الشخصيات الوطنية والقوميّة وديعة التغيير…؟
ريمون ميشال هنود
نقلت إحدى الوسائل الإعلاميّة المرئيّة «تلفزيون المستقبل» في نشرتها الإخباريّة المسائية بتاريخ 9/11/2018 عن الرئيس سعد الحريري قوله، إنّه لن يسمح لسنّة 8 آذار بأن يتمثّلوا بوزير، يُعتبر وديعة المخابرات السوريّة على طاولة مجلس الوزراء. لكن إنصافاً لسياسة تلك الشخصيات، أجيز لنفسي القول، بما أنّها تؤمن إيماناً عميقاً متجذّراً، بأنّ كياناً مجرماً اغتصب أرض فلسطين بقوة السلاح، وسمّم مياه الشّفّة بفيروس الديسنتيريا والتيفوئيد في عكا وحيفا عند بداية أعمال القتل والتهجير والطرد في العام 1948، وبما أنها تؤمن بأنّ تلك الأرض لا يمكن أن تعود الى أحضان أهلها وأبنائها إلّا بقوّة السلاح المقاوم، كما آمن الرئيس جمال عبد الناصر، أليس من الظلم وصفها بأنها وديعة مخابرات؟! ألا يصحّ القول عنها يا دولة الرئيس، بأنها من أبناء دمشق التي سقطت على أسوارها المؤامرة الأميركية الصهيونيّة التكفيريّة، كما كانت من أبناء بيروت الوطنية في العام 1982 التي طردت جيش الاحتلال الصهيوني من شوارعها وأزقتها، وعمليات الويمبي وصيدلية بسترس ومحطة أيوب وغيرها شاهدة على هزيمتهم، وكما كان آباؤها من أبناء القاهرة جمال عبد الناصر التي أمّمت قناة السويس وكشفت هوية المتآمرين العرب على مشروع الوحدة العربيّة؟ أيصحّ ويعقل يا دولة الرئيس، وعلى سبيل المثال لا الحصر، اتهام الوزير الواعد فيصل عمر كرامي بأنّه وديعة مخابرات، وهو ابن شقيق أعظم رئيس حكومة في تاريخ العالم العربيّ الشهيد رشيد كرامي، الذي استُشهد من أجل منع مشاريع الفدرلة والكنتنة من إبصار النور في وطن الأرز العربي، وجدّه هو المغفور له رجل الاستقلال عبد الحميد كرامي؟!
بالمناسبة، فإنّ المخابرات السوريّة، كانت وستبقى العين الساهرة على أمن سورية، والجندي المجهول الذي يلقي القبض على كلّ فردٍ وجماعة متآمرة على سورية، يتلقيان الدعم الماديّ والمعنويّ من عواصم تواقة مجدّداً الى إعادة استعمارنا واستعبادنا، والمخابرات لا تتعاطى الشأن السياسي يا دولة الرئيس. إنّ الرئيس الراحل حافظ الأسد لم يكن رئيساً للجمهورية العربيّة السوريّة فحسب، بل كان زعيماً قومياً عربياً على مستوى الأمّة جمعاء، ولسياسته المقاومة الداعمة بشدّة لقضية العرب المركزيّة فلسطين، مناصرون في كلّ الأقطار العربيّة، حتى داخل النسيج الاجتماعي لدول مجلس التعاون الخليجي والأمر نفسه ينطبق على نجله الرئيس الدكتور بشار الأسد.
أيصحّ يا دولة الرئيس وصف تلك الشخصيات بودائع مخابرات، وهم يفاخرون بنظامٍ مقاومٍ في دمشق بنى نظاماً علمانياً في سورية في العام 1973 على أنقاض المادة الثالثة من الدستور، بينما في لبنان، عطّل نواب تياركم في العام 2010 بالتضامن مع أحزاب مسيحيّة إقرار المادة 95 من الدستور التي تنصّ على تشكيل الهيئة الوطنية العليا لإلغاء الطائفية السياسيّة، رغم الأجواء المشحونة حينها بين التيار الأزرق والتيار البرتقالي، والتي سبقت ولادة كتابي «الإبراء المستحيل» و»الافتراء في الإبراء»، ليبقى دين الدولة في لبنان المحاصصات الطائفيّة؟! أيصحّ يا دولة الرئيس وصف تلك الشخصيات القوميّة العربيّة بالأزلام، وهم يناضلون من أجل أن يولد التعليم المجانيّ والطبابة المجانيّة في وطن جبران والريحاني أسوة بتواجدهما في سورية، ومن أجل تخفيض نسبتي البطالة والبطالة المقنّعة، وإيجاد فرص عمل للفقراء، ورفع الحدّ الأدنى للأجور، لأنّ ما بات جليّاً أنّ وعود الفقراء بالبحبوحة من قبل سياساتكم، هي تماماً كوعود رجال الدين في روسيا للفقراء قبل الثورة البولشيفية بالخبز السماوي في الحياة الأبديّة، بعد أن حرموهم من الخبز الأرضي على الأرض، فكانت وعودهم كوعد إبليس في الجنّة؟
إنّ نظام الرئيس بشار حافظ الأسد لم يقتل الشعب السوري يا دولة الرئيس، فأبناء السنّة في سورية هم مَن دعم النظام بشدّة، أمّا الذين هاجمهم الجيش السوري فهم من تنظيم الأخوان المسلمين المحظور في سورية، الذي سمّى نفسه بـ «الجيش الحرّ»، وهو المشوّه الحقيقي لدين الإسلام. والأخوان هم صنيعة بريطانية أميركية، وقد سبق أن اشترطوا على الرئيس جمال عبد الناصر لقاء مساعدتهم له في انتصار ثورة الضبّاط الأحرار، إجبار نساء مصر على ارتداء الحجاب، واستبدال زفات الأفراح بزفات دينيّة، ومنع شرب الخمور، وإقفال المرابع الليلية، وعندها انتفض الرئيس عبد الناصر وأجابهم قائلاً: لن أسمح لكم بإعادة مصر الى أدغال أفريقيا. هؤلاء يا دولة الرئيس، من سيحكمون سورية المقصد السياحي الأول في العالم العربيّ؟ّ! أيُعقل أن يحكم بلاد سلطان باشا الأطرش، وناصر العليّ، وفايز منصور، وجول جمّال، وسعدالله الجابري، ويوسف العظمة، وإبراهيم هنانو، وفارس الخوري، من اغتال نجل الوزير الدكتور علي حيدر، ونجل المفتي البطل المناضل أحمد بدر الدين حسون، ووالد الفنانة العربية السورية المناضلة رغدة، والفنان ياسين بقوش الذي أضحك ملايين العرب مع الكبير دريد لحام والراحل نهاد قلعي؟! إنّ كل متنوّر ومثقف ومحلّل بارع يعلم بأنّ احتلال الجولان عام 1967 جعل الجيش الصهيوني يقف بمحاذاة الحدود مع سورية، في مواجهة الجيش السوري، كما أنّ تركيا كانت أول دولة إسلاميّة توقع اتفاقيّة سلام مع الكيان الصهيوني عام 1949، وتركيا تحدّ سورية، أمّا العراق وجرّاء خلافه الحزبيّ مع سورية، ونتيجة وقوف سورية الى جانب إيران في حربها ضدّ العراق، عمد الرئيس صدّام حسين الذي أعدمته محكمة أميركيّة عراقيّة إلى دعم فصائل الأخوان المسلمين في سورية، إبّان أحداث حماة عام 1980 ضدّ الجيش السوري، والعراق يحدّ سورية. ونتيجة نجاح الامبرياليّة في جعل بلدين عربيين إضافةً إلى تركيا يحدّون سورية ويعادون سياساتها. ولدى شعور سورية برغبة أحزاب اليمين اللبناني في إبرام اتفاقية سلام مع كيان العدو، أو أقله في فصل القضية الفلسطينية عن القضية اللبنانية، وهو سلوك وعملٌ يخدمان بامتياز المصلحة الأميركية الإسرائيلية، ليكتمل بذلك الطوق على سورية من كلّ الجهات، إنقضَّ حماة الديار داخل الساحة اللبنانيّة ودعموا حلفاءهم من الأحزاب الوطنية والقوميّة لتقويض مشروع عزل سورية وإسقاط نظامها المقاوم، ونجحوا في ذلك نجاحاً مذهلاً وباهراً وانتصروا انتصاراً ساحقاً.
وبالمناسبة يا دولة الرئيس، أنّ كلّ من ناهض السياسة السوريّة في المنطقة، قال كلمة حق عندما توفيّ الرئيس حافظ الأسد، بالجسد، بتاريخ 15 حزيران 2000 وعنوانها مات ولم يوقّع. وللتذكير فإنّ وزير خارجيّة أميركا الأسبق السيّئ الذكر وصاحب الرأس المريض، هنري كسينجر، كما كان يحلو لفارس الموارنة الرئيس سليمان فرنجية تسميته، قال كيسنجر يوماً لمراسل صحيفة «الواشنطن بوست» جوناثان راندل، «إنّ أكثر رجل قهرني وأذلّني في حياتي إسمه حافظ الأسد».
إنّ تغيّير المزاج في مناطق ومدن وطنيّة عريقة مقاومة، يسقط الأعذار القائلة بأنّ تلك الشخصيات لا يحق لها التمثل في الحكومة لأنها لا تشكل كتلة، ولكن بالإذن من كلّ من لا يزال يتحجّج بذلك المنطق، أقول بأن لا فارق بين كتلة وتجمّع عند مقترعين استفاقوا من سبات التغرير بهم وعادوا الى صحوةٍ مجيدة شهدت عليها صناديق الإقتراع.