رئيس الجمهورية: لبنان يعيش أزمة تشكيل الحكومة ولم يعد يملك ترف إهدار الوقت لقيام الدولة

أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن الاستقلال ليس فقط احتفالاً ولا يختزل بتاريخ أو يختصر بعيد، وأن يكون الوطن مستقلاً يعني القدرة على قول «نعم» كما الـ»لا» في كل ما يعنيه ويخصّه، مشدداً على «ان صون الاستقلال مسؤوليتنا جميعاً وأولى حماية له هي في المحافظة على وحدتنا الوطنية وإرادة العيش معاً».

ولفت الرئيس عون إلى أن «دخول العنصر الخارجي يفقدنا حرية القرار فيضيع جوهر الاستقلال وتصبح السيادة أيضاً في دائرة الخطر»، مشيراً الى أن استقلال الوطن وسيادته يجب أن يبقيا خارج معادلة المعارضة والموالاة، وخارج نطاق الصراع على السلطة، فالخلافات لا يجب أن تكون على الوطن بل في السياسة، وهي مقبولة ما دام سقفها لا يطال حدّ الوطن ومصلحته العليا.

ووجه دعوة لكل المسؤولين والأحزاب والتيارات والمذاهب لـ»نبذ خلافاتنا، ونضع مصالحنا الشخصية جانباً، ونبرز حس المسؤولية تجاه من أوكلنا مصيره». واعتبر أن اللبناني «سئم الوعود ويكاد ييأس من تناتش المصالح، وملّ عدم اكتراث أصحاب القرار بمخاوفه وبطالته وحقوقه وأحلامه المكسورة. من واجبنا ان نطمئنه إلى غده، أن نتآلف في المجلس النيابي والحكومة وننكب ليلاً ونهاراً على التخطيط والعمل لإنقاذ وطننا اقتصادياً، واجتماعياً، وبيئياً وأخلاقياً».

وتطرّق الرئيس عون خلال كلمة وجهها الى اللبنانيين مساء أمس، لمناسبة العيد الماسي الـ75 لاستقلال لبنان إلى الوضع الحكومي، فقال إن لبنان يعيش اليوم أزمة تشكيل حكومة سبق أن عاشها في السنوات الماضية، وتحصل في دول عريقة في الديمقراطية والحضارة، ولكنّها تُخسرنا الوقت الذي لا رجعة فيه، و»إذا كنتم تريدون قيام الدولة، تذكّروا أن لبنان لم يعد يملك ترف إهدار الوقت». وأكد رئيس الجمهورية على وجوب الانصراف الى معالجة الوضع الاقتصادي الضاغط، «فقوة الأوطان الحقيقية لا تقاس فقط بإمكاناتها العسكرية بل باقتصادها الحقيقي ونموّه المستدام ومدى تأقلمه مع التطور والتحديث».

وقال لقد كانت الأولوية خلال الحقبة المنصرمة لتأمين الاستقرار الأمني وإبعاد لبنان عن نار المحيط، واليوم وبعد أن تحقق ذلك لا بدّ من الانصراف الى معالجة الوضع الاقتصادي الضاغط، وهواجس المواطنين وشجونهم المعيشية. فلم يعُد ممكناً الاكتفاء بمعالجاتٍ موضعية آنيّة وتأجيلِ الإصلاح المنشود على كلّ المستويات، لا سيّما أن «الخطة الاقتصادية الوطنية» قد توضحت معالمها وتنتظر إقرار خططها وقراراتها في مجلس الوزراء ومجلس النواب فقوة الأوطان الحقيقية لا تُقاس فقط بإمكاناتها العسكرية بل باقتصادها الحقيقي ونموّهِ المُستدام ومدى تأقلمِه مع التطوّر والتحديث.

وقال الرئيس عون: «لن ندع البلاد تئن أكثر، ولن نتراخى في مواجهة الفساد والفاسدين، ولن نتراجع عن وعود الإصلاح والتنمية المستدامة، وإيجاد فرص العمل لشبابنا، وسأعمل شخصياً بكل ما أوتيت من قوة، وبكامل الصلاحيات المعطاة لي كرئيس للجمهورية، وبالتعاون مع رئيسي مجلسي النواب والوزراء، على دفع عجلة الاقتصاد قدماً، وترشيد النفقات، وسدّ مزاريب الهدر، وتحسين الخدمات والبنى التحتية، كما اعتزم متابعة الانكباب على ملاحقة ملفات الفساد، الصغيرة منها والكبيرة، مع الجهات المعنية في القضاء وأجهزة الرقابة والأجهزة الأمنية والإدارية، ليشعر المواطن ان شيئاً ما يتغير في حياته اليومية، وان محاربة الفساد والفاسدين ليست شعاراً انما عمل متواصل، ولو كان مضنياً ولكنه سيصبح ملموساً».

ولفت الى المعضلة التي فرضتها علينا حرب الجوار، وتضغط علينا اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً، وتتمثل بوضع النازحين السوريين، فهؤلاء يعيشون في مخيمات البؤس في خيم لا تقيهم لا البرد ولا الحرّ، ومن أبسط حقوقهم العودة الى بلادهم وأرضهم خصوصاً بعد انحسار الحرب والخطر عن معظم المناطق السورية. ولكن، نجد في المقابل مَن يعرقل هذه العودة لأسباب مبيتة، سواء بالحديث عن العودة الطوعية مع استعمال كل وسائل الترغيب والتخويف لدفع النازح الى اختيار البقاء حيث هو، أو بمحاولة ربطها بالحل السياسي. وفي هذا وذاك ضرر كبير على لبنان الذي يجهد لحل مشكلاته المتراكمة ولا يمكنه أبداً حمل أعباء إضافية. فالحرب وإن تكن قد اندلعت في جوارنا ولكننا تلقينا القسم الأكبر من تداعياتها لسنوات، واليوم بات الأمر يفوق قدراتنا في كل المجالات. لذلك، نعمل يومياً على تشجيع السوريين النازحين على العودة، وعلى تسهيلها وتأمين مستلزماتها.

وختم: علمتنا التجارب أن نيل الاستقلال مهما يكن شاقاً ومكلفاً، يبقى أسهل من المحافظة عليه، خصوصاً في عالم تحكمه المصالح والقوة وتغيب عنه الأخلاق والعدالة، ونحن الأعلم بذلك. وعلمتنا التجارب أيضاً أن الاستقلال يمكن أن يتحوّل ذكرى واحتفالات شكلية فولكلورية من دون مضمون ولا جوهر، فلنجعل من المحافظة على استقلالنا الحقيقي والتمسك به أولوية لنا لأنه حجر الأساس الذي يبنى عليه استقرار الوطن وحريته وأمنه وسلامه وأيضاً ازدهاره.

وكان الرئيس عون واصل تلقي برقيات التهنئة بعيد الاستقلال، وقد أكد قادة وزعماء الدول العربية والأجنبية حرصهم على تعزيز العلاقات مع لبنان وعلى الإشادة بما تحقق خلال السنة الفائتة، مع الحرص على استقلال لبنان وأمنه وسيادته واستقراره.

وفي هذا السياق، توجّه الرئيس السوري بشار الأسد بالتهاني الى الرئيس عون واللبنانيين، متمنياً الأمن والاستقرار للبنان. كما أبرق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الى الرئيس عون مهنئين بذكرى استقلال لبنان. كما أبرق العاهل المغربي الملك محمد السادس مهنئاً بالمناسبة.

وتلقى رئيس الجمهورية برقية تهنئة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، شدّد فيها على عمق أواصر الاخوة والمحبة بين لبنان ومصر وعلى التطلع من أجل تعزيزها وترسيخها في المجالات كافة بما يحقق المصالح المشتركة للشعبين الشقيقين وللأمة العربية.

وأكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس في برقيته، على المكانة الخاصة للبنان وشعبه في قلوب الفلسطينيين، وتقديرهم عالياً «مواقفكم الثابتة تجاه شعبنا في لبنان الشقيق الذين هم ضيوف فيه لحين زوال الأسباب التي تحول دون عودتهم الى وطنهم، ودعمكم لنضالنا العادل من اجل انهاء الاحتلال لبلادنا وإقامة دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس الشريف».

وشدّد الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي في برقيته، على الارتياح للروابط التي تجمع لبنان وتونس، والرغبة في تعزيزها.

ونوّه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في برقية التهنئة التي ارسلها الى الرئيس عون، بالإنجازات الرائدة التي حققها لبنان في ظل «السياسة الرشيدة» لرئيس الجمهورية، متمنياً للبنان الرقي والازدهار في كنف الامن والاستقرار.

وتلقى رئيس الجمهورية برقيات تهنئة بالاستقلال من عدد من الدول الصديقة، حيث شدّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الرغبة في الاستمرار في التعاون الوثيق لتطوير الحوار المثمر والتعاون الثنائي في سبيل شعبي البلدين، ولمصلحة الأمن والاستقرار في الشرق الاوسط.

وأكد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان على إيلاء تركيا أهمية كبرى لسيادة لبنان واستقلاله وامنه واستقراره، وتصميمها على مواصلة دعمها للشعب اللبناني ودولته في هذه المجالات.

كما أبرق مهنئاً كل من الرئيس النمساوي الكسندر فان در بيلن، ورئيسة كرواتيا كوليندا غرابر – كيتاروفيتش، وملك بوتان جيغمي خيسار، ورئيس الغابون علي بونغو اونديمبا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى