اليمن ينجو من القسيم في الحديدة!
د. وفيق إبراهيم
يستعجل التحالف السعودي الإماراتي بتغطية أميركية إسقاط الساحل الغربي اليمني عند مدينة الحديدة، وذلك قبل بدء العمل بتسويات داخلية أميركية ناتجة بالضرورة عن نتائج الانتخابات النصفية الأميركية.
هذه الانتخابات التي تفرض تراجعاً في السياسات الهوجاء للرئيس الأميركي دونالد ترامب في العالم.
لكن صلابة المدافعين عن هذه المناطق من الجيش وأنصار الله والمؤتمر والقوى المتحالفة في الوسط والجنوب تواصل تلقين الغزاة دروساً في فنون الدفاع عن يمن عنيد وأهله البواسل. وهكذا فلن يتمكن التحالف السعودي من انتهاز مرحلة ما قبل التسويات الأميركية الداخلية لتحقيق حلمه بعزل المنطقة الممتدة من ضواحي صنعاء العاصمة اليمنية حتى أعالي صعدة في إطار منطقة جبلية لا تمتلك منافذ برية أو بحرية أو جوية، بل مقفلة تماماً وسرعان ما تعود إلى النفوذ السعودي كما كان اليمن في السنوات الأربعين الماضية، فلا إمكان لدولة الاستمرار بالعيش وهي في عزلة عامة جواً وبحراً وبراً.
لا بأس هنا من التذكير بأنّ الحرب السعودية على اليمن بدأت قبل سنين ثلاث على أساس أنها «نزهة» لا بد أن تؤدّي الى هزيمة أنصار الله وبناء نظام سياسي يمني موالٍ للرياض وابو ظبي بغطاء أميركي كامل، وإذا كانت السعودية تدفع طيلة عقود سيطرتها على اليمن 65 ألف راتب شهري لرجال دين وزعماء عشائر وسياسيين من اليمن بهدف إعادة الإمساك بدولة يهدّدُ تطوّرها الوطني لتفجير النظم القبلية في كامل جزيرة العرب وعلى رأسها دولة آل سعود ومشيخة آل زايد.
لقد أظهرت تطوّرات المعارك في مرحلتها الأولى ان التحالف السعودي أوقع نفسه في ورطة، لأنه يجابه تشكيلات عسكرية وشعبية شديدة الصلابة والتمرّس تستعمل سلاحين: الخبرة العميقة باستخدام مناعة الأرض اليمينة والتأييد الشعبي.
هذان العاملان يستخدمهما ببراعة مقاتل يمني جلود بسلاح عادي وإيمان لا يتزعزع بيمن لم يسقط يوماً أمام غزاته.
صحيح أنّ الاجتياح السعودي تقدّم في مناطق الجنوب السهلية مستعملاً سلاحاً جوياً متقدّماً ومرتبطاً بأقمار فضائية أميركية، لكن المقاومين اليمنيين هم الذين تراجعوا إلى مناطق صعبة يمكن من خلالها وقف الغزاة ودحرهم على أعقابهم. وهذا ما حصل فعلاً فقد تحوّل الغزو مصيدة سقط فيها الجنود السعوديون والإماراتيون. وهكذا فشلت المرحلة الأولى من «النزهة»، حسب ما كان يعتقد آل سعود وآل زايد، فلجأ هؤلاء كدأبهم الى الفتنة الجنوبية الشمالية والشافعية الزيدية متهمين الشمال بالمجوسية وناشرين أموالاً لا تحصى على قوى سياسية في الجنوب عاودتها أحلام تشكيل يمن جنوبي مستقل.
الأمر الذي يدلّ على بدء تنفيذ الخطة الثانية البديلة من الغزو وتتعلق بكنتنة اليمن الى أربع أو خمس إدارات مستقلة تلبّي حاجات السعودية والإمارات اقتصادياً واستراتيجياً وتعزل أنصار الله في كانتون في الشمال.
ما جرى على مستوى التنفيذ جاء كارثياً كاشفاً ظهور صراعات على مستويات عدة تعكس الخلاف السعودي الإماراتي الأساسي على الاستفراد بالسيطرة على جنوب اليمن ووسطه وسواحله. فهناك صراع بين قوى جنوبية في ما بينها وداخل الميليشيات الموالية للرياض وأبو ظبي وبين بعض القوى الجنوبية وحزب الإصلاح التابع للاخوان المسلمين. فلم يعد هناك قوة خارج هذه الصراعات الجنوبية – هذه الصراعات التي تواكبت مع حصار اقتصادي على الجنوب نفسه وليس على مناطق نفوذ أنصار الله.
فأصيب الجنوب والوسط بجوع شبيه بما يصيب أبناء المناطق الشمالية المحاصرة وسط ظهور مطامع إماراتية باستغلال مناطق السحال اليمني للاستثمار الاقتصادي والاستراتيجي، كما أبدى السعوديون علانية اصراراً على ضمّ حضرموت وبعض المناطق التي تسمح بمرور أنابيب نفط سعودية الى البحر الأحمر مع هيمنة سياسية على كامل المناطق الأخرى على أساس استبعاد النفوذ الإماراتي، أو التقليل من امتداداته، لكن ردود الفعل الجنوبية لم تكن عادية، انفجر أهل الجنوب مطالبين بما أسموه وللمرة الأولى منذ ثلاث سنوات بالاستعمارين السعودي والإماراتي مطالبين بفتح الحدود البحرية والبرية لتلبية حاجات الناس الى الطعام والاستقرار الاقتصادي.
ولا يزال الجنوب مُصراً على مطالبه على الرغم من حركة توزيع أموال ضخمة على قوى جنوبية تعمل في خدمة السعودي والإماراتي، لكن قوى التحالف العربي انكشفت أمام العالم، بأنها لا تمثل ما تدّعيه من مناصرة لليمنيين على الحوثيين.
وانجلى كذبها ورياؤها الذي يزعم انّ الشمال يحاصر الجنوب مسبّباً له الجوع والفقر.
فقد تبيّن أخيراً انّ الجنوب كله سواحل بحرية فيما تحاصر البحرية السعودية والإماراتية معظم سواحل البحر المؤدّية الى الشمال بمعنى أنّ السعودية والإمارات تتسبّبان بالجوع لكن لكلّ أبناء اليمن بشماله وجنوبه.
وهكذا سقطت الخطة البديلة الثانية أيّ كنتنة اليمن، وسط إصرار جنوبي على رفض كلّ أنواع الطموحات السعودية الإماراتية في أراضيه وسواحله وفضائه.
لذلك وجدت قوى العدوان نفسها أمام محاولة أخيرة وهي إسقاط الساحل البحري الغربي عند الحديدة، لحصر أنصار الله في جيب جبلي لا منافذ جوية وبحرية وبرية يمتدّ من صنعاء الى أعالي صعدة، مقابل يمن كبير يشمل بقية المناطق ويخضع للسيطرة السعودية الإماراتية بإشراف أميركي ومحاصصة عادلة بين البلدين المستعمِرين.
لكن للحديدة رأيٌ آخر لا تزال تصمد بعد هجمات متتالية في وجه هجمات برية وجوية وبحرية وتستعجل السيطرة على المنطقة لسببين: قد يجد ترامب نفسه مضطراً الى الطلب من حليفيه وقف الحرب على اليمن والذهاب إلى مفاوضات أما السبب الثاني فيتعلق بصحوة أوروبية عالمية على المجازر التي تقترفها السعودية في اليمن. وهذا سببه تراجع الدور الأميركي في العالم الذي كان يفرض على الأوروبيين تجاهل المجازر في اليمن.
لاستيعاب هذه التطورات يحاول التحالف العربي إسقاط الحديدة لخنق محور صنعاء صعدة، بأسرع ما يمكن، إلا أنّ الحديدة قالت كلمتها وتواصل صدّهم في معارك طاحنة عنوانها بالنسبة لأحرار اليمن إسقاط التقسيم ورفع اليد السعودية الإماراتية الأميركية عن اليمن وفرض التفاوض بين اليمنيين فقط للوصول الى حلّ سياسي يُجسّد طموحات اليمن السعيد.