الكيان الصهيوني أميركا والأعراب بين «صفقة القرن» و صفعة غزة…
محمد ح. الحاج
في اتصال لملك السعودية الأسبق فهد بن عبد العزيز قال لمحدثه أمير الكويت، يريدون توريطنا في حرب مع دولة نووية… كان يغطي تهرّبه من دعم سورية والعراق والفلسطينيين في مجابهة العدو الصهيوني ليس خوفاً من أسلحته النووية بل التزاماً بوعد أبيه الدفاع عن «المساكين اليهود حتى تصيح الساعة»!
يسخر بعضهم عندما يتحدّث سيد المقاومة ويقول إنّ الكيان الصهيوني أوهن من بيت العنكبوت، وهو فعلاً كذلك، لكنهم وإمعاناً في إرهاب شعوبهم يدّعي أغلب قادة العرب والعربان أنّ هذا الكيان «لا يُهزم»، مع أنّ الدولة العظمى التي تحميه وترعاه وتمدّه بأسباب الحياة هُزمت على يد دول صغيرة والبعض لا يعرفها، الكيان الصهيوني يعلم، كما تعلم أميركا وكلّ دول العالم أنّ هذا الكيان بدأ طريقه نحو الهاوية والزوال بعد أن تلقى أولى هزائمه نهاية القرن الماضي.
الآن، على شعوب العالم العربي أن تحلّ لغز المساهمة العربية في حصار الشعب الفلسطيني ومحاولة تدجينه وإخضاعه ودفعه إلى الهجرة والقبول بالتوطين في أماكن تواجده في مخيمات اللجوء أو في تجمعات يزمعون إقامتها على أطراف الصحراء جنوب وشرق الأردن أو في أماكن أخرى، والخطوة التالية إفراغ الضفة وأراضي 48 من باقي أهلها الفلسطينيين لاستكمال «يهودية الدولة»، الحصار الصهيوني وتدعيمه عربياً وأعرابياً إنما هو لمنع وصول أيّ سلاح متطوّر ولو في الحدود الدنيا إلى اليد الفلسطينية المقاومة، لأنّ الجبهة الداخلية لصهيون لا تحتمل حتى الجروح أو حرق السيارات أو المحاصيل، عدا عن هدم البيوت، فكيف نجح الفلسطينيون بالحصول على الأسلحة التي أوجعوا فيها الكيان في معركة الثاني والثالث عشر من هذا الشهر، وهل حقاً أصيبت القيادة الصهيونية بالذهول؟
المثابرة والمبدئية في الحفاظ على الموقف المقاوم والثبات، هو ما أتاح للفلسطينيين الحصول على بعض الأسلحة النوعية ومن ضمنها صواريخ الكورنيت، وأجهزة التوجيه الدقيق للصواريخ المحلية، ونجحوا رغم كلّ الجهود الاستخبارية الدولية في محاولة منعهم ورغم الرقابة المشدّدة والجواسيس، فكيف لو أنّ الحدود مفتوحة بين مصر وغزة، وبين الأردن والضفة، ومؤكد أنّ الكنس اليومي للطرق الحدودية مع الجولان لم تنفع في وقف عبور رجال المقاومة وحمولاتهم، ولا اليونيفيل في جنوب لبنان، ولا مجموعة الأقمار عيون على العرب هذا ما يجب أن يعترف به قادة الصهاينة، ويبدو أنّ الحظ لعب دوراً في تجنيب الجيش الصهيوني كارثة مدوية إذ غادر الجنود الحافلة قبل وصول الصاروخ بأجزاء من الثانية وإلا لسقط العشرات منهم صرعى، مع ذلك جاءت نتائج العمليات ولأول مرة مرجحة كفة انتصار المقاومة على ضآلة فاعلية ما تملك من سلاح مقابل الجيل الرابع والخامس من الطائرات والصواريخ الفتاكة التي يتسلّمها جيش الكيان قبل الجيش الأميركي.
يعتبر قادة الكيان الصهيوني أنّ ما حصل كارثة حقيقية، وقد أثارت عاصفة من التظاهرات التي تستنكر الهزيمة، هزيمة الدولة الأقوى في المنطقة، والتي سارع قادتها للقبول بوقف النار وهو لمصلحتهم وليس لمصلحة المقاومة، وإذ يستقيل ليبرمان فهو يعترف بفشله وهزيمة كيانه، لكن أحداً من القيادة الصهيونية لا يجرؤ على الاعتراف بالحقيقة القائلة إنّ استمرار المعركة لأكثر من عشرة أيام سيدفع بكلّ المستوطنين في إطار محيط غزة، وربما أبعد وأعمق من ستين كيلومتراً، إلى الهجرة باتجاه الداخل، أو حتى مغادرة الكيان طلباً للسلامة وهذا ما توقعته الاستخبارات المركزية الأميركية، ويثق قادة المقاومة وعلى رأسهم السيد نصر الله بأنّ نبوءة الاستخبارات المركزية قابلة للتحقق وستكون الكارثة أعظم وأشدّ بلاء ليس على أميركا والكيان الصهيوني، بل على الكثير من الكيانات العربية العميلة والمدافعة عن وجود الكيان بكلّ ما تملك، ولهذا بدأت تسفر عن حقيقة علاقاتها السرية فتخرج بها إلى العلن، وبعضها يتباهى بقرابة تاريخية يدّعيها في عملية ليّ لعنق التاريخ الذي يثبت أنّ يهود اليوم لا علاقة لهم بيهود العربة ولا اليمن لأنهم من الخزر والفالاشا وأعراق أخرى ليس بينها ساميّ واحد.
