بعد قليل
بلال رفعت شرارة
ليس عندي وقت للنوم، سأدع هذا الأمر إلى وقت آخر، ربما الى أن يحين موتي الموت المكان الأنسب للنوم، الحياة هي لكي نعيشها ونسهرها. هكذا كنت ولم أزل أجلس كلّ ليلة لأقرأ كفي وأحكي لليل الحكايات المملة نفسها عن: ليلى والذئب، الراعي والذئب، سندريلا، الفانوس السحري، وتتوه عن بالي حكاياتنا عن المجاعة والهواء الأصفر والحب والحرب ومقاومتنا للاحتلالات وأصير أهدهد له لعله ينام فعندها أنام. ولكنني وجدتني دائماً تحكمني أفكار لها أوّل وليس لها آخر، فأسهر وأسهر حتى الثمالة، كأنني مصاب بحمى المتوسط .
لذلك صمّمت وأنا صاح هكذا أن أكتب عن كلّ ما يتحرك أمامي عن الناس… عن عمّال العمار، الكندرجية، البنشرجية، الموظفين، المياومين، عمال التنظيفات، الذين أخذوا عني نوبة حراسة ليلنا ونهارنا، الذين يقيمون في المخيّمات ويعبّدون الطريق إلى تفسير حلم حق العودة ويضحكون من حكاية الدبلوماسية والدولة، عن الذين يسرحون إلى أعمالهم كلّ صباح، عن الفلاحين وهم يشقّون بطن الأرض يبذرون قمحهم وحبوبهم، أو يعوتلون شتلات تبغهم، عن العصافير وهي تكتب بزقزقاتها صباحات أيام جديدة، الأشجار وهي تذهب إلى مواسمها أو إلى الكزدورة كلّ عشية، عن كلّ ما هو عادي .
أقول: أنا ليس عندي مساحة لأكتب الحكايات عن الناس خمس نجوم أو الذين يعتقدون أنهم كذلك عن أولاد العيل الذين يأكلون وجوهنا وتعبنا حتى التخمة، ويتأخرون في النوم ثم يعودون إليه وينامون القيلولة، وكانوا يسرقون في الليل أحلامنا وحبيباتنا ولا يبقى سوى النسوة المجهدات الذاهبات إلى ليل القطيفة أو ترتيب أوراق تبغنا ونصوصنا في خيطان ذهب الغلال ودواوين الأشعار.
أكتب عن البنات اللواتي ذهبن إلى المدارس الحكومية وصاروا قاضيات، وعلى رأس قوائم المهن الحرة ومجالس الإدارة للمؤسسات الكبرى إضافة لكونهم مربيات. سأكتب كيف استعدنا أحلامنا ولم يعد يستطيع أحد أن يضحك على ذقوننا، ولم يعد يتمكّن أحد من سرقة رغيفنا الذي كسره السيد لعشائنا السري أو العشاء الأول والأخير، بل أصبح كلّ ما عندنا علنياً واضحاً كالتماع قمر الصيف، ولم تعد المياه تمشي من تحتنا أو فوقنا أو على جنباتنا فلا نشعر بها الحقيقة أنّ المياه كانت لا تخرّ ولم تعد تخرّ في شبكات المياه منذ أن سلّمنا أمرنا للدولة، ومنذ أن صار النهر والنبع سلعة، الآن ستتواطأ علينا مصلحة النهر واتحادات البلديات والبلديات ويبيعون لنا المياه كما الكهرباء والصحة والأمن والاحلام وكلّ الحقوق حتى حق الحياة.
سأكسب الوقت وأتخيّل أنّ العدالة لم تعد واسطة وأنه سوف لا يمكن لأحد ما أن ينجو بفعلته بعد ان عمل وسوّا السبعة وذمّتها سأكتب أحلامي بأن أرى الكهرباء وكلّ شيء عندنا يخضع للمناقصة وليس للاتفاق بالتراضي، وكلّ شيء يخضع لرقابة ديوان المحاسبة المسبقة .
بعد قليل من الآن سأقيم في الوادي ليل نهار فقط، سيكون عندي الوقت الكافي لأن أكتب وأحب وأزدهر كالوردة الشجرة المقيمة أول الكرم، سأعود وأمارس ولدتني وأركض! هل قلت أركض؟ لم يعد في العمر أكثر مما مضى إذن سأفكر أنني أركض ثم سأتمهّل قرب شجيرة الرمان وأتسولف مع المرأة أمي وقد خرجت لتنشر الغسيل من أول الضو ، أو أني سأربط الدرب لبائعات اللبن، أو أني سأنتظر مواسم التوت والتفاح ثم التين والزيتون! هل أستحق المواسم القادمة؟ هل أستحق أنت؟