حمص ومعالمها… عريقة بتاريخها واستراتيجية بموقعها

لورا محمود

مدينة ابن الوليد وجارَة العاصي، حمص العديَّة وأم الحجار السود والعديد من الصفات التي أطلقت على مدينة حمص التي نشأت فيها حضارات منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد بسبب موقعها المتوسط لبلاد الشام وخصوبة أراضيها ومناخها المعتدل، إضافة إلى موقعها العسكري والتجاري المهم، إذ تشكل صلة الوصل بين مختلف مدن المنطقة، وهي العقدة الكبرى للمواصلات في سورية، ما أكسبها موقعاً تجارياً فريداً وأغناها بالعديد من المرافق الحيوية والصناعية والتجاريّة، وتعتبر مركزاً سياحياً مهماً لغناها بالمواقع الأثريّة.

أقدم الأسماء المعروفة لحمص هي «إيميسا» باليونانية وهو مركب من قسمين «إيم» «سيا»، إذ يعتقد أنّ الشطر الأول كان يشير إلى إله الشمس الذي اشتهرت المدينة بعبادته وبالهيكل الكبير المشيّد على اسمه، وأشار بعض المؤرّخين إلى أنها ربما اشتهرت باسم حمص بين العرب حتى قبل الفتح الإسلامين أما الصليبيون فمع مجيئهم إلى بلاد الشام أسموها «لا شاميلي» على رغم أنهم لم يبسطوا سيطرتهم عليها مطلقاً، ولعلّ أقدم موقع سكني في مدينة حمص هو تل حمص أو قلعة أسامة، ويبتعد هذا التل عند نهر العاصي حوالى 2.5 كم، ولقد أثبتت اللقى الفخارية أنّ هذا الموقع كان مسكوناً منذ النصف الثاني للألف الثالث قبل الميلاد، وقد ورد اسم حمص محرّفاً في وثائق إيبلا المملكة السورية، واستطاعت تحت حكم السلالة الحمصية الحفاظ على استقلالها المبني على تحالف مع الإمبراطورية الرومانية وقد شهدت ازدهاراً فنياً واقتصادياً وثقافياً نادراً طوال حكم السلالة الحمصيّة. أولاها الزنكيون والأيوبيون أهمية خاصة، بينما أهملها المماليك.

أهم المعالم الأثرية

حمص القديمة تهدّم فيها السور والبوابات التاريخية خلال العهد العثماني، لكن قسماً من السور مع برج دائري الزاوية لا يزال قائماً، يقع شمال المدينة «حي الحميدية» وفيه العديد من المنازل المبنية من الحجر الأسود وتعود إلى العصر المملوكي، خلال العهد الروماني كانت للمدينة أربعة أبواب، هي باب الرستن وباب الشام وباب الجبل وباب صغير، قام العباسيون بإعادة بناء وترميم الأبواب وأضافوا إليها ثلاثة جدداً فأصبح العدد سبعة أبواب، ظلت موضع اهتمام الدول والسلالات المتعاقبة على حمص، حتى قام العثمانيون بهدمها خلال القرن التاسع عشر، وذلك تماشياً مع توسع المدينة وازدياد قاطنيها، ولم يبق سوى باب التركمان والباب المسدود، وتضمّ حمص القديمة مساجد وكنائس تاريخية إضافة إلى معالم من العهد المملوكي.

أبرز المعالم الإسلامية في المدينة هو جامع خالد بن الوليد القائد العسكري الذي استقرّ في حمص وتوفي فيها عام 641، أعاد العثمانيون خلال عهد عبد الحميد الثاني عام 1908 بناء المسجد وتوسعته ليصبح أنموذجاً عن العمارة العثمانية في سورية، أما النسخة الأقدم من المسجد تعود للعهد المملوكي. المعلم الثاني من حيث الأهمية، هو الجامع النوري الكبير، الذي كان في الأصل معبداً لإله الشمس ثم حوّل إلى كنيسة مع انتشار المسيحية في المدينة بأمر من الإمبراطور البيزنطي ثيودوسيوس، وإبّان الفتح الإسلامي لبلاد الشام اشترى المسلمون نصف المسجد وأقاموا به الصلاة وظل القسم الثاني منه كنيسة، وظل الوضع على ما هو عليه حتى القرن الثاني عشر.

أما المعالم المسيحية، فأقدمها كنيسة أم الزنار التي بدأت ككنيسة تحت الأرض مشيدة عام 59 وفي القرن الثاني عشر وضع بها الزنار المنسوب لمريم العذراء واحتفظ به القديس توما أحد التلاميذ الاثني عشر وانتقل إلى مدن عدة قبل أن يستقرّ في حمص عام 1852، وخلال عمليات تجديد الكنيسة وترميمها عام 1852 عثر داخل مذبح الكنيسة على الزنار موضوعاً داخل وعاء معدني، وقد شيّد مصلّى خاص قرب الكنيسة يعرض به الزنار منذ ذلك الوقت. أما الصرح الثاني، هو كنيسة الأربعين شهيداً التي رُمّمت مرتين، الأولى بعد زلزال القرن الثاني عشر والثانية في القرن التاسع عشر، وكنيسة مار يوحنا المعمدان التي تعود إلى القرن السادس عشر. هناك عدد من المعالم الأكثر حداثة كدير الآباء اليسوعيين ومقرمطرانية الروم الملكيين الكاثوليك.

قلعة الحصن وتُعد قلعة الحصن إحدى القلاع المبنية خارج المدن والأكثر شهرة في الشرق إبان فترة القرون الوسطى، عام 1142 أعطيت القلعة لفرسان الاسبتارية في إطار سياسة عامة لمراقبة الإقطاعيات الصليبية خلال القرن الثاني عشر واحتفظوا بها لأكثر من قرن ونفذوا حملات تدعيم عدة للموقع وحولوه إلى مكان إقامة مهم لنخبة الاسبتارية وقاعدة عمليات ضد الممالك، وتعتبر قلعة الحصن من أهم الأوابد الأثرية والتاريخية والمعمارية في سورية وهي من أهم قلاع القرون الوسطى وأضخمها وأشهرها في العالم وتتميز بهندستها العسكرية وقوة تحصيناتها الدفاعية وأبراجها العالية ودهاليزها ومقاذيفها وشقوق مرامي السهام وسلسلة من شرفاتها البارزة بحيث تحمل مزيجاً من حضارات الشرق والغرب في فن العمارة.

فالقلعة تنتصب فوق هضبة بركانية نهاية سلسلة جبال الساحل شديدة الانحدار من جهاتها الثلاث، ما يجعل اقتحامها صعباً جداً، تحتل موقعاً استراتيجياً مهماً ومتوسطاً بين حمص وطرابلس وطرطوس وبحكم هذا الموقع المهم تسيطر على ممرّ القوافل التجارية والعسكرية بين الساحل والداخل وتشرف على محور «حمص- طرابلس» أهم المحاور بين الداخل والساحل السوري وأكبرها.

وقد تعرّضت حمص القديمة وكنيسة أم الزنار إحدى أقدم كنائس العالم وكذلك قلعة الحصن للتخريب والتدمير والانتهاك بسبب تحصن الإرهابيين فيها لمدة سنتين، حيث قاموا بتنقيب غير شرعي داخل القلعة إلى أن حُرّرت. فقد كانت تشكل موقعاً استراتيجياً، وخط إمداد للإرهابيين يبدأ من وادي خالد في لبنان باتجاه تلكلخ ثم حمص، وقد ذكرت مديرية الآثار السورية أنّ قلعة الحصن التي اختيرت كواحدة من مواقع التراث العالمي المحمي من قبل اليونيسكو تعرّضت لأضرار جسيمة في برج الظاهر بيبرس وقاعة الفرسان والسور الجنوبي الشرقي وبرج قلوون والإسطبل المطلّ على الخندق.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى