الجمهوريون يرهنون الكونغرس لا أوباما

عامر نعيم الياس

فاز الجمهوريون في الانتخابات النصفية للكونغرس بغرفتيه: النواب والشيوخ، ولم يكن الأمر مفاجئاً لأحد، فمع حفاظهم على الأرجحية في مجلس النواب، إذ تتوقع محطات التلفزة الأميركية حصولهم على ما بين 242 و247 مقعداً من أصل 435 مقعداً، مقابل 233 للحزب الديمقراطي، أظهرت النتائج الأولية لانتخابات مجلس الشيوخ أن الجمهوريين استطاعوا الحصول على المقاعد الستّة المطلوبة لإزاحة الديمقراطيين عن الغالبية في المجلس، أي صار في حوزتهم 51 مقعداً من أصل 100، وبالتالي سيجد أوباما نفسه مضطراً للتعايش مع كونغرس مناوئ له، في ظل انخفاضٍ مدوًّ لشعبية الرئيس الأسود، وصل إلى 40 في المئة. فهل الأمر غريب على الجسم السياسي الأميركي؟ هل سيؤدّي ما حصل إلى انقلاب مدوٍّ في سياسة أوباما الخارجية؟

في مقال سابق في «البناء»، تحدّثنا عن عاملين يمنعان الكونغرس الجمهوري من إحداث انقلاب نوعيّ في السياسة الأميركية الحالية، خصوصاً على الصعيد الخارجي، أولهما أن الرئيس يملك حق الفيتو على قرارات الكونغرس، وثانيهما الانقسامات التي تعصف بالحزب الجمهوري، بين «الحزب القديم» بحسب توصيف صحيفة «لوموند» الفرنسية، والتيارات الجديدة داخله وفي مقدّمها «حزب الشاي» الأكثر تطرّفاً داخل الحزب.

وفي ضوء النتائج الأخيرة للانتخابات تجدر الإشارة إلى أن الرئيس أوباما الذي قدّم نفسه عام 2008 كقائد «للتحول الأميركي» ورئيس «ما بعد حزبي» يستطيع أن يتكيّف مع الوضع الجديد عبر التالي:

إجراء تغييرات في الإدارة الأميركية تضمن ضخ دماء جديدة كي لا يعصف الشلل النهائي بالحكومة الأميركية. فمن الواضح أن الرئيس دفع ثمن أخطائه على الصعيد الداخلي تحديداً، وهنا يقول مراسل صحيفة «لوموند» في واشنطن: «بعد عام 2013 تبدّدت الآمال نهائياً في الملفات التي طرح أوباما إمكانية التغيير فيها من حيازة الأسلحة النارية، إلى قانون الهجرة، والتغيّر المناخي، والتأمين الصحي، وصولاً إلى أزمة إغلاق الحكومة الأميركية في الخريف الماضي». أما صحيفة «ليبيراسيون» فإنها تؤكد أن الرأي العام الأميركي عاقب الرئيس الذي لم يلتفت إلى المقولة الأميركية الشهيرة «إنه الاقتصاد يا غبيّ».

التعاون بين الرئيس والكونغرس في عدد من الملفات التي تخدم التوجهات المشتركة لدى الجانبين، وهو أمر ممكن في ظل التجارب الأميركية السابقة وفي مقدّمها تجربة الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون مع الكونغرس الجمهوري في السنتين الأخيريتن من ولايته، والتي تدعى في الإعلام الأميركي بتجربة «التثليث»، إذ اضطر الرئيس كلينتون للتعاون والتنسيق مع السيناتور الجمهوري المحافظ نيو غينغريتش من أجل الحفاظ على دوران عجلة الاقتصاد الأميركي، بما يخدم مصلحة الرئيس وبرنامجه، والحزب الجمهوري وطموحاته الرئاسية في ذلك الوقت. وفي هذا الإطار تقول «لوموند» الفرنسية: «ليس لدى الحزب الجمهوري مصلحة في حبس نفسه والتقوقع ضمن دائرة عرقلة ممنهجة إذا كان يريد اكتساب مصداقية قبل سنتين على الانتخابات الرئاسية». أما أوباما فإنه «سيعمل على إصلاح القانون الضريبي، ودفع مفاوضات التجارة الحرة لتعزيز الصادرات الأميركية، وهما ملفان يلقيان بعض المعارضة من جانب الحزب الديمقراطي، على عكس الحزب الجمهوري الذين يبدي ليونة في هذا الأمر».

من المؤكد أن سيطرة الجمهوريين على الكونغرس ستجعل الرئيس مضطراً للتعاون والتأقلم مع الوضع الجيد، لكن التجارب السابقة في عهد الرؤساء ريغان وجورج بوش الأب وبيل كلينتون، تقول إن وجود كونغرس معارض للرئيس ليس من شأنه أن يحدث فرقاً ملموساً في السياسات هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن اننخابات الكونغرس ليست مقياساً على الانتخابات الرئاسية وهوية الرئيس الحزبية، إذ تقول «ليبيراسيون» الفرنسية: «ريغان عوقب، وكلينتون عوقب أيضاً عام 1994، لكن هذا لم يمنع حزبيهما من الفوز في الانتخابات الرئاسية».

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى