلاً عن بري انه يجري اتصالات بعيدة عن الإعلام لتذليل العقد التي تعترض طريق التشكيل وانه طالب منذ اليوم الأول بتمثيل السنة المستقلين بوزير واحد.
وأشارت مصادر حزب القوات لـ «البناء» إلى أنها تطالب بحقيبة بحجم وزارة العدل تتصل بحسن تمثيلها في الحكومة انطلاقاً من حجمها التمثيلي الذي افرزته نتائج الانتخابات النيابية، مشيرة الى انّ الأمور ستتوضح خلال الساعات الـ 48 المقبلة بشأن الطروحات التي قدّمتها، لافتة إلى أنّ حرصها على أفضل العلاقات مع الرئيس ميشال عون، لن يمنعها من المطالبة بحصة تراعي وزنها وحجمها وفق المواصفات التي وضعتها معراب أسوة بمطالب المكونات السياسية.
وأكد تكتل لبنان القوي أنّ «حقيبة العدل ليست المشكلة وكانت من حصة رئيس الجمهورية، وفي غياب المداورة من حقّه أن تكون لديه الوسيلة للإصلاح الفعلي». وأوضح أنّ «الطلبات الجديدة ليست في محلها وعلينا أن نواجه الاستحقاقات معاً من سيدر إلى النفايات والكهرباء والملفات التربوية»، آملة أن «تتظهّر في الأيام المقبلة الصورة الإيجابية في حكومة وحدة وطنية تمثل كل اللبنانيين».
وأعربت مصادر تكتل لبنان القوي عن تفاؤلها بقرب ولادة الحكومة مشيرة لـ «البناء» الى أنّ الآمال كبيرة بإمكانية التوصل الى حلّ للعقدة القواتية، لكن ليس على حساب التنازل عن وزارة العدل التي حسمت بأنها ستبقى مع رئيس الجمهورية، نافية أن يكون الرئيس عون قد عرض التنازل عنها للقوات في أي لقاء مع الرئيس المكلف. ولفتت الى أنه لم يعد لدينا كتكتل ما نقدّمه لتسهيل ولادة الحكومة، فالعقد عند غيرنا وبالتحديد عند القوات التي يجب أن تتواصل مع الرئيس المكلف والحزب الاشتراكي لحسم نوعية الحقيبة الثالثة بينهم.
ورجحت المصادر أن تكون وزارة العمل هي بديل عن العدل، موضحة أننا كتكتل لبنان القوي حدّدنا مطالبنا وأخذناها ولا نتدخل في حصص غيرنا ولا نضع الفيتوات ولسنا نحن من يؤلف الحكومة نيابة عن رئيسي الحكومة والجمهورية، أما بشأن عقدة توزير سنة المعارضة فلفتت المصادر العونية الى أنّ «هذه العقدة في عهدة الرئيس المكلف، أما نحن فلا مانع لدينا بتمثيلهم والرئيس عون يدعم أيضاً». وعن سفر الحريري إلى السعودية أجابت المصادر: «يروح ويرجع بالسلامة! لكن مسألة تأليف الحكومة شأن لبناني في نهاية المطاف»…
دل كول في بعبدا
من ناحية اخرى زار قائد القوات الدولية العاملة في الجنوب اليونيفيل الجنرال ستيفانو دل كول Stefano Del Col رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري والرئيس المكلف سعد الحريري وجرى البحث في الوضع في الجنوب. وأكد الرئيس عون لقائد اليونيفيل ان الادّعاءات الاسرائيلية عن وجود أسلحة في محيط مطار بيروت، وفي أماكن آهلة بالسكان، قد ثبت بطلانها بعد التدقيق الذي حصل ميدانياً، وشارك فيه رؤساء البعثات الدبلوماسية في لبنان. وأشار الرئيس عون الى انّ هذه الادّعاءات تندرج في إطار الممارسات الإسرائيلية الهادفة الى إبقاء التوتر في منطقة الجنوب، في حين يلاحظ الجميع أنّ الطيران الإسرائيلي ينتهك الأجواء اللبنانية باستمرار لقصف الأراضي السورية.
واعتبر الرئيس عون أنّ رفض «إسرائيل» ترسيم الحدود البحرية في المنطقة الاقتصادية الخالصة يخفي نياتها المبيّتة، لأنّ حلّ الخلاف حول الحدود البرية والبحرية وإعادة ترسيمها وفقاً للأصول، يعزز الاستقرار على الحدود.