فاعلية ألوان واعية وتحدٍّ للذات في معرض الفنانة دعاء البسطاسي

مجدولين الجرماني

كثيراً ما تتبادر إلى أسماعنا كلمة عاجز، وتلك المفردة بحد عينها غالباً ما تومئ لمن لديه خلل جسماني ولد مع المرء أو تم اكتسابه نتيجة حادث ما، وفي الأعم ينظر إلى هذا العاجز دائماً بعين العطف وتلك فطرة خاطئة لدى الكثير منا، لا يمكننا التخلص منها إلا حينما نقرأ بإمعان بأن العجز الحقيقي ليس عجز الحركة إنما عجز العقل.

عجز العقل هو القيد الأكبر، ومشاهد الحياة اليومية فيها من الأدلة ما يحيل الكلام إلى مناددة. أنموذجاً، سأتوقف ملياً هنا بعد أن أترك نقطة آخر السطر كي أقدم بياني عما كتبته أعلاه من باب أن الشابة السورية دعاء البسطاسي تجاوزت حكاية عجزها الجسدي حينما ولدتها أمها بلا يدين لتحلّق في فضاء الفنّ من أوسع ألوانه، لتترك بصمتها الروحية والإنسانية التي لا تمحى أمام أي عصف، لتثبت أيضاً صحة ما ذهبتُ إليه في المطلع، بثقة إيمانية متفردة، بأن الله يركز بنا قوته على الرغم من كل الظروف والمعوقات.

ولدت دعاء بلا يدين، تعلّمت كيف تستخدم قدميها بكل ما تريد عمله، لتكسر مقولة: «ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان»، أي لم تتوقف قصة يديها عقبة أمام موهبتها، التي صقلتها بالعلم والمعرفة، لتقطف ثمرة التحدي مع ما يُسمّى إعاقة… بالإبداع.

استطاعت أن تجلي الظلمة بالنور، حين تركت أرجوحة قلبها تتماوج مع ألوان الطيف كعزف منفرد وسم باسمها وحدها من خلال ريشتها التي تربك عين الناظر بالدهشة.

على هامش معرضها التشكيلي الأول الذي أقيم في دمشق في المركز الثقافي العربي كفر سوسة، كانت لي وقفة قصيرة معها، تكشفت لي في ما بعد بأنني أمام تجربة واعية، تجاوزت حكاية فقدانها عضوين مهمين وفاعلين من جسدها «اليدين» لتذهب نحو تفعيل أعضاء بديلة للحيلولة دون الوقوف عند هذا الحاجز.

ويمكن لقارئ أعمالها أن يلقي القبض منذ اللحظات الأولى على توثب حواسها لخلق حالة إبداعية متفردة بالممارسة والجلد وطريقة متناغمة للتحكم بفاعلية الألوان عبر تيمات فنية متعددة الرؤى والرؤيا.

من أين بدأت مسيرة دعاء البسطاسي ابنة دمشق؟

ـ كانت تجربة جميلة وممتعة وغنية أيضاً، تعلمت الرسم بقدمي وأنا طالبة في الصف السادس ابتدائي. طورت موهبتي وأثقلتها بمركز «أدهم إسماعيل للفنون الجميلة والتشكيلية» في دمشق. ثم انتقلت إلى المرحلة الثانوية العامة ومنها طرقت باب جامعة دمشق.

هل واجهت صعوبات خلال مشوارك، وماذا عن معرضك الآن؟

ـ لم أواجه صعوبات كثيرة مع أقراني أو خلال مشواري. بالنسبة للمعرض هو تجربتي الأولى والخاصة، بل إنه اللبنة الأولى في مسيرتي ولن تكون الأخيرة.

وراء أي مبدع ثمة جنود مجهولون، مَن وراء دعاء الفنانة؟

ـ إيماني بمقدرتي هو تحدّي الذات مع الذات، كي أكون أنا، وأيضاً بالتأكيد وجود الأهل. لكنني أدين بالكثير الكثير لمن آمن بي وتبنّى موهبتي، من بنى لي جسر عبور إلى ضفة حلمي، الأستاذ محمد النائلي.

الفن في عيون دعاء…

ـ هو الباب الذي أتنفّس منه، الذي يهبني النسيم القادر على تحريك ريشتي لترسم بدورها صور الحياة، من خلاله استطعت أن أقول ما أريد دون معارضة، رسمت ما أشعر به دونما خوف أو رضوخ أو تحيز إلا لمشاعري وتجربتي. هو ببساطة نافذتي المفتوحة إلى كل العالم.

ختاماً أقول، ثمة أناس كالفنانة دعاء حتى ولو ابتعدت عنهم، أو شاغلتك الحياة، ولربما قابلتهم على حين مصادفة، لكن تلك المصادفة جديرة بأن تؤسس لمعرفة بعمر مديد. دعاء وتجربتها تجسّدتا في بوتقة واحدة بفاعلية كل ما هو محسوس في ألوان وخطوط ما يغري عين الناظر.

كاتبة سورية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى