دور القوميّين الاجتماعيّين في معركة الجلاء في الشام 2/2
ل.ب
في مدينة حماه تسلّم الرفيق الضابط صلاح الشيشكلي قيادة «قوى التحرير» وخاضت هذه القوى مواجهات قتالية مع الفرنسيين تعرّضت أثناءها أحياء في حماه للقصف المدفعي.
بدأت المناوشات بين أبناء حماه والفرنسيين في 27 أيار 1945، وفي 30 أيار قاد الضابط الفرنسي سيبيس حملة من حمص الى حماه واشتبك مع المجاهدين، فقتل قائد الحملة وبعض معاونيه من الضباط، كما أسقط للفرنسيين ثلاث طائرات.
أتت نجدات الى أبناء حماه المقاومين من منطقة السلمية، ومن عشائر البدو، كما ساهمت النساء بما طلب منهن.
عن الوضع الحزبي في مدينة حماه، يورد الأمين جبران جريج في الجزء الثالث، ص471 من مجلده «من الجعبة» الآتي: « اصبحت مدينة حماه منفذية منفذها العام أكرم الحوراني، وأصبح الدكتور وجيه بارودي من المعاونين مع باقي المسؤولين الذين كانوا معه. من أهم القرى المجاورة التي أنشئت فيها فروع للحزب كانت محردة، وتولى مسؤولية المدير فيها الرفيق الدكتور محفوظ ابراهيم.
« كان لهذا النمو انعكاس سلبي على فرع الكتلة الوطنية التي كانت تريدنا في غير مناطقها، وحماه من ضمنها، خاصة أن لبعض الرفقاء مراكز اجتماعية محلية تؤثر في نفوذها, مثالاً على ذلك الرفيق واصل الحوراني شقيق الرفيق أكرم الذي كان يرأس البلدية، ومن أبرز الأعضاء: صادق سمعان، ميخائيل إنطكلي، ذكي قسطون، علي نابلسي، عبدالله فردوس العظم وشقيقه سعيد، ابراهيم شوقي العظن، نخلة كلاس، محمد الشقفة، محرز الحلبي، نديم الباوي والدكتور وجيه بارودي «.
في معارك حماه سقط الرفيقان الشهيدان عبدالله فردوس العظم ومحمد الشقفة .
في دمشق كان الرفيق ممدوح العظمة دليل الطيارين السوريين الذين فروا من رياق للالتحاق بالقوى الوطنية في العاصمة السورية، وكان الرفيق مرعي الحامد من حراس دار الحكومة في دمشق، وقد رد برشاشه دبابة كانت تقدمت نحو السراي، وساعده في عمله الرفيق كمال الكنج. أصيب الرفيق مرعي برصاصة في عينه اليسرى.
وفيما هاجم المناضل المعروف محمد الأشمر ثكنة شارع النصر، ووالد الرفيق كمال الكنج من مجدل شمس ثكنة المزة، قام الرفيق كمال الكنج ومعه كل من هايل الأطرش، بكري قدورة وآخرون بمهاجمة ثكنة شارع بغداد.
اما الأطباء الرفقاء جورج عبود، إميل لطفي، تيودور شان وسامي الخوري فكانوا يقومون بالإسعافات في المستشفى الإنكليزي ويسهرون على راحة المصابين طيلة مدة الحوادث .
الى ذلك تطوع الرفقاء لنقل الجرحى وإسعاف المصابين.
في تدمر، كان الرفيق رشيد محمد أول متطوع ترك جيش الشرق وفرّ من ثكنة الجبخانة بسلاحه وحرّض الباقين على اللحاق به. وقد شارك الرفيق بالقتال في أكثر من موقع.
في إدلب، ألصق الرفقاء نشرات الحزب على جدران الشوارع وعملوا على تقوية معنويات السكان، كما شاركوا في معركة إدلب.
الرفيق وصفي أبو زيد كان أول من فرّ بسلاحه والتحق بالقوى الوطنية.
بعد انتهاء معركة إدلب دعي جميع المقاتلين الى دار والد منفذ عام إدلب، السيد عبد القادر العياش حيث أقيمت لهم وليمة غداء، وفي المساء انتقل الجميع الى دار الرفيق أحمد البت حيث تناولوا طعام العشاء.
في حلب، فضلاً عن إصدار المنفذية عدة نشرات تحثّ على مواصلة الجهاد، شارك الرفقاء في الثورة المنظمة التي كانت مهمتها الاولى مهاجمة الثكن العسكرية طوال الليل، إرهاباً للفرنسيين وتشجيعاً للجنود الفارين.
وشارك الرفقاء أيضاً بفرقة مسلحة مع الحرس الحكومي والأهالي لتثبيت الأمن. وجرح في المعارك الرفيقان الشاعر أورخان ميسّر وعمر ترمانيني.
بيان عمدة الإذاعة
من ملحق «النشرة الإذاعية» الصادر عن عمدة الإذاعة في 20 آب 1945 البيان الآتي الموجه من عميد الإذاعة الى السوريين القوميين الاجتماعيين في الشام في أول آب 1945.
« أيها السوريون القوميون،
إن بين الحقائق الكبرى التي تكون الكنز الفكري الفعال للأمم المصممة على الحياة والتقدم والازدهار حقيقة تحتاج دوماً الى التذكير بها والتشديد عليها لكي تبقى دوماً ماثلة أمام عيون أبناء الأمة ولا تغيب عن ذهنهم لحظة واحدة. وهي إنما تحتاج الى التذكير والتشديد، لا لأنها واهية اليقين، قابلة الشك إذ بالعكس ما من حقيقة مثلها يدعمها الاختبار وتظهر صحتها الحوادث كلما احتكت بالواقع بل لأنها، تبرعها الى تحريك القوى الكامنة في النفوس وإيقاظ الهمم الغافية، وبعث الحيوية المستميتة ودفع الإنسان الى بذل «المجهود الأقصى» تعاكس نزعة الإنسان الطبيعية الى الركون والخمول والانحدار على الطرق السهلة والاكتفاء «بالمجهود الأدنى»، ولهذا لا تنفك هذه النزعة عن محاولة طرد تلك الحقيقة من مسرح الوعي وعزلها في زوايا النسيان.
وهذه الحقيقة هي أن ما من أمر خطير يسعى الإنسان الى تحقيقه إلا وله ثمن يتناسب مع خطورته، ثمن يجب أن يدفع سلفاً، من عرق الإنسان ودمه.
والاستقلال من هذه الأمور الخطيرة، ذات الثمن الغالي. وسورية أرادت أن يكون لها استقلالها، وقبلت أن تدفع منه. فكانت سلسلة الاضطرابات والثورات، وكان سيل من التضحيات والجهود والدمع والدمار، وكانت آخر دفعة منه هذه التي لم ينقطع نبضها بعد.
وأنتم أيها القوميون من أبناء الأمة السورية الذين صمموا على إحياء هذه الأمة وإنهاضها والسير بها الى المركز الذي تستحقه، فقد «تعاهدتم» كما قال خالق نهضتكم القومية، على أمر خطير يوازي وجودكم» فكان عليكم أن تدفعوا الثمن ايضاً. وها تاريخكم الحزبي يشهد أنكم ما تلكأتم ولا قصرتم. فكان ما تحملّتموه من المطاردة والسجن والاعتقال، والفقر والضيق والعوز، والتهم والافتراءات والإهانات، وسوء الفهم وفساد النية وعقم العقول، وعداء الأهلين ومقاطعة الأصدقاء ونفور الأحباء، وتثبيط الهمم وإخماد الأمل وتهديم الرجاء، ووسوسة النفس الأمّارة بالسوء، وتعذيب الشهوات المكبوتة وضنك الجسد الرازح، كل هذا كان القسط الأول الذي سددتموه لقاء ما حققتم في أنفسكم وفي مجتمعكم من عناصر النهضة القومية المنشودة.
إلا أن هذه التضحيات خلقت في قلوبكم حنيناً غامضاً وقوياً الى شيء يكاد يكون ضرورياً لإروائها حتى تزهر وتثمر الثمر الذي منه تتغذى الأمة وتحيا، الى الدم المهروق يتفجر من صدوركم فداء عن الوطن. وكان لكم ما تشتهون، اذ حاول الاجنبي المغتصب محاولته الأخيرة لإذلال أمتكم فانطلقتم الى القتال تذكونه من بطولتكم وتروونه من دمكم.
غير أن ما قمتم به، أثناء الحوادث، من استعدادات جبارة بقيت خافية، ومن أعمال عظيمة ظهرت للعيان لم يكن سوى جزء ضئيل مما كانت تقتضيه وتكفل تحقيقه تلك الروحية البطولية المختلجة من قلوبكم والتي فجرتها فيها وغذتها مبادئكم القومية السامية ونظامكم الحزبي البديع.
ولهذا لا يمكن أخذ صورة وإن مصغرة عن حقيقة تلك الروحية وقوة اندفاعها ومدى فعاليتها إلا من على شرفة ذلك التمزق المؤلم الذي كان مستولياً عليكم طيلة تلك المرحلة النضالية، والذي أحدثه في نفوسكم التناقض القائم بين متطلبات تلك الروحية وبين ضيق إمكانيات تحقيقها إذ أن الحوادث الدامية لم تتخذ شكلاً يسمح لكم بالمبادرة في أي زمان وأي مكان شئتم، بل كان عليكم في كثير من الاحيان وفي عدد من الأمكنة أن لا تقوموا بأي عمل عنفي كي لا تعرقلوا سير السياسة التي انتهجتها الحكومة كما أن الوضع الحكومي في سورية لم يكن قد استعد لتلك الحوادث استعداداً يسمح له بالاستفادة من قواتكم ولم يزودكم الوسائل المادية الضرورية لاستخدام تلك القوى.
ولكن بالرغم من كل هذا كانت الانتصارات الوطنية الكبرى تلك التي قدمتموها أنتم أو اشتراككم فيها اشتراكاً فعلياً.
والآن إذ عدتم الى أعمالكم العادية، يجب أن يبرح عن بالكم أن ما فاتكم تحقيقه، أثناء الحوادث الأخيرة، من متطلبات الروحية البطولية الكامنة فيكم، يجبان لا يفوتكم في المستقبل، وقد يكون هذا المستقبل قريباً، إذ أن مشاكل أمتكم في الشمال والجنوب لم تحل بعد وقد يقتضي حلها الكثير من الجهود العنيفة والتضحيات الدامية. ولا شك في أنكم انتم وحدكم المؤهلون، من بين جميع الفئات الشعبية، لبذل هذه الجهود ولتقديم هذه التضحيات بغزارة وبشكل نافع مفيد.
فاستعدوا منذ الآن لتلك الساعات الحرجة التي ستكون ولا ريب، ساعات حاسمة، لا لمستقبل أمتكم فحسب بل لمصير حزبكم أيضاً.
إذ يجب ألا تقتضي تلك الساعات بالنسبة إليكم الا ويكون «الحجر الذي وضعه البادئون قد أصبح رأساً للزاوية».
نأمل من كل رفيق أو صديق يملك ما يبديه من ملاحظة،
أو يضيفه من معلومات، أن يكتب لنا.