كلّ مقاوم إرهابي بنظر «تمثال الحرية»
ريمون ميشال هنود
… ويستمرّ مسلسل العقوبات الأميركيّة على حزب الله، وآخر نمطٍ من أنماطه، اتّخذ شكلاً مغايراً، إذ أعلنت واشنطن إنّها أدرجت السيد جواد نصرالله نجل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، على لائحة الشخصيات الإرهابيّة. إنّ أفضل عبارة تستحق وصف هذا القرار الأميركي الغير مستغرب، «القديم يتجدّد»، فالولايات المتحدة الأميركيّة دأبت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وإنشاء الكيان الصهيوني على وصف كلّ مقاوم لسياستها التوسعيّة، بالإرهابي سواء أكان هذا المقاوم على مستوى دولة، أو جيش أو جماعة أو أفراد. وبما أنّ الرئيس الأميركي الأسبق وودرو ويلسون قال ذات يوم إنّ القيادة المعنويّة للعالم قد أُعطيت لأميركا، فهذا يعني أنّ جنون العظمة الذي يحكم دستور واشنطن سيمضي في اتهام كلّ من يسير عكس تيارها ويغرّد خارج سربها، بالإرهابيّ.
في العام 1948 أعلنت واشنطن الحرب الباردة على الاتحاد السوفياتي رداً على إنشاء الأخير جمعية أنصار السلم، ورفضاً منها لوجود معسكر اشتراكي، قبالة معسكرها الرأسمالي. وقد اتهمت موسكو بأنها ترأس محوراً للشرّ، تماماً كما تتهم إيران اليوم بأنها جمهوريّة تهدف الى نشر الشرّ في العالم، وكلّ ذلك لأنّ طهران تستمرّ في مقاومة المشروع الأميركي الصهيوني، ولأنّها تملك برنامجاً نووياً أرعب تل أبيب رغم أنه سلمي. والجدير ذكره أنّ الرئيس الأميركي الأسبق فرانكلين روزفلت كان قد أسّس منظمة بيت الحريّة Freedom House، عام 1948 بهدف محاربة ما أسماه حينها «التعسّف الشيوعي».
إنّ كلّ من قاوم المخططات الأميركيّة منذ عقود عدة من الزمن وصولاً إلى يومنا هذا، اتهمته واشنطن بالإرهابي أو المخرّب. فزعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي أنطون سعادة، أُعدم في العام 1949 بقرار من أفرادٍ في حكومة أسمت نفسها «حكومة استقلال»، لأنّه دعا إلى مقاومة مخططات الصهيونية العالمية التي تستهدف كلّ دول الهلال الخصيب، علماً أنّ أولئك الأفراد في الحكومة اللبنانية كانت لهم مصالح مباشرة مع الامبرياليّة وأعوانها وسياساتها. كما أنّ ذلك النظام اللبناني نفسه هو من حرم المناضل السوري القومي الاجتماعي الشهيد سعيد فخر الدين والمناضل الشيوعي اللبناني الشهيد فرج الله الحلو من حقهما في أن يكونا في طليعة المكرّمين في عيد ذكرى الاستقلال.
لقد تناسى البيت الأبيض أنّ حكّامه هم أحفاد الحجّاج الإنكليز من ذوي الأصول اليهوديّة الذين غزوا أميركا، وقتلوا عشرات الملايين من سكّانها الأصليّين «الهنود الحمر» ودفنوهم في أرضٍ تقع تحت مجسّم تمثال الحريّة المزيّفة. وفي هذا الإطار يقول الكاتب الأميركي هنري دوينز في كتابه «أرقامهم التي هزلت»، بأنّ الهنود الحمر «سكان أميركا الأصليين» أبيدوا بجراثيم الجدري والطاعون والحصبة والأنفلونزا والسلّ والديفتيريا والتيفوس والكوليرا». أمّا الكاتب روبرت هيرز فيقول في كتابه «دايلي ألفا» في صفحة 253 254 255 نقلاً عن طبيب أميركي أبيض، إنّ إبادة الهنود هو الحلّ الضروري للحيلولة دون تلوّث العرق الأبيض، وإنّ اصطيادهم اصطياد الوحوش في الغابات أمرٌ في غاية الأهمية، كي يبقى الإنسان الأبيض فعلاً على صورة الله! أما فرنسيس باركين، أشهر مؤرّخ أميركي في عصره، فيقول إنّ الهندي هو المسؤول المباشر عن الأذى والدمار اللذين لحقا به لأنه لم يتعلم الحضارة، لذا، يجب إزالته من الوجود!
من هنا أسأل هل هنالك أرهاب في العالم أشنع وأحقر من الإرهاب الأميركي الصهيوني؟ وأكمل لأسأل ألم يكن تشي غيفارا وفيديل كاسترو وجمال عبد الناصر وجورج حبش ووديع حدّاد إرهابيين بنظر البنتاغون، فقط لأنهم قاوموا الغطرسة الأميركية؟
أمّا القائد جورج إبراهيم عبدالله المواظب على النضال القوي من سجن صهيوني فيشي فرنسي انفرادي دامس في باريس منذ العام 1984، مسطّراً بصموده الأسطوري الجبّار أروع الملاحم البطولية، أتى اتهامه بالإرهاب من قبل البيت الأبيض وتل أبيب، عقب ضربه المصالح الصهيونية في باريس ردّاً على رجم تل أبيب لأبناء شعبنا في لبنان وفلسطين بآلاف الأطنان من النار والحديد وكافة أنواع الأسلحة المحرّمة التي كانت ولا تزال تأتي كهدايا لأطفال البلدين من مستودعات الجيش الأميركي، علماً أنّ من يتحكّم بقرارات الإليزيه والكيدورسيه السياسيّة منذ نجاح الثورة الفرنسيّة، هو اللوبي اليهودي. ألم تشنّ أميركا حرباً شعواء على فخامة المقاوم الأوّل الرئيس العماد إميل جميل لحّود لأنّه قاوم كلّ مخططاتها من على طاولة مجلس الوزراء اللبنانيّ، ولأنّ سورية الأسد دعمت وصوله الى سدّة الرئاسة الأولى، ودعمت تمديد ولايته لثلاث سنوات رغماً عن أنف واشنطن وحلفائها، والدليل أنّ مقاومته الوطنيّة والقوميّة الشريفة، أصابت وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت بالهستيريا الحادة أثناء مكالمتها الهاتفيّة له والتي استغرقت خمس ساعات متواصلة ولم ينهِها إلّا صياح الديك صباحاً، والذي دفع فخامته إلى الردّ على وقاحتها «أريد أن أنام»، منهياً المكالمة معها.
ولو افترضنا أنّ المقاومة سلّمت سلاحها للجيش الوطني اللبناني وكان لها لواء داخل المؤسسة العسكريّة الحبيبة، ألن تعمد واشنطن الى تصنيف جيشنا الحبيب جيشاً إرهابياً كما تصنّف كافة الجيوش المقاومة لقراراتها على وجه المستديرة بالإرهاب، وخصوصاً أنّ واشنطن تعتبر المعادلة الذهبيّة، معادلة قوة لبنان، بجيشه ومقاومته وشعبه، معادلةً إرهابيّة لأنّها ألحقت الهزائم الساحقة بجيش قيل عنه بأنّه أسطورة الجيش الذي لا يُقهر؟
ولأنّ عرين الأسود في دمشق، دولة مقاومة من الطراز الرفيع للمشروع الأميركي الصهيوني، قال عضو الكونغرس الأميركي سام جونسون ممهِّداً للحرب الإرهابيّة الأميركيّة الخليجيّة الصهيونيّة التكفيريّة على سورية، بتاريخ 19 شباط 2005، أمنيتي أن أقود طائرة حربيّة أميركيّة، وأحوم بها فوق دمشق لألقي عليها قنبلة نووية وأتخلص من كلّ شيء اسمه سورية. ألا يُعتبر منطق الإلغاء والإبادة من أدبيات الإرهاب يا تمثال الحريّة المزيّفة؟ ويسترسل السوبرمان الأميركي ويستفيض باتهام المقاومين الأشاوس بالإرهاب، وإرهابه اغتال الثائر الشريف مارتن لوثر كينغ، لأنّه طالب بأن يتمتع المواطن الأميركي صاحب البشرة السوداء بنفس الحقوق التي يتمتع بها المواطن الأميركي صاحب البشرة البيضاء. وكيف يحقّ لأميركا التي شنّت أشنع حروب الإرهاب على الفقراء المقاومين في العالم، المحاضرة بالعفّة والسلام والمحبّة، وأحد أبرز علماء الاجتماع الأميركيّين الدكتور هيربرت غانس، قال في كتابه فلسفة الحرب التي تشنّها أميركا على الفقراء والمستضعفين، بأنّ أميركا تعتبر أنّ الفقراء، اعتنقوا قيماً بذيئة، ولا يستحقون الشفقة والإحسان، لأنّهم شذّوا بسلوكهم عن طريقة الحياة الأميركية السائدة!
إنّ أفضل وصف تستحقه أميركا، هو وصف الخالد في ضمير المتنوّرين والشرفاء، أمين الريحاني، الذي قال عنها في روايته «خالد» «أميركا… أين منك فضائل الجدود ماضيك من نور ونار، وحاضرك نور مستعار، وسوف يزول المستعار».
أميركا يا من يحبّها «خالد» ويكرهها على حدّ سواء، سوف ترين بعد حين أنّ ذهبك الذي تخالينه يلمع، مزيّف ليس إلّا وأنّ سنداتك المذهّبة الأطراف، ليست سوى أحكام بالموت متوّجة على كومةٍ من روث «جيف الحيوانات»، وسوف يأتي الصباح الذي ستستفيقين فيه قبل صياح الديك، وستصفرين صفير الهول والهلع.