الأب الياس زحلاوي: مسيرة الجوقة منذ إحدى وأربعين سنة تجيبني بيقين الفرح الآتي
لورا محمود
«من قبل الزمان كان الربيع وكان في ضيعتين بهالوطن جوا القلب جيران ضيعة اسما «درب القمح» كلها سنابل دهب ورايات مرفوعة وضيعة اسما «درب المي» عصوت ينبوعا كل الدني بتوعا». هكذا بدأت
مسرحية «درب الخبز» بصوت الفنان الكبير دريد لحام.
وهي مسرحية تروي قصة أكثر من واقعية. قصة فتنة وحقد وثأر بين أحبّ الناس الذين نسوا عدوهم
الحقيقي وأصبحوا أعداء بعد أن كانوا جيراناً وأحباباً، لكن بالحكمة والمحبة تجتمع القلوب من جديد، والخير يعود لأرواح توّاقة للحبّ في وطن يكبر بأبنائه أبناء الحياة أبناء سورية كلها على اختلاف أطيافهم. هم شكّلوا عجينة الخبز الدمشقي وتقاسموه سوية عندما حلكت الظروف واسودّت الأيام اختلفوا اختلاف الاخوة واتحدوا اتحاد الاخوة في درب المي ودرب القمح لتجمعهم أرض الوطن فصدحت
حناجرهم حباً وفرحاً بعودة الوئام وأملاً بمستقبل يليق بوطنهم.
في مسرحية غنائية بعنوان «درب الخبز» قدّمتها «جوقة الفرح» في دار الأسد للثقافة والفنون بمشاركة 70 شاباً وشابةً من جوقة الفرح الجامعيّة، مع 22 موسيقياً، ونخبة من الممثلين السوريين، بالإضافة إلى 70 راقصاً من «فرقة آرام» للمسرح الراقص، ومن إخراج عروة العربي ونصّ ميشال نصرالله وبقيادة رجاء الأمير شبلي وإشراف عام لمؤسس الجوقة الأب الياس زحلاوي.
وعن كل ما يتعلّق بالعمل المسرحي الغنائي «درب الخبز» تحدث الأب الياس زحلاوي لـ»البناء» قائلًا: ليس من المعقول ألا يكون لوطن جبران خليل جبران، وعمر أبو ريشة، ومحمد الماغوط، ونزار قباني، مسرح غنائي؟ فما جرى في هذا الوطن الفريد، سورية، حتى في حدودها المقلّصة قسراً، منذ يوسف العظمة، وإبراهيم هنانو، وسلطان الأطرش، إلى هذه السنوات الثماني الأخيرة، وما سلخ منها من دويلات، بدءاً من جنوبها المصلوب فلسطين، فالأردن، وخاصرتها لبنان، وعلى امتداد شمالها كله، من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، من مظالم ومآسٍ، وبطولات وتضحيات، كفيل بتفجير حركة ثقافية عظيمة وغنية يأتي المسرح الغنائي في طليعتها.
ولفت الأب زحلاوي إلى أن وحده لبنان عرف هذا النوع من الإبداع المتعدد والراقي، على يد أسماء هامة، أبرزها الرحابنة منصور وعاصي وفيروز لفترة ثم توقّف، والسؤال المطروح والمُلحّ ما أسباب غياب المسرح الغنائي، ولماذا لا تكون هناك محاولات عملية، من شأنها أن ترسم شيئاً فشيئاً، معالمه المرجوة، عبر إخفاقات ستتكرّر حتماً، ونجاحات لا بد آتية. وهذا بالذات ما حاولنا القيام به في جوقة الفرح.
وتابع: «في عام 1993 وضعتُ نصّاً بعنوان «هنا هنا هنا » كان النص نثراً شعرياً وحسب، لا
محلّ فيه لأي حوار، بل المحل كله لرؤية تاريخية تمتدّ من جذور سورية الأولى إلى المواجهات المصيرية الراهنة ولقد حاول أحد المخرجين التصدي له، ولم يُفلح. وفي عام 2016، تبنّت المشروع قائدة الجوقة الجامعية، رجاء الأمير، واستعانت بالمخرج عروة العربي، والفنانة ديمة قندلفت فعرضنا مسرحية «هنا.. هنا.. هنا» في دار الأوبرا بدمشق وكانت مسرحية غنائية واعدة، وصفتها لي شخصياً فور انتهاء العرض، الكاتبة كوليت الخوري، بأنها «عمل جميل، راقٍ، ومدهش».
وأضاف زحلاوي: «أما محاولتنا الثانية فكانت عام 2017. وهذه المرّة أغتنينا بكاتب شاب، برهن عن
حسّ إنساني، عميق ومؤثر، وعلى ملكة لغوية جذابة، أتاحت للحوار فسحة واسعة وهو ميشال نصرالله. فكتب يومها محاولته المسرحية الأولى، وهي بعنوان «بروفا الميلاد». ولقد تعاون مع رجاء الأمير والمخرج عروة العربي تعاوناً فاعلاً، أفسحتا المجال لعدد من الممثلين السوريين، من أجل تقديم عمل مسرحي غنائي ثانٍ، فاجأت به «جوقة الفرح» الجمهور في دار الأوبرا الا أن الصحافة آنذاك، كما في محاولتنا السابقة، «هنا هنا هنا »، لم تُعِر هذا العمل أي اهتمام يذكر». وجاءت محاولتنا الثالثة، والحالية والتي تستند إلى نص ثانٍ للمؤلف ذاته، بعنوان «درب الخبز»، وقد استوحاه من الأحداث المأساوية التي عصفت بسورية وكان المخرج، بالطبع، هو صديقنا عروة العربي. وهذه المرة انضمّت موهبتان جديدتان، أغنتا العمل إلى حدّ بعيد الموهبة الأولى الفنان المرنّم وسام عازر، وكانت له مساهمة فاعلة، ولكن محدودة في العملين السابقين أما اليوم في مسرحية «درب الخبز» فكتب بالاتفاق مع المؤلف والمخرج وقائدة الجوقة، كلمات الراوي في المسرحية، بأسلوب شعريّ يمسّ شغاف القلب، ويربط أزمنة العرض ربطاً محكماً، لا سيّما أنّ من تلا هذه الحبكات، لم يكن سوى فنان عظيم، حمل همّ سورية منذ أكثر من خمسين عاماً، الأستاذ دريد لحام. كما أن وسام قام أيضاً بأداء دور رئيسي ومؤثر، تمثيلاً وغناء، طوال هذا العرض المسرحي الغنائي. والموهبة الثانية، كانت في بروز موسيقي جديد ومبدع، هو عازف البيانو إياد جناوي، وهو مدرس في المعهد العالي للموسيقى، وعنصر قديم وفاعل في «جوقة الفرح». وقد كانت له في «درب الخبز»، أربع مساهمات موسيقيّة، استندت اثنتان منها إلى كلمات رقيقة من تأليفه جاءت متآلفة على نحو مدهش مع الموسيقى.
وعن الجوقة الجامعية والممثلين المشاركين في العمل نوّه الأب زحلاوي بأن الجوقة هذه المرة، أدّت بعناصرها السبعين، المتحرّكين على جانبي المنصة وصدرها، بين شاب وفتاة، أداء فاق كل التوقعات. وقد كانت المنصة ذاتها مليئة بنخبة من الممثلين السوريين المعروفين، بينهم طفلة مدهشة هي «شهد زلق»، وصبية متميّزة من الجوقة، تُدعى «غالية نونة»، وقد تحرّكوا كلهم في إيقاع وحركة مدهشين، حققتا انسجاماً موفقاً مع رقصات «فرقة آرام»، عبّروا من خلالها عن مختلف الحالات النفسية التي طالت الناس، طوال هذه السنوات المرّة، من ألفة قديمة راسخة، وفرح فطري عارم، وحزن مفاجئ غاضب، واتهامات مرتجلة حادّة، واقتتال أهلي، وهروب مبرّر أو رخيص، وأخيراً من عودة للطمأنينة والمودة اللتين تغمران القلوب
جميعها، كل ذلك كانت ترافقه الفرقة الموسيقيّة بلمسات سحرية، كانت تحرّكها وتضبط تجلياتها قائدة
الجوقة رجاء الأمير، مع عازفيها الستة عشر.
وختاماً قال زحلاوي إن «مسيرة الجوقة، منذ إحدى وأربعين سنة، تجيبني بيقين الفرح الآتي».
شبلي
أما قائدة الكورال في «جوقة الفرح» رجاء ا مير شلبي تحدثت لـ»البناء» عن العمل قائلة: إن «درب الخبز»
أخذ من أرواحنا، لأنّه تتطلّب وقتاً طويلاً من التحضير والمعنى الموجود في العمل عشناه جميعنا فقد
أجّلنا العمل بسبب وجود القذائف التي كانت تهطل على دمشق ووجود شهداء. فهذا العمل كان من المقرر عرضه في 2016.
وأضافت: أتمنى أن نكون قد أوصلنا رسالتين. الأولى أننا موجودون وباقون وسنكمل لأن هذا الوطن لنا ولا نستطيع الاستغناء عنه بحسناته وسيئاته، والرسالة الثانية نرجو أن نكون قدّمنا المسرح الغنائي بأفضل صورة وبطريقة لائقة خاصة بزمن الفن السهل. وألفت إلى أن الموسيقى التي قُدّمت في المسرحية لم تكن مؤلّفة خصيصاً للعرض بل كان هناك موسيقى تصويرية أُلفت للعمل.
وبالنسبة لمشاركة الفنان دريد لحام بصوته في المسرحية قالت شبلي «نحن كنا حريصين أن يكون
صوت الفنان دريد في المسرحية لما له ولصوته خصوصية عند كل سوري. وهو لم يتردد أبداً بل وافق
وكان متلهفاً للمشاركة وسجل صوته بكل محبة».
والتقت «البناء» عدداً من الممثلين السوريين المشاركين في المسرحية:
الممثل محمد قنوع تحدث عن ضرورة أن يكون المسرح حاضراً اليوم ونحن على أبواب انتهاء الحرب السورية، فقال: «من أهم نتائج الحرب عودة المسرح، ليكون فعّالاً وأنا تفاءلت كثيراً بما قدمته «جوقة الفرح» التي هي تجربة جيدة».
وأضاف قنوع: من الصعب التحكّم بهذا الكمّ الكبير من تجهيزات الصوت الموجودة على المسرح، حيث يوجد حوالي 70 مايكروفونأً، ونظراً لمدة البروفة القصيرة وهي أربعة أيام في دار الأوبرا هذا يعتبر إنجازاً كبيراً وأنا راضٍ عن النتيجة.
أما الممثل عاصم حوّاط فتحدّث عن مشاركته قائلاً: كنت دائماً أشاهد أعمال «جوقة الفرح» وكان حلمي المشاركة معهم. لا أستطيع أن أغني معهم، لكن يمكنني التمثيل فكانت فكرة المخرج عروة العربي أن ندمج بين الدراما والغناء واللحن من خلال حدوتة تغنّى من قبل الممثلين ومغنّي «جوقة الفرح».
وعن المسرح وتأثيره نوّه حوّاط بأن لا أحد يختلف بأن هذا التواصل المباشر بين الممثل والجمهور هو الأهم بالنسبة للممثل.
بدوره قال الممثل خالد القيش: أتمنى أن نكون قد وصلنا لقلوب الجمهور من خلال عرض «درب الخبز». وبصراحة ما أرغب بقوله إن هذه التجربة جديدة وكانت برعاية الأب الياس زحلاوي ونحن كممثلين مسرحيين كنا دائماً نفكر بأنه يجب أن يكون لدينا مسرح غنائي، فهذا المسرح فيه الكثير من الأحاسيس والتمثيل والرسائل الإنسانية وله علاقة بالمسرح التجريبي الذي كنّا ندرسه نقدّمه دائماً على خشبة المسرح السوري. وهو مسرح قوي ومؤثر فهو موجود في بلدان عربية، خصوصاً في لبنان هم سبّاقون فيه وقد صنع نجوماً في التمثيل وأغنى الساحة الغنائية بأصوات نجوم لامعين.
وأضاف القيش: نفتقد للمسرح الغنائي في سورية ولم يكن هناك اهتمام بهذا النوع. ربما استسلمت الكوادر السورية إلى فكرة بأن المسرح الرحباني هو أقوى مسرح غنائي من جهة، أو ربما لأن كوادرنا كانت تعمل على تقديم المسرح بمفهوم آخر وتراه بمنظار مختلف. لكن بعد التجربة اكتشفنا أن هناك متعة مختلفة بالمسرح الغنائي الذي يعتمد في الوقت نفسه على الجميع من مغنين وراقصين وممثلين وموسيقيّين. فالكل متّحد لتقديم عرض متكامل وهو يجمع الدراما والميلو دراما والرقص والغناء ما يضفي متعة لدى الجمهور.
ورأى القيش أن في حال نجاح هذا العرض سيكون بادرة جديدة لبناء مسرح غنائي في سورية، رغم أنه
مكلّف جداً ويتطلّب جهداً كبيراً في التركيز والمتابعة والعمل الجاد.
يُذكّر أن «جوقة الفرح» تأسست عام 1977 بخمسة وخمسين طفلاً، وفي عام 1992 قامت الجوقة بمختلف مكوّناتها من فتيان وأطفال وبالغين بجولات عالمية الى فرنسا وهولندا واستراليا وأميركا، وبدأت تخطو
خطوات جديدة وجدية نحو المسرح الغنائي فقدمت مسرحية «هنا.. هنا.. هنا» عن نصّ للأب الياس زحلاوي وكرّرت التجربة بعمل مسرحي بعنوان «بروفا العيد» من تأليف ميشال نصرالله.