يوم العقوبات الأميركية على إيران: مليونا برميل يومياً مع بدء الآلية الأوروبية الحريري يكشف خلفية رفضه للوزير السني المستقلّ… بتحويل كلّ خلاف إلى عنوان مذهبي
كتب المحرّر السياسيّ
ينتظر العالم اليوم نتائج اليوم الأول من العقوبات الأميركية على إيران بحزمتها الخانقة، كما وصفها المسؤولون الأميركيون، والعقوبات التي وصفها الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني في مقالة نشرتها الفاينايشل تايمز وأعادت البناء نشرها، باستهداف كل من يطبق القرارات الأممية، ستطال كل مَن يعتبر أن التفاهم على الملف النووي الإيراني الذي سبق ووقعت عليه واشنطن قبل انسحابها منه، كما صادق عليه مجلس الأمن الدولي، نصاً ملزماً للامتناع عن أي مقاطعة لإيران أو إنزال اي عقوبة عليها، وفيما أبدت واشنطن شكوكها بنجاح العقوبات مئة بالمئة، متوقعة خروقاً كثيرة ومشيرة لإعفاءات متعددة، كانت طهران تعبر عن ثقتها بفشل العقوبات، بعدما نجحت بتأمين مبيعات مليون برميل يومياً لغير الأسواق الأوروبية، التي ستضمن شراء مليون برميل إضافية، وفقاً للآلية المالية التي تم التوافق عليها بين إيران والاتحاد الأوروبي.
في سورية، عاد التوتر العسكري إلى الواجهة في جبهتي الشرق والشمال، مع التصعيد الذي قاده داعش تحت العين الأميركية في محافظة دير الزور، وقادته جبهة النصرة بتحريض أميركي في ريف إدلب الجنوبي الشرقي وريف حماة الشمالي، بينما توجّهت الحكومة السورية للمبعوث الأممي الجديد غير بيدرسون برسالة أطلقها نائب وزير الخارجية الدكتور فيصل المقداد، مضمونها الدعوة للابتعاد عن سياسات وأساليب سلفه ستيفان دي مستورا كي يتمكن من تحقيق النجاح ويلقى التعاون الذي يريده، خصوصاً لجهة الالتزام بموجبات وحدة سورية وسيادتها، بينما بدا أي تقدم في تشكيل اللجنة الدستورية لن يتحقق قبل نهاية ولاية دي ميستورا، الذي يغادر مهامه نهاية الشهر الحالي، ويتسلّم المهمة خلفه بيدرسون.
إقليمياً ودولياً، يبدو شهر تشرين الثاني، مخصصاً لإعادة ترتيب الأوراق، حيث تنعقد القمة الأميركية الروسية في باريس الإثنين المقبل، وتنتهي الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي خلال أيام، ويبدو أن واشنطن تحتاج بعض الوقت لتراقب نتائج مساري العقوبات على إيران من جهة، والوضع السعودي المترنّح في ظل كرة الثلج التي تمثلها قضية مقتل جمال الخاشقجي من جهة أخرى، لتقرر رسم سياساتها. وهو الشهر ذاته الذي حدّده وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس لوقف النار في اليمن، حيث صعّد السعوديون والإماراتيون وتائر الحرب أملاً بتحقيق تقدّم في جبهة الحديدة مرة أخرى، للتملص من دعوات وقف الحرب، أو فرض شروط تفاوضية أفضل قبل حلول موعد وقف النار.
لبنانياً، تبدو الحكومة العتيدة معلقة على حبل انتظار نزول الرئيس المكلف بتشكيلها سعد الحريري عن شجرة الوهم بالإقلاع بتشكيلة لا تضم وزيراً يمثل النواب السنة المستقلين، حيث قالت مصادر في قوى الثامن من آذار إن 45 نائباً ينتمون إلى خطها متضامنون لعدم المشاركة في حكومة لا يكون لهم فيها وزير من الطائفة السنية، خصوصاً بعد الكلام المنسوب لمصادر قيادية في تيار المستقبل تفسر سبب رفض الحريري تمثيلهم، بالقول إن وجود هذا الوزير سيكون توليه التصدّي للحريري في القضايا الخلافية بدلاً من حزب الله، ما يعني اعترافاً مباشراً من الحريري أن قضيته ليست وقوع خلاف ومضمونه أو مكان الرأي الصواب فيه، بل ما يعنيه هو التمسك بتحويل كل خلاف إلى صراع مذهبي، يقطع الطريق عليه وجود وزير من الطائفة ذاته التي يريد الحريري احتكار تمثيلها، بغرض التحكم بجعل كل خلاف معه خلافاً مع الطائفة وتحويله استهدافاً لها. وهذا الاعتراف كافٍ للتمسك منعاً للوقوع في مخاطر الفتن المذهبية بتنويع التمثيل السياسي للطوائف، وخصوصاً عندما يكون الحق بالتمثيل محصناً بالحضور النيابي ويجري الاعتداء عليه بهذه الصورة المنافية للأعراف التي تمثلت على أساسها كل الكتل النيابية.
غاب الحراك العلني المتصل بتأليف الحكومة وتذليل العقدة السنية في عطلة الأسبوع، وبقيت الأمور على حالها في ظل وجود الرئيس المكلف سعد الحريري خارج لبنان.
وبانتظار أن يطلّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يوم السبت المقبل، حيث سيخصّص جزءاً أساسياً من كلمته للشأن الداخلي المتعلّق بالملف الحكومي ومسار التشاور والاتصالات فضلاً عن ملف العقوبات الأميركية على حزب الله وإيران، فإن مصادر حزب الله تؤكد أن حزب الله لن يسمّي أسماء وزرائه ما لم تتمّ تسمية وزير للنواب السنة المستقلين. وتشير المصادر نفسها لـ»البناء» إلى أن لا سيناريوات لحل العقدة السنية إنما سيناريو واحد ويتمثل هذا السيناريو بأن يتمثل النواب السنة المستقلين الستة بوزير من الوزراء الستة المخصصين للطائفة السنية في الحكومة من دون أن يكون محسوباً من حصة أحد انطلاقاً مما أفرزته نتائج الانتخابات. وتشدّد المصادر على أنّ سيناريو تمثيلهم عبر حصة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون غير مطروح ولن يمرّ، وسيناريو تمثيلهم عبر تنازل أحد الطرفين الشيعيين عن مقعد شيعي غير وارد على الإطلاق وسيناريو الإتيان بشخصية سنية مستقلة كبديل لن يرى النور إلا إذا وافق اللقاء التشاوري على ذلك.
وتشير المصادر إلى أنّ حزب الله هو داعم استراتيجي لحلفائه السنة المستقلين وأنّ المسألة بأبعادها تتجاوز مسألة الوفاء للحلفاء على أهميتها لتصل الى المضمون السياسي والانتخابي والشعبي الذي مثّلته الانتخابات النيابية، وعلى الرئيس المكلف أن يتنازل عن مقعد من المقاعد السنّة وإيجاد حلّ لهذه المشكلة بأسرع وقت وإلا فإنّ الحكومة لن تتألف.
وقال النائب جهاد الصمد: نحن رفضنا أن نوزّر من حصة أحد، وليس لدينا شهوة الاستيزار، وقد قدّم إلينا عرض ورفضناه. وهو أن مَن يقبل أن يكون في كتلة لبنان القوي سيكون وزيراً، ونحن لن نقبل أن نكون في الحكومة إلا من حصة الكوتا السنية، يوجد ستة وزراء للسنة في حكومة من 30 وزيراً، ونحن لا نقبل أن نكون وزراء إلا من خلال هؤلاء الوزراء الستة، وقد عرضت علينا تسويات بأن يتنازل الشيعة عن وزير لهم مقابل وزير سني فرفضنا، ولن نقبل بأي وزارة إلا من حصة الكوتا السنية، لا من حصة الشيعة ولا من حصة لبنان القوي ولا من حصة أحد». وهاجم الصمد الوزير جبران باسيل الذي أشار الى أنه «يجب أن تكون هناك مساواة في الحكم»، قائلاً عندما يصبح الوزير باسيل عنده 11 وزيراً في الحكومة سوف يصبح بمقدوره تعطيل مجلس الوزراء وقت يشاء، وسيصبح بمقدوره فرط الحكومة وقت يشاء، وهذه الصلاحية محصورة بيد رئيس الحكومة ونحن لا نقبل أن يشارك أحد رئيس الحكومة بصلاحياته.
في موازاة ذلك، شدّدت مصادر تيار المستقبل لـ»البناء» على أن لا حل قريب كما هو واضح للعقدة السنية، مشيرة الى أن مخرج الحل يتمثل بتراجع حزب الله عن مطلبه، وإلا فإن التأليف سيتأخّر. فالأزمة كما بات معلوماً هي مفتعلة بمعزل عن الأحداث في المنطقة، مع تشديد المصادر على ضرورة أن يعي حزب الله جيداً أن ليس كل ما يطلبه سينفّذ، مستغربة تراجع حماسة حزب الله عن تشكيل الحكومة بعدما أبدى في السابق استعجالاً للتأليف. وإذ سألت المصادر ما هي مصلحة إيران لتأخير التأليف في هذه اللحظة، لفتت الى قراءتين لهما علاقة بالتطورات في المنطقة. الأولى تقول إن طهران تريد أن تدفع الأطراف الدولية الى الحوار. والثانية تعتبر أن حزب الله وإيران يريدان انتظار مسار العقوبات ومدى قوتها ونتائج الانتخابات النصفية الأميركية، من دون أن تتبنى المصادر المستقبلية أياً من القراءتين.
وشددت المصادر على أن المسألة إذا كانت عابرة أو ظرفية لحفظ ماء الوجه تجاه حلفائه السنة، فإن الحكومة ستبصر النور قريباً خلال اسبوع، مع تأكيد المصادر أن الرئيس سعد الحريري لن يعطي وزيراً ولو من حصة رئيس الجمهورية لسنة 8 آذار. فالرئيس الحريري صحيح أنه لا يحتكر التمثيل السني إلا أنه ليس مضطراً لضمّ شخصية من هذا اللقاء التشاوري الذي يريد فقط معارضته والتنكيد عليه داخل مجلس الوزراء. فهذا الوزير قد يكون عنصر نكد. فبدل أن يهاجم حزب الله الحريري مباشرة فإنه قد يستند الى هذا الوزير السني من 8 آذار ليظهر الأمر أنّ هناك خلافاً سنياً سنياً. وبالتالي فإنّ الحريري ليس مجبراً على تمثيل أحد باستثناء المتحالف معهم، فالحكومات الائتلافية لا تضمّ كلّ المجلس النيابي.
بالتوازي أيضاً، قالت مصادر التيار الوطني الحر إنّ أيّاً من الأطراف المعنية لم تبادر لفتح مجال للتفاوض في موضوع عقدة تمثيل سنة 8 آذار. فلا اتصالات ولا لقاءات حصلت لحلحلة عقدة نواب سنّة 8 آذار حتى الساعة واتصالات قد تحصل في بداية هذا الأسبوع.
ولفت رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل أمس، الى «أنّ ما يحصل في الحكومة يؤكد صواب رؤيتنا ومواقفنا واليوم يعود الجميع الى فكرة المعايير والتيار قوي والتحدّي كبير للسنوات الأربع المقبلة». وأكد «ضرورة أن نكون منتجين وأقوياء من الداخل لننطلق الى الخارج ونحن ثابتون وأقوياء وحاجة للبلد».
الى ذلك يصل اليوم إلى بيروت مستشار الرئيس الفرنسي للشؤون الدبلوماسية والملحق الثقافي السابق في بيروت أورليان لو شوفالييه موفداً من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وذلك لحث المسؤولين اللبنانيين على ضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة للاضطلاع بمسؤولياتها، لا سيما ما يتعلق باستحقاقات مؤتمر «سيدر».
من ناحية أخرى تحدّث رئيس تيار المردة النائب السابق سليمان فرنجية خلال لقائه أهالي شهداء مجزرة إهدن، لوضعهم في أجواء ما آلت اليه الاتصالات مع «القوات اللبنانية». فقال: «الحوارات مع القوات اللبنانية مرّت بمراحل عدة، واللقاء الثنائي مع الدكتور سمير جعجع يأتي تتويجاً لهذه اللقاءات التي على المستوى القيادي لم يتمّ التفريط خلالها لا بكرامتنا أو بكرامتكم أو كرامة شهدائنا، وسيكون لقاء من دون مصالح آنية أو ظرفية».