قد يتمكن ابن سلمان من استئجار عدد كبير من المرتزقة المحترفين، وقد ينجح في قتل بعض قادة المقاومة سواء من السوريين أو الإيرانيين، وطبعاً من ضمن السوريين… فلسطينيين ولبنانيين، لكن غيرهم سيأخذ مواقعهم، وسيعترف بعجزه وفشله وسينتهي قبل أن تنتهي المقاومة، فكراً وأداء، ولقد سبقه القادة الصهاينة للاعتراف بقولهم، قتلنا عباس الموسوي فجاء من هو أشدّ بأساً منه وأكثر تشدّداً في المقاومة…! ونضيف أنهم قتلوا كثيراً من قادة المقاومة الفلسطينيين في الخارج والداخل على حدّ سواء وما توقفت المقاومة، بل تطوّرت بشكل مضطرد مع اتساع عمليات التصفية والاغتيال وأبدعت أساليب جديدة لن يكون آخرها العلم المفخخ. المضحك بعد اليوم هو رؤية جنود العدو يهربون بعيداً عن مكان وجود علم فلسطيني يرفرف على الشريط الشائك أو جدار عازل!
لم تنفع الأموال القطرية في منع رد المقاومة على عملية اغتيال فاشلة، ربما لو نجحت العملية لكان من الممكن الاكتفاء بالتهديد في الردّ كعادة القيادة السياسية، ولا نشك بوجود شرخ وحالة من الفصام بين العسكر والساسة، فالعسكر لا يتقبّلون دوس الكرامة في حين يتقبّلها السياسيون ويلعبون دور الاسفنجة في امتصاص ومطمطة ردّ الفعل، وكان هذا رهان القيادة الصهيونية الفاشلة، أما بعد فشل العملية فقد جاء ردّ فعل ليبرمان متذرّعاً بوصول الأموال في الحقائب إلى الفلسطينيين، وكأنّ الأموال حملت معها صواريخ الكورنيت أو هي من شجع المقاومين على الردّ. وأيضاً معترضاً على قبول الحكومة بوقف النار!
غزة، هذه الرقعة الصغيرة من الأرض، هي كتلة من الجحيم للكيان الصهيوني، ولقد تمنّى المقبور شارون أن يستيقظ يوماً فيرى أنّ البحر قد ابتلعها، رغم جيش من المستعربين، والمتعاونين، وجهت للكيان الصهيوني ومعه الإدارة الأميركية وكلّ أدواتها من الأعراب صفعة تردّد صداها في طول العالم وعرضه، ربما يمكن القول إنها الردّ المباشر على ما يسمّونه صفقة القرن لتصفية القضية، الصفعة مقابل الصفقة، وإذا ما استمرّ الموقف وتكرّرت الصفعة فإنّ نهاية من يؤيدون الصفقة هو السقوط وقد يكون مدوياً يؤدّي إلى تهشيم وتحطيم الهيكل بما فيه من خدام للحرمين والأقصى وكلّ المقدسات، وهؤلاء سيأكلون هبل المصنوع من التمر أو النفط، لا فرق، لكنهم أبداً لن ينجحوا في فرض الصفقة، تماماً كما فشلوا في الرهان على توالي الأجيال ونسيان القضية، لكنهم فوجئوا بأنّ مفاتيح البيوت القديمة بقيت نبعاً للحنين والمحرّض للحفاظ على القضية حية في عقول أصغر جيل فلسطيني، وأنه يحمل الحجر لحظة ينتصب على قدميه ويعرف أنه يجب أن يضرب بها الجندي الصهيوني حينما يقع بصره عليه.
يا قادة أعراب الخليج، ومن يحالفكم، اخجلوا من أنفسكم، واخجلوا من شعوبكم فأنتم لستم من هذه الشعوب، لقد جاءت بكم بريطانيا ونصبتكم حراساً على الثروات، وسمحت لكم بالكثير مقابل إفقار وتجهيل شعوب كانت قابلة للتجهيل في بداياتها، فإنْ تأخرت يقظتها، لكنها لن تستمرّ ولن يطول الرقاد، اخرجوا من المركب الصهيوني فأنتم غارقون لا محالة، وإذا ما بادر الغرب لإنقاذ أدواته واستعادتهم، فأنتم ضحية يرمون بها إلى شعوبكم وليس لكم من مأوى، أموالكم في الغرب ليست لكم ستكون التعويض للناجين والمغادرين من أرض فلسطين السورية.