ماذا يُخفي الحريري خلف حكومة «الوفاق» وإقصاء معارضيه السُنّة؟
محمد حميّة
منذ تكليفه لم يتوانَ الرئيس سعد الحريري وفريقه عن العمل الدؤوب لإجهاض نتائج الانتخابات النيابية والحؤول دون إسقاط خريطة البرلمان الجديد على تركيبة الحكومة العتيدة، فتارة عبر تضخيم حصص حلفائه من «القوات» و«الاشتراكي» كماً ونوعاً، وطوراً عبر تحجيم حصة رئيس الجمهورية وحجب الثُلث الضامن عنه، أما الجهد الحريري المستقبلي الرئيسي فانصبّ على منع الجبهة النيابية السنية المعارضة من الدخول الى «الجنة الحكومية» والتقدم الى حدود «الإمبراطورية الحريرية» من باب البرلمان الواسع، وقد بدأ ذلك بتذويب وصهر «تجمع» النواب السُنّة العشرة من خارج عباءة الكتلة الزرقاء عبر إجبار الرئيس نجيب ميقاتي والنائب فؤاد مخزومي على الخروج منه تحت ضغوط خارجية، فما هي الأسباب التي يُخفيها الحريري خلف هذا الرفض؟
يبدو أن رئيس المستقبل يحذو حذو رئيس الاشتراكي وليد جنبلاط الذي فاوض بشراسة حتى النهاية لامتلاك «سلاح الميثاقية» في جعبته لإشهاره في «وقت الضيق»، لكن رفض الرئيس عون وموازين القوى النيابية الجديدة والتحولات في الإقليم أسباب حالت دون ذلك، فعاد الرئيس المكلف إلى تكرار الخطة الجنبلاطية فرفض تمثيل معارضيه داخل البيت السني في الحكومة، أما السبب فهو احتفاظ رئيس الحكومة العتيد بالميثاقية السنية دون شريك وقطع الطريق على تكريس هذه المعادلة كعرف في الحكومات المقبلة، علماً أن الشيخ سعد يعتبر مقايضة رئيس الجمهورية بوزير سني مقابل آخر مسيحي لا «يخدش» الميثاقية السنية، لأن الوزير العوني السني هو من خارج النادي البرلماني، في المقابل يعتبر رئيس التيار الأزرق أن توزير نائب سني معارض في مجلس الوزراء ممثلاً للنواب الستة يكسر هذه الميثاقية، فضلاً عن أن الحريري يريد الاحتفاظ بالقرار السني في بيت الوسط فهو لا يحتمل أية معارضة سنية في ساحة النجمة فكيف في السراي الكبير؟ فبحسب معلومات «البناء» فإن «سيد القصر الحكومي» وفريق عمله المصغر عملوا على انتقاء الوزارء المستقبليين على ميزان الذهب أي الولاء المطلق للحريري والالتزام الكامل بقراره، ما يفسّر استبعاد الوزيرين نهاد المشنوق ومعين المرعبي ومحاولة إقصاء الوزير جمال الجراح قبل أن يُسرّب الأخير عن عمد تحذيراً لرئيسه بإشعال البقاع الغربي في وجهه إنْ أقدم، كما أن «رضوخ» زعيم السُنّة الأقوى في لبنان لحزب الله بشأن مقعد «سُنّة المعارضة» سيجعله تحت مرمى نيران اتهام معارضيه التقليديين كالوزير السابق أشرف ريفي وغيره بالتفريط بحقوق الطائفة السنية، كما يخشى الحريري إغضاب السعودية من توزير سُنّة إيران كما يصفهم المستقبل، لذلك يسعى لإبقاء ولاء سُنّة لبنان للمملكة لا تقاسمها مع طهران، كما تقول أوساط مستقبلية لـ»البناء».
أما إصرار حزب الله على تمثيل حلفائه فينطلق بحسب العارفين من واجب أخلاقي تجاه حلفائه الذين وقفوا معه في أشدّ المراحل صعوبة، وأنه لن يتركهم مُستفرَدين وإنْ طال أمد التأليف، أما السبب الرئيسي فإنّ حارة حريك تعتبر وجود سُنّة من لون سياسي مختلف عن الأزرق في الحكومة يُعيد البعد الوطني للحكومة ويثبت في الحكومة شريحة سنية لها حيثيتها الشعبية ما يُخفِض من حدة التوتر المذهبي كما يُقوّض أيّ محاولة حريرية للعب بورقة الفتنة المذهبية في المراحل المقبلة التي ستشهد تحوّلات عميقة في «جيوبوليتيك المنطقة»، فبذلك يحصّن الحزب الحكومة من الهزات والزلازل نتيجة أيّ توتر مذهبي في الإقليم، كما يسحب من الحريري ورقة التلويح بالميثاقية السنية التي من الممكن أن يلجأ اليها الأخير لحظة إحراجه بملفات وقضايا خلافية كبرى، كالعلاقة مع سورية وأزمة النازحين والتوطين، في حين استشعر حزب الله، بحسب مصادر في فريق المقاومة وتحت ضغط حلفائه بأنّ خللاً ما في التوازن السياسي والوطني يكمن في قلب التشكيلة الحكومية النهائية التي يعتزم الحريري عرضها على عون، فقرّر تعديل هذا التوازن عبر رفع حصة فريقه السياسي بعد أن تواضع في مطالبه في البداية.
وماذا عن إصرار الحريري على حكومة الوفاق الوطني؟
بالعودة الى حكومات ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وقبل انتخاب الرئيس عون، تُظهِر ممارسات الفريق المستقبلي والآذاري السياسة الإقصائية التي اتبعها تجاه خصومه السياسيين، إذ حاول جاهداً إقصاء حزب الله عن الحكومة والتهديد بتعيين وزراء من خارج الثنائي الشيعي بعد استقالة الوزراء الشيعة من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة كما بانتخاب رئيس للمجلس النيابي غير رئيس حركة أمل نبيه بري من حلفاء المستقبل من النواب الشيعة، كما لم يألُ جهداً في سبيل إبقاء سُنّة ودروز ومسيحيي 8 آذار خارج المعادلة الحكومية طيلة عقد من الزمن وحاول قدر الإمكان إبقاء التيار الوطني الحر أيضاً خارج الحكومة، حتى خرج بعض منظري الفريق الآذاري للطلب من السنيورة والحريري تأليف حكومة أكثرية نيابية، فلماذا يتمسك الحريري اليوم بحكومة الوفاق؟
رغم أن المعادلة النيابية الجديدة لا تسمح للحريري اللجوء الى خيار حكومة الأكثرية ولا إقصاء أي مكوّن، غير أن ذلك ليس السبب الوحيد، إذ إن الحريري وتحت عنوان «حكومة الوفاق» التي يحتاجها لبنان لمواجهة التحديات والنهوض بالوطن بحسب الأخير، يعمل على ضم أكبر أغلب مكونات المجلس الى حكومته، لكي يُقلّص المعارضة النيابية الى الحد الأقصى ما يتيح له التحكم بإيقاع الحكومة بعيداً عن الممرات البرلمانية وقواعد اللعبة الديمقراطية، إذ كيف سيعارض المجلس النيابي سياسات الحكومة المالية والاقتصادية والحكومة أشبه بنسخة مصغرة عنه؟ فالحريري يريد توفير حاضنة سياسية وشعبية لتمرير حزمة مشاريع المؤتمرات الدولية الثلاثة لا سيما «سيدر» في الحكومة، إذ إن الدول الغربية الراعية للمؤتمر تشترط بحسب مصادر مطلعة لـ»البناء» مقابل منح الأموال إجراء إصلاحات قد يكون وقعها قاسياً وبالغ الأثر على المواطن اللبناني من ذوي الطبقات الفقيرة والوسطى، من توسيع لسلة الضرائب وتقليص نسبة خدمات الدولة وتراكم الديون وفوائدها فضلاً عن تأمين وظائف للنازحين السوريين ضمن هذه المشاريع علاوة على رفع سعر صفيحة البنزين الى جانب الشروط السياسية التي لا زالت مخفية!
فهل سيقع العهد وفريق 8 آذار في فخ «حكومة الوفاق»؟