نداءان في الذكرى العاشرة لرحيل عرفات
معن بشور
إذا صدقت الرواية بأن الرئيس الأميركي حينها ، جورج بوش، رفض طلباً من الرئيس الفرنسي جاك شيراك، بأن يطلب من أرييل شارون أن يحدد له نوع السم الذي زرع في جسد أبي عمار، بهدف تحضير الدواء المضاد له، يمكن القول إن قائد الثورة الفلسطينية المعاصرة ذهب ضحية جريمة ثلاثية شاركت فيها تل أبيب وواشنطن وكل من سكت عن هذه الجريمة منذ ذلك الحين.
هذه الرواية كنا نتداولها مع الحشود من الفلسطينيين والعرب والمسلمين والفرنسيين والأوروبيين، المجتمعة في جوار مستشفى «برسي» العسكري الفرنسي في باريس للاطمئنان على آخر الأخبار عن صحة الرئيس القائد الفلسطيني ياسر عرفات في مثل هذه الأيام قبل عشر سنوات وكان يؤكدها لنا مسؤولون فلسطينيون قريبون جداً من الرئيس الشهيد.
طبعاً، شارون الذي لم يبق له ذكر في التاريخ إلا من خلال جرائمه، وبوش الذي غادر البيت الأبيض ويداه ملوثتان بدماء مليون عراقي وعشرات الآلاف من الأفغان، ومعهما جميع شركائهما السريين والعلنيين، كانوا يعتقدون أن شعلة الثورة المسلحة التي أضاءها «الختيار» في 1/1 1965 ، ستنطفئ حتماً بعد رحيله. وأن كل تضحيات الشهداء والأسرى والمقاومين ستذهب هدراً…
لكن المشهد الفلسطيني اليوم، وبعد عشر سنوات، يؤكد صدق الوعد الإلهي الذي طالما كان يذكر به أبو عمار بقوله: «ليس بعيداً ذلك اليوم الذي يرفع فيه شبل من شعب الجبارين علم فلسطين فوق مآذن القدس وكنائسها». فها هي القدس، على رغم القتل والحصار والتهويد والتهديم والتدنيس والاقتحامات والمستوطنات والجدار العنصري، تنتفض اليوم وتجبر أكثر الصهاينة تطرفاً على التراجع عن إجراءاتهم ولو إلى حين بل وتبشر بانتفاضة تشمل عموم الأرض الفلسطينية المحتلة وتعجل برحيل الاحتلال، خصوصاً إذا ارتقت القيادات الفلسطينية إلى مستوى البذل الاستثنائي الذي ما توقف عنه الشعب الفلسطيني.
وها هو قطاع غزة، بصمود أبنائه الأسطوري ومقاومة أهله المتطورة يوماً إثر يوم، وبجراحهم التي لم تندمل بعد، وبيوتهم المهدمة التي لم يعاد إعمارها بعد، وبإصرارهم على تجاوز كل انقسام داخلي، ورفض كل الصغائر المرتبطة به والمستفيدة منه، يعيد رسم معادلة توازن القوى مع العدو ويثبت أن موازين القوى تحددها بالنهاية موازين الإرادات وليس العكس.
التتمة ص10
وها هم عرب فلسطين 48 ومن قرية كفر كنا بالذات، التي حجزوا فيها ليوم الأرض في 30/3/1976 مكاناً ساطعاً بدماء شهدائهم في تاريخ النضال الفلسطيني المعاصر، يعيدون الكرة مجدداً مع شهيدهم الجديد، خير حمدان، ويحيون على طريقتهم ذكرى رحيل قائدهم التاريخي.
والكيان الصهيوني ذاته يرتبك اليوم بمؤسساته، ويهتز بأمنه ويقلق بمغتصباته، ويتشظى بأحزابه ويتشاتم بوزرائه، ويتشاءم عبر كتابه ومحلليه، ليدرك صانعوه أن الرصاصات الأولى التي انطلقت قبل 59 عاماً تتحول يوماً بعد يوم إلى حجارة وقنابل وزجاجات حارقة وعمليات استشهادية وصواريخ نوعية وعزلة دولية، بل إلى مسلسل دهس، اعترف أمنيو العدو الحاليون والسابقون، وعسكريوه وسياسيوه بعجزهم عن بناء «قبة فولاذية» تقيهم من أخطاره.
إن كل ما تمناه أبو عمار ورفاقه من مؤسسي حركة فتح وتنظيمات المقاومة، داخل فلسطين وخارجها، يتحقق على يد شعب، كان يقول عنه الراحل الكبير انه يتقدم على قياداته.
لم يكن ذلك كله ممكناً لولا شحنة الأمل التي كان يغذيها الإيمان، والثقة بعدالة القضية التي كان يجددها النضال، والتمسك بالحقوق الذي كان يشتد دوماً بفعل المقاومة.
إن شعباً لا يهاب الموت لا يمكن إلا أن تكتب له الحياة.
في الذكرى العاشرة لرحيل من كان قائداً لثورته، رائداً في أمته، أباً لشعبه، مخلصاً لقضيته، متجاوزاً كل العثرات والثغرات التي واجهها، ومع تصاعد الانتفاضة من القدس إلى الجليل ومن الخليل إلى النقب، وتكاملها مع المقاومة الممتدة من غزة إلى جنوب لبنان، هناك نداءان يطلقهما اليوم محبو الرئيس الشهيد وجميع الشهداء والمدافعين عن القدس وعموم فلسطين:
أولهما، نداء العدالة، الداعي إلى ملاحقة قضائية، في كل العالم، لمجرمي الحرب الصهاينة وإرهابيي العصر، ممن اغتالوا خيرة القيادات الفلسطينية والعربية، وأقروا بفعلتهم متباهين، فخورين.
وثانيهما، نداء القدس إلى جميع العرب والمسلمين، أينما كانوا، لوقف الاحتراب في ما بينهم والاقتتال داخل أوطانهم وأن يتداعوا إلى مصالحة عربية إسلامية شاملة، لا تنقذ القدس وأقصاها المبارك ومقدساتها الإسلامية والمسيحية فحسب، بل تنقذ الأمة كلها من دمار شامل وفتنة طحياء وكوارث متنقلة لن ينجو منها أحد.
نداءان مقرونان بالدعاء.
المنسّق العام لتجمّع اللجان والروابط الشعبية