عندما يعبّر الشعر عن الذات والوجود والوطن.. قبلو في ديوان «نبض باشق»: الشعر زاد ترسيخي بأرضي وارتقاء ذاتي لما فوق المدى
حوار فاطمة الموسى
عن دار الدلمون الجديدة صدر أول ديوان للشاعر كبرئيل قبلو عن عمر خمس وستين عاماً، تميّز بكتابته للشعر والمقالات التي لم تُنشر بعد والآن يظهر أول كتاب شعر له بعنوان «نبض باشق» خلال توقيع هذا الديوان في مكتبة الأسد في دمشق، تراوحت قصائده بين الأم والحبيبة والجدة والأمة والوطن ونواته «فلسطين»..
يبدو أن الشاعر يقص علينا حكاية جميلة، حكاية شهيدة، فعندما قال لنا أنا عاصرت الشهيدة «سناء محيدلي» أراد بنا أن نعود إلى ديوانه لنرى وصفه لعروس الجنوب فخاطبها:
يا سناء… يا حكاية
يا عمر الخرافة في بلادي
بوح عشق في البداية
وهب عشق في النهاية
يا سناء…
انزعي عنك العيون
انثري شعرك الأسود
كالعتمة على الظلمة شعاع
ازرعي
خدك في الأرض عطية
لتراب عرف الحب قضية
عشق حبر في يراع
ينتشر في الكون ظلالاً من محبة… وشراعاً
يا سناء
فذهب بنا إلى شهداء الأمة إلى مَن رووا سورية الوطن، لتخضر هذه الأرض وتزهر بغيابهم وبكل تضحية وعطاء لهم فقال:
مروا على الموت فاخضرت جوانحه
وتوزّعوا في السفح أزهاراً وريحانا
صاروا خيالاً وغابوا مثلما حضروا
وهل.. يبقى للمجد إلا الدم، عنواناً؟
تركوا الخلان يرثي بعضهم بعضاً
وتدافعوا لسباق الموت خلانا
ما حلموا بالعز إلا تضحية..
كبرئيل قبلو، بدأ كتابة الشعر في العام 1971 بقصائد متنوّعة، وعند لقاء جريدة «البناء» به تحدّث عن بدايته وأول قصيدة كتبها باللغة المحكية كانت إهداء لرفيقة له عند زفافها فقال لها:
رفيقتي مارح قلك انتي عمر قالوها ئبلي كتار
مارح زغرفلك سطر مارح اجدلك قمار
رح ناغي هالريشة بصدق ومرجحها بكلمات صغار
ئلك… ئلك انتي كبيــــرة أكبر بكتيـــير من هالدنيي
ئلك.. إنتي صغيــــرة ئد عمر الولدنة
ئلك.. ولو هيدا كلام صغار
في حوارنا معه تحدّث لنا بقوله إن «نبض باشق» «أول ديوان لي فصغائر الحياة أخذت الكثير من حياتي لذلك تأخرت في طباعة أول ديوان لي، ولكن يوجد لدي ديوانان آخران للطباعة».
«كتاباتي جمعت كثيراً بين شعر ودراسات تاريخية ودراسات فكرية ومقالات بعد 65 عاماً».
وعند السؤال عن رسالته لقراء «نبض باشق» أكد أن رسالتي من نبض باشق: «أمي هي أمتي، من أمي شميرام انبثقت وأمي من سوريانا انبثقت، أردت أن أؤرخ لمراحل تاريخية عبرت فيها وترسخت في ذاكرتي».
فكانت الأم شميرام هي الدور الأهم في كتاباته:
يا أمي يا شميرام
يا ذاك الرحم النادر..
الذي حمل وتحمّل
تشكيلي… النافر
يا أيتها.. المرأة السامقة
بشموخ صنين
الواسعة الدفء..
بمدى حنين الخالق
عند أعتاب وجودك…
فقط.. أذهب للعبث
أنكر ثنائية الوجود..
الولادة والموت
يا أيتها العالية
كنجوم سمائي
يا من خلقت…
ناري.. جسدي.. ومائي
فوصفها بالنبض والحنان والمكان والنبع والضوء:
يا أمي… يا شميرام
من بعد نبضك…
ما الحنان؟؟
يا أمي.. آه يا أمي
لا تحرمينا..
ذلك الوجه المنير
مازلنا عطشى لذلك النبع الوثير ستبقين لحين موت الشمس وبين تفاصيل حياته شخوص تعبر وشخوص تحتفي لكنها تبصم في روحه يقول الشاعر:
هناك كبار كثيرون شاءت أقداري الجميلة أن ألتقيهم هناك مَن التقيتُ بهم ولهذا اليوم أشعر بلمسة يدي كالشاعر «كمال خير بيك».
وحين سألته عما قدم له الشعر من معانٍ رافقت حياته قال: «الشعر اليوم زاد ترسيخي بأرضي، الشعر هو ارتقاء بالذات لما فوق المدى وصوته يخترق كل الصدى لا يبقى من الإنسان إلا الكلمة، هذا أنا كلمة ووجدان ووطن».
كأنك تأخذ الكلمة إلى البدء؟
أما زلنا «في البدء كانت الكلمة»؟
فيجيب: لي قصائد كثيرة تحمل البعد الصوفي وهناك عشرون كلمة تختصر عمراً. ودائما أقول إن الكلمة بما تحمله من ألم مطلق أو فرح مطلق هي التي تختصر عمراً كاملاً ولي بعض الصوفيات كل يقرأها حسب ما يشاء البعض يظنها كفراً والبعض الآخر يظنها إيماناً مطلقاً… هذا أنا..
– وعما ستقدمه لنا من ديوانك المقبل؟
أنا ملحد فيكي مرتين
مرة يوم خلقكي إيل أجمل منه
ومرة يوم أخذت مني فبان كل ظلمه
وأخيراً يختم لنا الشاعر: «لا بد هنا من أن أذكر أن هناك إنساناً له فضل علي هو من دفعني لهذا المحراب. كنت أول مرة في المركز الثقافي في القامشلي في الثاني عشر من عمري طفلاً وقف شخص على منبر اسمه عبد الحق حداد وألقى مجموعة من القصائد لفتت نظري روعتها. فمن هنا كانت بدايتي، أتذكّر حتى الآن تلك القصائد، فهذا زمن سيئ فالكبار نسيناهم وتناسيناهم ذهبوا وذهب هذا الشعر معهم».
من «نبض باشق» كل القصائد عنت لي لكن أكثر شيء قصيدة «ستي» أم أبي وهي كانت من القرن التاسع عشر ولها الفضل من تمكّني من اللغة الآرامية السوريانية، لأنها كانت تتكلمها وهي أغنت ذاكرتي بأمثلة وشعر آرامي سورياني وقيم جمالية هائلة.
والقصيدة هي:
سنحكي اليوم يا ستي
حكاية أمسنا الهارب
وأنا مثل صغار الطير
حول سريرك المنسي
سنرسم اليوم يا دفتر
قطعة من أمسنا الأخضر
يهدهد في حفافيها
شذى أذكى من العنبر
ستي….
نبذة:
ديوان نبض باشق، المؤلف كبرئيل قيلو،
دار الدلمون الجديدة – دمشق 2018 .