حمص حضارة الزيتون واللوز… وليست كرْميهما!

غدير سلمان

ما حصل في حمص البارحة من ردود فعل غير حميدة طالت حي كرم الزيتون بعيد التفجير الإرهابي الذي حدث في حي كرم اللوز، يأتي في سياق الشرخ الاجتماعي الطائفي الذي أصاب سورية منذ بداية الأزمة عامة ومحافظة حمص خاصة، والتي نالت النصيب الأكبر من حملات التهييج الطائفي والاستهداف الممنهج لنسيجها الاجتماعي المتنوع، لغايات وأسباب دنيئة تخص تجار السياسة والأوطان قاطني الفنادق والذين طُلب منهم «أمراً وليس فضلاً» من قبل أسيادهم في أميركا و«إسرائيل» وأولياء نعمتهم في الخليج أن تكون حمص نواة التفجير الطائفي. وكان الرجاء الوحيد لهؤلاء لرفد الغزو «القاعدي»، الذي كنا بدأنا نشهد إرهاصاته في تلك الفترة بأبناء البلد الذين لم يخترقهم الفكر التكفيري البحت، أملاً في أن يصنع الدم الطائفي ما عجز عنه الغسيل الفكري بأدواته الإعلامية والاجتماعية.

حمص التي أغرتهم بتوسطها الجغرافي، خذلتهم بتوسّطها الدينيّ والذي كان رغم محدوديته في العديد من المناطق كفيلاً في النهاية بتعرية المرتزقة الأجانب ومأموريهم من إرهابيي الداخل أمام الجيش العربي السوري، ما ساعد الجيش العربي السوري في تحقيق تقدم متسارع على أرض كبرى محافظات سورية مساحة، ما نقل حمص من صدارة لائحة المناطق الساخنة إلى صدارة ملاحم الجيش السوري وإنجازاته المتسارعة، من المدينة إلى القصير والزارة مروراً بقلعة الحصن وغيرها من الإنجازات المهة.

في سياق هذا السرد للوقائع، لا أجد مبرراً لتخوف البعض بسبب حوادث ليلة البارحة الأليمة بطبيعتها، من أن تعود حمص إلى ما كانت عليه في منتصف الأزمة، أو من اشتعال نارٍ طائفية لا تحمد عقباها كما يصفون، فالمرتزقة الذين تسببوا بما حل من دمار كبير في حمص لم يصمتوا بفعل صوت الوعي والعقل والسكينة الذاتية، بل كان الجيش العربي السوري بقوته وعلوّ كعبه في العمليات الميدانية هو من سحق ذكرهم وفكرهم الإرهابي إلى غير رجعة، والأمر الثاني أن الشعب الحمصي الحقيقي والذي لم تعبث برجاحة عقله وأصالة انتمائه الوطني مئات الملايين من الدولارات مصحوبة بآلاف الإرهابيين وأطنان الحديد التي سلطت على أعناقه، لن تنجح بعض الحوادث الفردية، على مرارتها، في جرّه إلى حرب أهلية لم تكن يوما من ثقافته أو تراثه العريق.

كرم الزيتون وكرم اللوز هما الحيّان اللذان كانا ضحيتين للعديد من الاستهدافات الإرهابية عبر الأزمة، والطائفية منها خاصة، لكن التاريخ للمفارقة يروي أن حوض البحر المتوسط وسورية بالأخص هي الموطن الأصلي لأول شجرتي زيتون ولوز على وجه الأرض، فكيف للزيتون واللوز أن يكونا شاهدين على عقوق أبنائهما بعد هذا الإرث الحضاري الهائل التي امتازت به سورية عبر تاريخها المشرق.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى