ماذا لو كان نيوتن في زماننا؟
من أهم القوانين التي أورثنا إيّاها العالم اسحق نيوتن لكل فعل رد فعل مساوية له في المقدار معاكسة له في الاتجاه ، وهو القانون الثالث. واليوم أودّ أن أوجّه رسالة لهذا العالم الإنكليزي الجليل، الذي لا أنسى ما حفظت له من قوانين أيام دراستي وهاجسي وقتها الحصول على العلامات، ولم أتيقّن أنّني سأحتاج قوانينه لتكون مقياس الحكم في علاقاتنا نحن البشر. والسؤال هل قانونك سيد نيوتن ينطبق على المعاملات البشرية والعلاقات الإنسانيّة كما ينطبق في الفيزياء أم أنك كنت تملك عقلاً حاسوبياً وقتها فقط؟
باعتقادي أنه لمن أهم القوانين التي تطبّق على العلاقات البشرية وشرحه يختصر في سطور قليلة. فالمرء ينتبه لتقدمه في السن عبر علاقاته بالآخرين، ومن خلالهم، أمّا بالنسبة إليه فهو يميل دائماً لرؤية نفسه من صنف الأبديين. وهذه العلاقات تتمحور في الحب والعطاء، في القبول والإيجاب، في الصدق والكذب وغيرها من الثنائيات الحياتية. في أحايين كثيرة تفجّر بركان غضبك على شخص دون أن يتعرض لك بسوء، فقط لأنّه جاء في الوقت غير المناسب والعكس يحدث أحياناً. تجد من يقسو عليك ولكنك تتمالك نفسك ولا ترد عليه. فالكائنات البشرية لا تتبع قانوناً واحداً. نحن نقابل في اليوم العديد من الشخصيات، فهناك العاطفي والحساس والعصبي وقوي الشخصية وضعيفها، كما هناك الإنسان البارد الذي لا يتجاوب مع الحدث بسرعة ونحن نحتك بهؤلاء سواء في المدرسة أو الجامعة أو الوظيفة منهم من يغضب من ردود الأفعال التي تصدر عن الأشخاص تجاه ما يقوله أو يفعله أحدهم، فينحصر التفكير في ردة فعله. وكل فرد له ردة فعل تجاه الفعل الذي يصدر تجاهه، منهم من لا تؤثر فيه الكلمة التي تقال بل يستقبلها برحابة صدر مع ابتسامة وكأنه يذكّر الآخر أنّ المحبّة تهبط علينا بإيعاز من الله لا بطلب من البشر ولأنني أحبك سأسامحك. ومنهم من تكون ردة فعله تفوق المتوقع فيصدر عبارات شتم وسبّ. هنا نصل لنتيجة مفادها أنّه لا بدّ من تحديد الأطر العامّة لعلاقاتنا مع الأفراد لنخفف من شدّة ردود الأفعال ولا ننسى أنّ الحلم دواء يمكن ابتلاعه بالتعوّد عليه. فالعرب تقول: «الحلم سيد الأخلاق». فلا تسلخ نفسك عن المدارك الحسيّة، ولا تقل لحظة غضب ما يجعلك تندم بقية العمر. فالذئاب تفترس النعجة في ظلمة الليل، ولكنّ آثارها تبقى على حصباء الوادي حتى يجيء الفجر وتطلع الشمس.
السيد نيوتن الموقّر: تعدّ ردة الفعل الاستجابة الشعورية أو النفسية أو الجسدية لمؤثر خارجي. فالدوران والغرق في مستنقع ردة الفعل تعني ضياع الفعل والفاعل الحقيقي والأسباب والمسببات فصنّاع الأفعال هم القادة والمؤثرون، أمّا من يعيشون حالة رد الفعل فهؤلاء فئة المتأثرين وليسوا المؤثرين، فئة المتلقي وليس الملقي. الدوران حول ردة الفعل هو التشتت والضياع وغياب المشهد. لنتعامل مع الآخرين وفق منظومة تراتبية أساسها عامل الآخر كما تحب أن تُعامل.
صباح برجس العلي