حرب الأفاعي وقطع رأس الأفعى
د. حسام الدين خلاصي
من أسبوع إلى أسبوع تختلف المعطيات العسكرية والسياسية، في الأزمة المحتدمة في المنطقة والعالم هناك ثوابت وهناك متغيّرات في طبيعة الصراع الجيوسياسي، وبات كلّ يغنّي على ليلاه مع اقتراب انتهاء ولاية أوباما الثانية، والتمترس الواضح لطرفي الصراع كلّ خلف موقفه يدلّ على أنّ مرحلة لا غالب ولا مغلوب لا يمكن أن تستمرّ طويلاً، و يجب أن تحسم على عكس ما يقوله بعض المحللين بل أغلبهم بأنّ إطالة عمر الصراع هو من مصلحة الهيمنة الأميركية والمطامع الصهيونية، وعبارة يجب أن تحسم بدأت تظهر بجدية عبر محور المقاومة والدول الحليفة له ولكلّ ذلك مؤشرات ما بين الثوابت والمتغيّرات.
بالعودة إلى الثوابت فإنها تتلخص في كون المعتدي مصمّم على تنفيذ مخططه التلمودي القاضي بقيام دولة «إسرائيل» الكبرى على أنقاض تفتت دول المنطقة مهما كان الثمن سورية مصر – العراق السودان لبنان تركيا إلى دويلات صغيرة مع مراعاة المصالح النفطية والغازية للدول الراعية لهذا المخطط.
وبالنسبة إلى الضفة الأخرى للدول المدافعة عن سيادتها مصر سورية لبنان العراق والمعنية أكثر ما يمكن بالدفاع عن الوجود العربي والسيادة الوطنية من خلال جيوش ذات عقيدة، فإنّ ثوابتها تتلخص في الحفاظ على الجغرافيا السياسية لها، وكذلك استعادة ما سلب من أرضها وصدّ العدوان الصهيوني المتكرّر ذاتياً أو عبر عصابات القتل والتكفير داعش وأخواتها .
أما المتغيّرات عند حلفاء المخطط الصهيوني في المنطقة فهو استبدال الخطط الأصلية بخطط بديلة تعتمد على تكبير الوحش «داعش» وفرضه أمراً واقعاً في المنطقة والعالم بطرق شتى، واستعجال إظهار خطره كي تزداد رقعة الدول المتحالفة ضدّ هذا العدو المتضخم عبر الإعلام الغربي، وعبر تسهيل مهمته وإقحامه بأعداد وهمية ليتصوّره المجتمع الدولي أنه الغول الذي لا بدّ من التخلص منه، ومن هنا كانت الهجمة كمتغيّر على عين العرب والاستفادة من حمّى حق تقرير المصير والموضة التي تجتاح العالم على هذا الأساس، والتي آخرها حصل في كاتالونيا الاسبانية، ظناً من المنظرين للمشروع الصهيوني بأنّ دولة كردية مستقلة انفصالية على الأراضي السورية ستسهّل مهمة الصهاينة على دروب الفرات والغاز والنفط وانبعاث فكرة «الوطن القومي لليهود» والقومي هنا بمعناه الديني البغيض فقط على غرار «الدولة الاسلامية الداعشية» ذات الطابع السني الموحى به.
وللحديث عن المتغيّرات على المقلب الآخر لدى حلف المقاومة، فإنّ الصبر والصمود وتغيير الخطط العسكرية والسياسية مثال في خطاب القسم للرئيس الدكتور بشار الأسد تحدّد مع من يكون الحوار، وما هو مستقبل سورية بعد 3 سنوات من الأزمة، ومبشراً ببدء مرحلة جديدة من الصراع، وفي ذلك نسف لأسس جنيف القديمة وفق تقلب مسار العصابات التكفيرية ومشغليها من «جبهة النصرة» و«داعش» و«جبهة ثوار سورية» و«حركة حزم» وغيرها كثير… فإننا نجد الدعم اللوجستي والسياسي والعسكري المعلن عنه من قبل الحلفاء للجيش العربي السوري والعراقي والمصري واللبناني على الرغم من تواضع قبول الدعم من قبل الأخيريْن، يساهم كثيراً في التمكّن من مسار المعركة والتي استمرّت في سورية لوحدها قرابة الأربع سنوات وفي العراق منذ سنة تقريباً وأقلّ بالنسبة للأخيريْن، ولقد تحققت انتصارات عديدة على الأرض السورية بعد التخلص من حالة الانكماش، فعاد الجيش العربي السوري للتمدّد على مناطق عدة في طريقة تعتمد الردّ أحياناً وعلى الهجوم أحياناً أخرى، لا بل غالباً تبعاً لتحركات تلك العصابات والتي ترسم عبر البنتاغون والموساد والتي احتارت في السبيل الحقيقي لإسقاط الدولة السورية وهي التي حاولت عبر الكيماوي وعبر سياسة المناطق العازلة والتلويح بها، ومؤخراً عبر دي ميستورا التي يفترض أنّ المدخل إلى الحلّ السياسي يتمّ عبر المناطق المجمّدة التي لوح بها الشقيقان «الإخوانيان» المجرم أردوغان وأهبل فرنسا ورئيسها.
هذه كانت بعض من مؤشرات الثوابت والمتغيّرات لدى طرفي النزاع أصحاب الأرض والمعتدي، والمفيد ذكره هنا أنّ أطماع المخطط التلمودي الصهيوني لم تعد خافية على أحد، وباتت القصة مكشوفة بصفاقة، ولم يعد أوباما اليائس وإدارته المنفضة من حوله يخفيان التلطي خلف قضايا الديمقراطية و«الربيع العربي» بل صار أوقح من ذي قبل لأنه يعرف أنّ الوقت سيمرّ بسرعة، وسرعان ما سيطير هو وحزبه من الإدارة الأميركية، ولكن هذا لن يغيّر في واقع الأمر شيئاً، ولكننا لم نفاجأ بأنّ الجمهوريين ماضون بالأطماع نفسها في منطقتنا ولكن بنهج جديد، وبالتالي فإنّ حرب الأفاعي هذه ستستمرّ لفترة طويلة.
وأتى منذ أيام خطاب السيد حسن نصرالله على خلفية الترحيب السوري، وبالعجز السياسي للأمم المتحدة، التي باتت شريكاً في سفك الدم السوري عبر تعاميها عن كدسة من الحقائق والأورام السرطانية الواضحة لصفاقة الغرب وتركيا والخليج، فلقد رحبت سورية بمشروع دي ميستورا شريطة الاطلاع على التفاصيل رغم معرفة السوريين بأنّ ما يحمله إنما هو تمهيد لتقسيم عبر مشروع المناطق المجمّدة، ولكن سورية لعبت معه لعبة الوقت أيضاً كما جاء هو ليلعب، وكذلك خطاب السيد نصر الله الأخير أخذ بعين الاعتبار تقدّم الموقف الإيراني الصلب في مباحثات النووي والخطاب القاسي لروسيا وإيران باتجاه تركيا، والتي ظهر واضحاً أنّ عصابات «الجيش الحرّ» رفضت لإنقاذ «الإخواني» أردوغان حلب كمنطقة مجمّدة، واقترحت الجنوب السوري كطرف أفضل لأنهم يعلمون أنّ الخصومة بين «إسرائيل» الكيان الغاصب وروسيا هي أقلّ حدة، وهنا ينخفض التهديد الروسي الإيراني إلى درجة النصف ويبقى الأمر متعلقاً بمحور المقاومة سورية ايران حزب الله ، والخطاب أتى أيضاً على تبدّل موقف مصر التي استشعرت عن بعد أنّ المصاب جلل وأنّ الداعشية ايبولا العصر ستطالها، لذلك عدّلت البوصلة باتجاه دمشق وبدأت المباحثات السرية للتمهيد وللتنسيق مع قلب العروبة النابض، وأخيراً وليس آخراً فإنّ تونس عاصمة «الربيع العربي» المزيف نفضت عن كاهلها «الإخوانية النهضوية المزيفة» واستعادت العلمانية الأصلية لقوامها في إدارة شؤون البلاد ومدّت يدها للشام.
هذه المعطيات كلها إضافة إلى انتصارات المقاومة مع الجيش العربي السوري في القلمون أعطت لخطاب السيد نصر الله الناطق العسكري الأكيد لمحور المقاومة نكهة تمّوز، فكان التهديد واضحاً صريحاً جلياً لا يمسّه لبس بأنّ أراضي فلسطين المحتلة كلها تحت مرمى الصواريخ المهندَسة سورياً، ومن هذا الوعد الصادق نستشفّ أنّ التلميح بات واضحاً لقطع رأس الأفعى الأصلية، فلقد بلغ السيل الزبى، ومحور المقاومة وجد أنّ الحديث بهذه الطريقة هو جرس الإنذار لحرب استعادة الوجود العربي، وإلى هدّ وجود جرثومي صهيوني، لأنّ الحرب على الإرهاب الداعشي ومشغليه لم تعد تخيف السوريين، وبات التمرّس على القضاء على معاقل الإرهاب على الأرض السورية إدماناً حتى تنظيف كامل التراب السوري، ولكن الحرب والتلويح بها هنا لقطع رأس الأفعى إنْ لم يقتنع أوباما، ذلك المختلط عليه بأنّ القدوم إلى أرض المقاومة ليس نزهة، وأنّ مشروع سيدته «إسرائيل» لن يمرّ بالسهولة المتوقعة، وأنّ عليه الحرص على الكيان الأمّ الصهيوني إنْ أراد أن يسلّم بامتيازات نفطية إنْ سمحت الدول المنتصرة بذلك، وعلى العموم خطاب السيد نصرالله مختلف هذه المرة…
ولأنّ وحدة الحال بينه وبين السوريين باتت وحدة الدم والمصير فلقد نطق بما لا تنطق به الديبلوماسية، فهو رجل مقاومة ميدان، والانتقال من مرحلة الدفاع إلى الهجوم قابل للتطبيق في كلّ لحظة، فليتأهّب العرب.