حزب الله الى «الدولة» بأدوارٍ جديدة… فهل آنت المواجهة مع الحريري وجنبلاط؟
محمد حمية
لم يقِف خطاب السيد حسن نصرالله عند حدود تمثيل سُنة المعارضة، رغم أهميتها كعقدة حالت دون ولادة الحكومة، لكنها كانت رأس جبل الجليد المُتجمّد في العلاقة السياسية بين حارة حريك وكلّ من بيت الوسط وكليمنصو منذ الانتخابات النيابية الى الآن، فخطاب السيد نصرالله الأخير أثبت عملياً وللمرة الأولى بأنّ حزب المقاومة المسلحة ضدّ «إسرائيل» والإرهاب قد حزَم أمره وأعدّ العدة للانخراط في الدولة ومؤسّساتها الدستورية بأدوارٍ جديدة لا تنحصر بتأمين «الصيانة السياسية» للسلاح أو بالمشاركة الميثاقية في الحكم فحسب، بل إنّ العبور الجديد سيكون من باب تكريس توازن سياسي جديد في لبنان أفرزته الأحداث والتطورات على مساحة الإقليم والعالم، فما هي هذه الأدوار وما هو انعكاسها على تذليل آخر عقد الحكومة وأدائها في الملفات الكبرى؟
رغم أنّ حزب الله لم يُسَمّ الرئيس سعد الحريري لتأليف الحكومة، غير أنه سهّل له كثيراً بتواضعه حكومياً مع ربط أمر التأليف وضبط ساعة الولادة الحكومية بمدى قدرة الحريري على استنباط التوازنات الداخلية والخارجية الراهنة والمتراكمة واستعمالها في تركيب «البازل الحكومي»، إلا أنّ استسلام الرئيس المكلف للشروط القواتية والاشتراكية بدعم سعودي مُطلق أثار استياء الحزب، وما فاقم الأمور أكثر هو مسارعة رئيس المستقبل الى الرياض للتضامن معها في أزمتها ومشهدية الارتماء في أحضان «الولي» الذي يعتبره الحزب غارقاً في «شهر عسل استراتيجي» مع «إسرائيل» عبر انخراطه العلني في مشروع التطبيع، فكيف لرئيس حكومة لبنان لأربع سنوات مُقبلة أن ينّفُذ الى عمق الفلك السعودي الأميركي الإسرائيلي؟ هذا المُعطى تلقفته قيادة الحزب بحذرٍ شديد، أما «القشة» التي قصمت ظهر البعير بحسب العارفين، فهي استخفاف الحريري بمطلب الحزب توزير حُلفائه.
الممارسة الحريرية الإقصائية دفعت بالحزب الى التمسك أكثر بالحلفاء، إذ أن لا سبيل لمواجهة السعودية في الحكومة إلا بتقليص نفوذها من خلال خفض حصة «التيار الأزرق» مقابل تقدّم سنة المقاومة لإحداث توازنٍ سياسي، وفق ما تقول مصادر سياسية لــ»البناء»، فصَوتٌ سُني وطني مقاوم في المعترك الحكومي كفيلٌ بتكبيل «الرئيس المحرّر» وجنون «العهد السعودي» والحؤول دون تحكمه بالقرار السّني وبالتالي تحرير الحزب من مواجهة مذهبية حتمية ومن اتخاذها سيفاً مُسلطاً على رأس المقاومة لانتزاع موافقة على المشاريع الخارجية كـ»صفقة العصر»، فرغم تأكيد نصرالله على استمرار الحريري في مهمة التأليف، لكنه لن يقبل بحسب مصادر معنية برئيس حكومة بكامل «المواصفات الداخلية والخارجية التقليدية»، بل عليه خلع العباءة السعودية والتوقف عن رقصة العرضة، فالسراي الحكومي ليست سفارة أو قنصلية سعودية أو جناح في قصر اليمامة تستبيحه المملكة بـ»أساليب خاشقجية» فـ «معادلة العواصم العربية الأربع» لم تعُد تحتمل انخراط «سيد سراي بيروت» بعلاقات دولية وإقليمية تصل حدود «تل أبيب» فماذا هو فاعلْ أعلنت «أرض الحرمين» الاعتراف بـ «إسرائيل» وشيّدت سفارة للكيان الصهيوني في عاصمة المسلمين الأولى في العالم؟
إذاً قُرِعت طبول المواجهة مع مُمثل السعودية وأميركا في لبنان على أن تدور رحاها على طاولة الحكومة، فالمواجهة أحد أهمّ أدوار الحزب السياسية في الداخل، فكان اعتقاد الحزب والرئيس ميشال عون بأنّ الشيخ سعد بعد فكّ أسره سيرسم لنفسه مسافة عن السعوديين حدودها السيادة والولاء الوطني والقرار المستقلّ لكنه لم يفعل بل اندفع أكثر فأكثر الى فيئ «نخيل الصحراء»! أما ثاني الأدوار والذي ألمح اليه السيد نصرالله فهو ولوج الحزب الى «مملكة الفساد» واستلال «سيف الإصلاح» وإعلان الحرب على الفاسدين والمُفسدين، فقد غمز السيد من قناتهم بسؤاله: «هل ستكون حكومة إنقاذ أم مشاريع نهب جديدة». فالرسالة واضحة لمن يعنيهم الأمر بأنّ الزمن الذي يقف فيه الحزب مكتوف اليدين أمام نهب ثروات الدولة وإفلاس مؤسّساتها وتدمير اقتصادها وماليتها العامة بصفقات مزوّرة ومشاريع مموّهة قد ولى، وهو بحسب مصادر عليمة لـ «البناء» بصدد إعداد «لائحة فيتوات» سيبدأ بوضعها على طاولة مجلس الوزراء الواحد تلو الآخر، لكن ماذا لو اختار الحريري اليوم خيار التصعيد في وجه الحزب وانتقل التوتر الإعلامي والسياسي إلى الشارع؟ تُجيب المصادر بالسؤال: «أو هل يأسر نفسه في بيت الوسط للأبد»، فهو الخاسر الوحيد فمن يطلب السلطة هو ليس الحزب، فهامش المناورة لدى الفريق السعودي في لبنان بات ضيقاً جداً لا سيما في ما خصّ لعبة الفتنة وفق ما أكده الرئيس نبيه بري في خطابه أمس الأول، اليوم لا تنظيمات إرهابية يستخدمها «فزاعة» لإرعاب المقاومة ووضعها أمام الاختيار بين معادلتي «الاعتدال» و»التطرف» في ظلّ «مملكة» أُصيبت بمقتلٍ بعد حرب اليمن وحادث «الخاشقجي» المأساوي، علاوة على هزيمة المشاريع الاقليمية والدولية في سورية والعراق، وهي شريكة الانتصارات، وبالتالي في النظام الإقليمي الجديد، فالحزب المنتصر بحسب مصادره كان لديه فائض قوة منذ عدة سنوات لكنه لم يستخدمه في الداخل ورغم تمسكه اليوم بتمثيل حلفائه لكنه لم يتعمّد استغلال اللحظة الاقليمية التي أتت لصالحه، لكن الآخرين مصرّون على تهميش المعادلة الإقليمية في الداخل، فالحزب ليس مسؤولاً عن جهل البعض في قراءة سطور التوازنات الإقليمية والدولية الجديدة.
ويبدو أنّ السعودية قد وضعت «فيتو» على تمثيل سنة المعارضة، لذلك لن يتنازل الحريري بهذه السهولة، فهو اختار التصعيد في مؤتمره اليوم بحسب مصادر «المستقبل» رغم نُصح العقلاء في عين التينة، لكن ماذا لو توقفت الحرب على اليمن وبدأت مفاوضات الحلّ السياسي؟ تربط مصادر مراقبة بين تعنّت السعودية في لبنان والمفاوضات الشاقة التي تخوضها في اليمن وسط ضغوط أميركية خانقة على القيادة السعودية لوقف الحرب كحدّ أقصى نهاية الشهر الحالي، فهل سينتظر سيد بيت الوسط شهراً إضافياً وماذا سيقول للبنانيين إنْ قبِل بعد شهر بما يرفضه اليوم؟
ماذا عن النائب السابق وليد جنبلاط؟
لم تُفجر الضاحية غضبها في وجه جنبلاط بسبب موقفه الأخير من سنة اللقاء التشاوري، بل كان «فوهة البركان»، إذ تراكم الحنق لدى حزب الله والسيد شخصياً من مواقف جنبلاط حيال سورية وإيران واستهداف حلفاء الحزب في لبنان دفع إلى هذا الموقف، بحسب أوساط مطلعة فيبدو أنّ لحظة المواجهة مع جنبلاط بشكل مباشر قد آن أوانها ومعادلة احتواء الاختلاف والتفاهم على فضّ الاشتباك والفصل بين موقف جنبلاط من سورية وإيران وموقفه من سلاح المقاومة لم يعد يصلح في زمن «الزحف الإقليمي والدولي» الى دمشق، فكانت رسالة الضاحية الى كليمنصو بأنّ اللعبة انتهت و»سلة رهاناتك» الخارجية سقطت، وأنّ فائض الحماية لـ «آل جنبلاط» ومسار «التوريث الآمن» قد يُستردّ في ليلة لا تعرف ضحاها…