نحو حسم حمص وإشارة الأسد للانعطاف دفاع المصارف: جنبلاط وسليمان والدستوري

كتب المحرر السياسي

ترتسم علامات استفهام كبرى حول انعقاد اجتماع جنيف الخاص بأوكرانيا يوم الخميس المقبل، بعدما تعددت وتكثفت المشاورات لضبط الوضع في شرق أوكرانيا من دون جدوى، ووصل وزير الخارجية الروسي للقول بداية بعد حوار هاتفي مع وزير الخارجية الأميركي إن اجتماع جنيف سيطاح إذا لم تلتزم حكومة غرب أوكرانيا بوقف العنف بحق المعتصمين المدنيين في شرقها، ورد عليه الوزير الأميركي برفض التهديد محملاً روسيا عبر مخابراتها التحريض على العنف في شرق أوكرانيا، ولم تتوضح صورة اجتماع جنيف الذي يفترض أن يضم الوزيرين سيرجي لافروف وجون كيري وكاترين آشتون مفوضة الخارجية الأوربية وأندرية دي شيتيسا وزير الخارجية الأوكراني بالوكالة، فقد أعقب لافروف حواراً هاتفياً مع دي شيتيسا بالقول، إننا ما زلنا نبحث الفائدة من عقد اللقاء وسنحضره إذا كانت وظيفته تشجيع حكومة غرب أوكرانيا للحوار مع الأقاليم.

الضبابية المحيطة بجنيف الأوكراني رافقتها مواجهات دامية في مواقع عدة من شرق أوكرانيا كان أبرزها سقوط ضحايا في سلافيانسك ودونيتسك ولوغانسك.

خروج آلاف الشرق أوكرانيين من أصول روسية مطالبين بالاستفتاء على الانفصال واحتلالهم المقار الحكومية ورفعهم للأعلام الروسية، أشار إلى أن المعادلة الروسية لجنيف هي إما استفتاء على الكونفدرالية يسبق الانتخابات الرئاسية، أو أن سيناريو القرم سيكون قابلاً للتكرار في شرق أوكرانيا.

هل سيتسنى حضور لافروف في جنيف الخميس وهو يغادر إلى الصين الثلاثاء؟ وهل سيكون ممكناً الحديث عن تسوية سريعة لأوكرانيا بينما واشنطن تظن سلاح العقوبات فعالاً في تغيير مواقف موسكو؟ يبدو أن تركيا التي تلقت صفعة أطلسية عندما قدمت أوراق اعتمادها عبر بوابة سورية للتصعيد ضد روسيا واستخدام مضيق البوسفور للتضييق على الأسطول الروسي، امتلكت الجواب عن المسافة بين الكلام الغربي وقدرة الأفعال، ولذلك قررت مهادنة روسيا والتفرغ لتثبيت حضورها في مواجهات الشمال السوري، فاستقدمت مقاتليها التتار والشيشان والداغستانيين إلى جبهة كسب، ووقف وزير خارجيتها داوود أوغلو ليؤكد التمسك باتفاقية مونترو التي تحصر العبور بمضيق البوسفور للسفن العسكرية بأساطيل الدول المطلة على البحر الأسود وهي تركيا وأوكرانيا وروسيا، وتضع قيوداً على الدول الأجنبية عنه كحال أميركا، رافضاً أي توتر في العلاقة مع موسكو.

غياب الأقنية الدولية الصالحة لصناعة التسويات وزيادة التوترات بين موسكو وواشنطن، فتح الباب لتكون العين على آخر المحاولات اليائسة لتصنيع هجمات تمكن المعارضة المسلحة بتشكيلاتها وتسمياتها المتعددة من تسجيل أي نصر موضعي، يمكن وضعه في خانة إعادة التوازن، فكانت هجمات الحدود التركية والتعزيزات التي جلبها الأتراك من ألفي مقاتل من التتار والداغستانيين والشيشانيين، وقد تمكن الجيش السوري من امتصاص الهجوم واستيعاب نتائجه والتأسيس لهجومه المعاكس باسترداد البرج 45، كما في حلب فشلت محاولات تجميع البنية القتالية لجبهة النصرة مع المقاتلين الوافدين من الحدود التركية والواصلين جواً من عمان بعد خروج الأردن من مغامرة المواجهة الحدودية، وتمكن الجيش من حماية مواقعه خصوصاً دوار المالية وجمعية الزهراء ومقر الاستخبارات الجوية، لتصير جبهات القتال التي تشهد تغييرات حقيقية هي تلك الممتدة من القلمون إلى جوبر وخصوصاً حمص.

هكذا أضاء الرئيس بشار الأسد بحديثه أمام أساتذة وطلاب العلوم السياسية في جامعة دمشق عن دخول المواجهة الدائرة انعطافاً عسكرياً وشعبياً لمصلحة الدولة، سواء بالإنجازات التي يحققها الجيش أو بالتبدل الحاصل في المزاج الشعبي الذي تسنى له التعرف عن قرب إلى المجموعات التي تحمل لواء المعارضة وتمكن من اختبار التفسير والوصف اللذين تقدمها الدولة لما تشهده سورية ليكتشف صدقيتها أكثر فأكثر، وبدا كلام الرئيس الأسد إشارة لتطورات حاسمة في الميدان حملتها أنباء القلمون من رنكوس ومستشفى القلمون الكبير ومن الغوطة في تطورات محاور جوبر، لكن التطور الأبرز كان الاعتراف الذي حملته قناة العربية عن بدء تهيؤ حمص لتسليم المسلحين أسلحتهم وخروجهم من كل أحيائها، بعدما فشلت كل محاولات فك الطوق عنهم وإيصال خطوط الإمداد لهم، فما جرى في القصير وزارة وقلعة الحصن ويبرود، شكل نقطة التحول في الحقل، والحصاد يبدو قريباً في بيادر حمص.

بانتظار التطورات الإقليمية والدولية الكبرى التي يمكن أن تضيء القرار اللبناني بشأن الاستحقاق الرئاسي، تبقى سلسلة الرتب والرواتب امتحاناً من جهة وتمريناً من جهة أخرى لخلط أوراق التكتلات السياسية والنيابية نحو الاستحقاق الرئاسي، الذي ينتظر قبل نهاية الشهر تلاقي نداء البطريرك بشارة الراعي مع دعوة الرئيس نبيه بري.

غداً ينعقد مجلس النواب للبت في مصير السلسلة التي جرجرت وتعقدت وصارت عبئاً ينتظر النواب أن ينزاح عن أكتافهم، بينما نجحت جمعية المصارف بإحداث خرق في جبهة النواب المحسوبين في دائرة التأييد للتصويت على السلسلة، بالكلام الملتبس عن الإصلاح الذي أطلقه النائب وليد جنبلاط عن احتمال كبير لرفض كتلته التصويت بنعم للسلسلة، بسبب «عدم توافر مصادر تمويل واضحة لها».

بعد جنبلاط كخط دفاع أول تتحدث مصادر مصرفية عن الرهان على قيام رئيس الجمهورية بردّ القانون لمجلس النواب إذا تم إقراره، وبالتوازي قيام عدد من النواب بتحضير طعن لدى المجلس الدستوري إذا مر القانون بتأكيد جديد من النواب مرة أخرى بعد ردّه، وهذا يعني جرجرة السلسلة في جلجلة تمتدّ أشهراً قد يمد أجلها حال المجلس الدستوري المعطل.

ومشكلة السلسلة الموازية تتمثل في الإرضاءات والإضافات التي قد تتعرض لها لتضمن المرور النيابي والتمويلي، سواء باجتزاء بعض المطالب أو تحجيمها، أو زيادات ضرائبية مما سيؤدي إلى رفض نقابي غاضب ينتقل إلى الشارع.

ضباب السلسلة قد يخلق مناخاً من التوتر في الشارع يطغى على ملفي الأمن والرئاسة، ما لم يتصرف مجلس النواب بذكاء الترفع على الحسابات والولاءات.

غداً يوم حاسم في مصير السلسلة

في هذا الوقت، ينتظر أن يمثّل يوم غد الموعد الحاسم بين إقرار سلسلة الرتب والرواتب بما يتناسب مع حقوق المعلمين والموظفين والسلك العسكري، بالتوازي مع إمكانات الدولة، واحتمال عودة التصعيد النقابي من قِبل هيئة التنسيق إلى الشارع، إذا تجاوزت التعديلات على السلسلة ما يمكن أن تقبل به الهيئة ونقابات المعلمين والموظفين.

ثلاثة بنود ضبابية

فيما صعّدت جمعية المصارف والهيئات الاقتصادية وأصحاب رؤوس الأموال والثروات الخيالية من اعتراضاتهم على إقرار السلسلة عبر تمنّعهم عن المشاركة بالحد الأدنى من الضرائب على أرباحهم بما في ذلك أصحاب المخالفات البحرية، بدت أجواء الجلسة النيابية غير واضحة قبل 24 ساعة من انعقادها خصوصاً في ثلاثة مواضيع أساسية ترفضها هيئة التنسيق ومعها الاتحاد العمالي العام وهي: محاولة بعض الكتل مدعوة من الهيئات الاقتصادية رفع ضريبة القيمة المضافة أي الـ TVA إلى 12 في المئة، لتشمل كل السلع والمواد لا أن تقتصر على الكماليات، ومصير المفعول الرجعي وفق ما كانت الحكومة السابقة قد أقرّته في مقابل محاولات إلغاء هذا المفعول وأيضاً السعي إلى تجزئة السلسلة ما بين ثلاثة وخمسة أعوام، ما يفقدها قيمتها ولا يعطي الحق لأصحابه من معلّمين وموظفين وسلك عسكري.

وبينما بقيت مواقف بعض الكتل النيابية غير واضحة حيال هذه القضايا الثلاث الأساسية المتصلة بمصير السلسلة، خصوصاً كتلة «المستقبل» التي يبدو أن موقفها أقرب إلى موقف جمعية المصارف والهيئات الاقتصادية، كان لافتاً إعلان رئيس جبهة النضال النائب وليد جنبلاط في حديث أمس، أنه وأعضاء كتلته سيعترضون في الهيئة العامة على مشروع السلسلة إذا لم تتوافر الواردات المالية بوضوح. وقال إنه لن يصوّت على أي زيادة إذا لم يتم الدخول والشروع في عملية إصلاحية حقيقية في الإدارات والمؤسسات العامة، علماً أن وفداً من جبهة النضال زار قبل أيام هيئة التنسيق النقابية، معلناً تضامنه مع مطالبها.

تطيير المفعول الرجعي

لكن في المداولات التي انتهت إليها اللجان، وفي أجواء الكتل النيابية أن الاتجاه الأقوى في الجلسة العامة نحو إلغاء المفعول الرجعي وهو الأمر الذي سترفضه هيئة التنسيق بشكل حاسم.

على كلٍ، فإن الأنظار تتجه إلى ساحة النجمة حيث تنعقد الجلسة العامة يوم غد لإقرار السلسلة، في وقت دعت هيئة التنسيق إلى جمعيات عمومية اليوم للإضراب والاعتصام غداً بالتزامن مع الجلسة، مؤكدة التزامها بالوعد الذي قطعته لرئيس مجلس النواب نبيه بري بعدم اللجوء إلى الإضراب المفتوح أو مقاطعة التصحيح، وأن تبني على الشيء مقتضاه في ضوء الجلسة.

برّي مرتاح لعمل اللجان وإقرار السلسلة

وقد وزّع مشروع السلسلة بصيغته الجديدة بعد جلسات اللجان على النواب، مرفقاً بتقرير هذه اللجان، ووصف الرئيس بري أمام زوّاره التقرير وما جرى في اللجان بأنه خطوة إصلاحية كبيرة على المستويين الإداري والضريبي، ستليها ورشة إصلاحية واسعة للمجلس تبدأ بتعزيز الهيئات الرقابية والتفتيش المركزي في عملها لمكافحة الفساد. وبدا بري مرتاحاً لما توصّلت إليه اللجان، مشيراً إلى أن الإصلاحات يمكن أن تنفّذ قبل وبعد انتخاب الرئاسة، وألمح إلى الاتجاه لتقسيط السلسلة على ثلاث سنوات، لكي يكون الاقتصاد قادراً على حسم المتوجبات المترتبة عليه أكثر. وحول اعتراض جنبلاط قال: «عندما يقرأ تقرير اللجان سيغيّر موقفه».

ومن المتوقع أن ينتهي مجلس النواب إلى إقرار السلسلة وفق الأرقام التي انتهت إليها اللجان مع العلم أن هذه النتيجة يمكن أن يطرأ عليها تعديل في ضوء النقاشات.

مصادر نيابية

ووفق مصادر نيابية عليمة، فإن النيّة لإقرار السلسلة موجودة، لكن هذا الأمر لن يكون سهلاً، إذ إن النقاش في الهيئة العامة سيكون أصعب مما كان في اللجان، خصوصاً أن بعض النواب سينطلق في مناقشاته من مبدأ المزايدات السياسية إن على مستوى الـ TVA أو الضرائب على فوائد المصارف أو الغرامات على الأملاك البحرية. وتقول المصادر إن الرئيس بري سيكون حاسماً تجاه المواد التي أُشبعت درساً وتمكّنت اللجان من البتّ بها، ولذلك سيعمل لحصر النقاش في المواد المعلّقة، ولا بد من أن أي إقرار للسلسلة سيراعي المطالب من جهة والمصلحة الاقتصادية والمالية للبنان من جهة ثانية. ورأت أن المخرج لذلك يكون في إجراء العديد من الإصلاحات تزامناً مع عملية إقرار السلسلة، وأولى هذه الإصلاحات يجب أن تعمل لوقف الهدر والفساد في كثير من المؤسسات والمرافق، خصوصاً في مرفأ بيروت والريوع العقارية، لأنه إذا جرى ضبط هذه المؤسسات والمرافق ستدخل إلى خزينة الدولة مئات ملايين الدولارات.

ولفتت المصادر إلى أن المجلس النيابي ليس في وارد الخضوع لحملات التهويل، فالأمور باتت مكشوفة بعد الحملة الشعواء لمنع أي أضرار على المصارف وأصحاب الشركات الكبرى، وبالتالي فمصادر تمويل السلسلة أصبحت مؤمّنة ولا تحتاج إلى عناء البحث عن مصادر تمويل يراد منها تحميل الفقراء والعمال وزر هذه السلسلة، مشددة على أن الهيئة العامة ستقر السلسلة مع بعض «الروتشة» والترشيق بالشكل الذي يوازي بين إعطاء الموظفين والمعلمين حقوقهم وبين الحفاظ على التوازن في المالية العامة.

المشاورات حول اسم الرئيس تبدأ فعلياً بعد الجلسة الأولى

أما في شأن الاستحقاق الرئاسي، فالمصادر السياسية المتابعة رجّحت أن دخول البلاد مرحلة «تسخين» هذا الاستحقاق بعد الانتهاء من ملف سلسلة الرتب والرواتب. ولاحظت أن الحماوة الحقيقية ستنطلق مع تحديد الرئيس بري موعد الجلسة الأولى للانتخابات المقررة قبل نهاية الشهر الجاري، وإن كانت هذه الجلسة لن تنتهي إلى انتخاب الرئيس الجديد إنما ستشكّل «بروفة» أولية.

واعتبرت المصادر أن المسار الجدي لعملية «جوجلة» الترشيحات، ستبدأ عملياً بعد جلسة الانتخاب الأولى، إذ ستنطلق الاتصالات الجدية بين الكتل النيابية لمحاولة الاتفاق على رئيس بين أكثرية هذه الكتل، خصوصاً أن لعبة إسقاط النصاب مضمونة لكل من فريقي 8 و14 آذار، ويتطلّب انعقاد الجلسة حضور ثلثي أعضاء مجلس النواب.

وترى المصادر أنه مهما يكن موقف «14 آذار» من موضوع ترشّح رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع، حتى ولو جرى التوافق داخل هذا الفريق على الترشيح فإن تيار «المستقبل» أولاً مع حلفائه الآخرين مضطرون بعد الجلسة الأولى للدخول في عملية تفاوض مع الأطراف الأخرى، حول مرشح مقبول من أكثرية الكتل والقوى السياسية، لكن إذا أصرّ «المستقبل» وحلفاؤه على الاستمرار في ترشيح جعجع، فمعنى ذلك أن المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس في 25 أيار المقبل، ستنتهي من دون أن يكون مجلس النواب قد تمكّن من انتخاب رئيس جديد، وهذا الوقت سيقود حكماً إلى حصول فراغ في رئاسة الجمهورية.

صيد ثمين لمخابرات الجيش

في الشأن الأمني، وسّعت وحدات الجيش اللبناني من نطاق عملية الانتشار في منطقة البقاع الشمالي لتمتد إلى البقاع الأوسط، فقد قامت في الساعات الـ 48 الماضية بحملة مداهمات واسعة من عرسال إلى قرى المنطقة وصولاً إلى حي الشراونة في بعلبك وأحياء أخرى، وتمكّنت من توقيف عدد من أخطر المطلوبين في تفخيخ السيارات، بينهم المدعو أحمد الأطرش الملقّب بـ«نسر عرسال» وهو شقيق الإرهابي سامي الأطرش الذي قتل خلال عملية مداهمة للجيش قبل أيام. وخلال مداهمة مخابرات الجيش منزلاً في جرود عرسال كان الموقوف الأطرش يستخدمه وصادرت منه عدداً من السيارات المسروقة. وأكدت قيادة الجيش أن الأطرش يشتبه بتورطه بأعمال إرهابية وبوشر التحقيق معه بإشراف القضاء المختص.

كذلك، تمكّنت وحدات الجيش من توقيف عدد من المطلوبين، بينهم أحد أخطر المطلوبين المدعو علي خضر جعفر والمعروف بعلي الشعار الذي ارتبط اسمه بالكثير من عمليات الخطف والاعتداء على القوى الأمنية والاشتراك مع آخرين في خطف لبنانيين وخليجيين مقابل فدية مالية، وشارك في الاعتداء على دورية للجيش في رياق عام 2009، ما أدى إلى استشهاد أربعة عسكريين وإصابة ضابط.

وقد تمكّنت قوى الأمن الداخلي من ضبط تسع سيارات مسروقة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى