هبوط أسعار النفط: هل هي مؤامرة؟

حميدي العبدالله

يسود اعتقاد واسع بأنّ انخفاض أسعار النفط هو عبارة عن لعبة أو مؤامرة تقف وراءها الحكومات الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة وحلفاؤها وعلى رأسهم السعودية من أجل الضغط على روسيا وإيران.

وبات هذا التحليل يشقّ طريقه إلى وسائل الإعلام، بل إنّ بعض المحللين الاقتصاديين تبنّى هذا الاستنتاج. لكن الحقيقة غير ذلك، فلو أنّ الهدف من خفض أسعار النفط هو إركاع إيران والتأثير على قدرتها على توظيف عائدات النفط لبناء قدراتها التنموية والعسكرية لكانت لجأت إلى هذا الأسلوب في السنوات الماضية عندما كان الصراع بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، وبين إيران من جهة أخرى على أشدّه، وليس في الوقت الذي تتجه فيه الأزمة إلى الانفراج بين الطرفين بعد توقيع الاتفاق الانتقالي واحتمال التوصل إلى اتفاق نهائي ينهي مسألة الملف النووي الإيراني في فترة غير بعيدة.

كما أنّ القول إنّ السعودية زادت إنتاجها للوصول إلى هذه الغاية من خلال جعل العرض فائضاً عن الطلب كلام يعوزه الكثير من الدقة، فالسعودية في الأساس كانت تنتج أقصى طاقة لها وهي 10 ملايين برميل يومياً، وقد رفعت مستوى الإنتاج إلى أقصاه عندما كان سعر برميل النفط يرتفع إلى أن وصل إلى حدود 144 دولاراً للبرميل الواحد، ومع ذلك لم تتمكن هذه الزيادة التي بلغت أقصاها وشملت 2 مليون برميل من النفط الثقيل في وقف صعود الأسعار عندما كانت الظروف في ذلك الوقت تفرض هذا الارتفاع القوي.

أسباب انخفاض أسعار النفط لها علاقة بعوامل أخرى ليس في عدادها الخطة لتركيع روسيا وإيران، ومن هذه العوامل الاقتصادية الركود الاقتصادي المستمرّ، وتزايد الإنتاج الطبيعي مع اكتشاف دول جديدة للنفط ومساهمتها في تغذية السوق، وبيع النفط بأسعار رخيصة في بعض أسواق المنطقة من قبل التنظيمات المسلحة التي سيطرت على آبار في سورية والعراق وليبيا. وهذه هي العوامل الاقتصادية الفعلية التي تفسّر تراجع أسعار النفط.

أما القول إنّ السعودية والولايات المتحدة وبعض الحكومات الغربية تقوم عن قصد بخفض الأسعار فهذا يعني أنّ هذه الحكومات تمارس الانتحار الاقتصادي من أجل إلحاق الأذى بهاتين الدولتين، إذ من المعروف أنّ عائدات النفط توزع بين الشركات الغربية والحكومات المنتجة، وتراجع الأسعار يعني تراجع عائدات الشركات وكذلك الحكومات المنتجة، ومعروف أنّ الشركات الغربية تساهم في تغذية خزائن الدول الغربية عبر الضرائب على أرباح هذه الشركات، كما أنّ عائدات النفط تستخدم من قبل حكومات المنطقة للإنفاق على التسليح الذي يأتي من الغرب، وعلى تمويل الموازنات السنوية، وكلّ تراجع في الأسعار يؤثر سلباً على خزائن الحكومات الغربية وعلى أرباح الشركات، إضافة إلى الانعكاسات السلبية الحادّة على الدول المنتجة، حيث كانت الكويت أول دولة تعلن عن عجز في موازنتها جراء انخفاض الأسعار.

عند المقارنة بين الأذى الذي يلحقه انخفاض أسعار النفط بالشركات والحكومات الغربية والحكومات المنتجة للنفط، مع الأذى الذي تلحقه هذه العملية بروسيا وإيران يظهر أنّ الأذى الأكبر هو الذي يصيب الحكومات الغربية وليس روسيا وإيران، فهل بعد هذا يمكن أن تقوم الحكومات الغربية بخفض أسعار النفط عن عمد فقط لإلحاق الأذى بروسيا وإيران في حين أنّ هذا الأذى أكبر على مصالحها؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى