هل تتراجع واشنطن عن التغيير الشامل لمصلحة تغيير السياسات؟
عامر نعيم الياس
حراك دبلوماسي مكثّف تشهده الساحتان الدولية والإقليمية في ملفين يعيدان صوغ المعادلة والسياسات الدولية الخاصة بالشرق الأوسط: الملف السوري، والملف النووي الإيراني. فبالسنبة إلى الملفّ الأول، تتواتر الأنباء عن التحضير لمؤتمر «موسكو1» كبديل عن «جنيف3»، فرضته التغيّرات في المشهد الميدانيين السوري والدولي تحت لافتة محاربة الإرهاب. لقاءات عدّة للخارجية الروسية مع بعض المعارضين السوريين الذين استُبعدوا من جنيف بإرادة أميركية قبل كل شيء، وزيارة مرتقبة لوزير الخارجية السوري وليد المعلّم إلى موسكو، لطرح أفكار الدولة السورية حول شكل الحوار السوري ـ السوري ومضمونه، برعاية روسية حتى اللحظة.
في المقابل، يلتقي وزيرا خارجية إيران والولايات المتحدة الأميركية وممثلة الاتحاد الأوروبي لمدة ثلاثة أيام في العاصمة العمانية مسقط التي تحوّلت إلى ممرّ إجباريّ للرسائل الإيرانية إلى الولايات المتحدة الأميركية وبالعكس. هنا تخرج السلطنة من دور قناة التواصل إلى دور منسّق غير مباشر للأفكار في بعض الأحيان يعفي الطرفين من بعض المسؤولية أمام الرأي العام في بلديهما، ومواقفهما ذات النبرة المرتفعة التي تراعي خصوصية سياساتهما المعلنة. لكن حتى اللحظة، لا أفق واضحاً لنهاية سعيدة في الملف النووي الذي تنتهي المفاوضات حوله بتاريخ الرابع والعشرين من تشرين الثاني الحالي، إذ تتقاطع المعلومات عن وجود تعارض كبير في «أجندتَي» الطرفين، دفع الرئيس الأميركي أوباما شخصياً إلى التقليل من احتمالات التوصّل إلى اتفاق حول النووي، لكن مع مراعاة حقيقة ثابتة وهي أن عدم التوصّل إلى اتفاق، لا يعني الصدام حالياً، على رغم فزّاعة الكونغرس الجمهوري التي يدرك الإيرانيون أنها أخذت أكبر من حجمها.
نظراً إلى الملفين السابقين، وإلى هذا التحرك الإيجابي السياسي، تُطرح تساؤلات حول إمكانية حدوث تغيير في سياسات واشنطن في المنطقة تحت لافتة «حرب أوباما على الإرهاب» المدعومة بقرارات من مجلس الأمن الدولي.
ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية، وهو من أهمّ المراكز البحثية في الولايات المتحدة، كتب في مجلة «Foreign Affairs» يقول إنّ تفكك نظام ما بعد الحرب الباردة يعود إلى «خيارات الولايات المتحدة الخاطئة، وتوزيع القوى في العالم بين عدد من الفاعلين، إضافةً إلى تضاؤل احترام النموذجين السياسي والاقتصادي الأميركيين». ويسهب الكاتب في الحديث عن الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة بإسقاطها نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، والتخلي عن الرئيس المصري حسني مبارك، إذ أثبت المجتمع المصري أنه «غير مستعد للانتقال إلى الديمقراطية»، والحرب «الفاشلة» على ليبيا بحسب وصفه، ليطرح مخرجاً من هذه الأخطاء يعطي الحراك الذي ذكرناه في بداية المقال حول إيران وسورية مزيداً من المصداقية، ومقاربة أكثر تفاؤلاً في إمكانية حدوث تغيير في السياسة الأميركية في المنطقة، ويتمثل هذا التغيير بالعودة إلى النمط القديم للسياسات الأميركية، مع مراعاة الاستخدام الناعم لأدوات الضغط الجديدة التي أفرزها «ربيع واشنطن العربي»، إذ يقول هاس: «على الولايات المتحدة لمواجهة الأزمات الناشئة، تضييق الفجوة بين طموحاتها وأفعالها في الشرق الأوسط، ليست كل دولة مؤهلة للديمقراطية، وقد تكون هناك عقبات عدّة تواجه التحوّل الديمقراطي في تلك الدول… ما يجب على الولايات المتحدة فعله في هذا الصدد من أجل تعزيز النظام في تلك الدول، تشكيل السياسات الخارجية لتلك الدول بدلاً من انغماسها في التأثير في سياساتها وقراراتها الداخلية، ومن ناحية أخرى تستطيع، وعلى سبيل المثال، الاستمرار في دعم منظمات المجتمع المدني واللاجئين، والمساهمة في محاربة الإرهاب».
كاتب سوري