في الذكرى الأولى لإعلان ترامب.. ستبقى فلسطين قوسُنا الروحيُّ
نظام مارديني
قبل سنة من اليوم أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب اعتراف إدارته بالقدس المحتلة عاصمة للكيان الصهيوني، وقرر نقل سفارة بلاده إليها محققًا بذلك وعده الانتخابي لشعبه واللوبيات اليهودية المؤثرة على الانتخابات هناك، وبالتزامن مع هذه الذكرى، ها هو ترامب من جديد يستخدم الأمم المتحدة لاستصدار قرار مدعوم من مشيخات الخليج لإدانة المقاومة ووصمها بالإرهاب!
ومن حق شعبنا أن يتابع هذه «الهذيانات الجماعية» للمحور المعادي قبل قرار الرئيس الأميركي بالاعتراف بالقدس عاصمة لكيان العدو.. وبعده، وهو يدرك، أي شعبنا، أن هذا المحور بات بحاجة قصوى لـ «إله التحليل النفسي» فرويد لإبعاد القلق الذي يصاحبهم منذ قيام بريطانيا بتأسيس مشيخات النفط، ورسم كيان واهم للجراد اليهودي في العالم وبدء قدومهم واستيطانهم في جنوب سورية.
لا يمكن النظر إلى القدس إلا باعتبارها عنواناً روحياً فلسطينياً وقومياً بامتياز، مثلها مثل كل مدينة فلسطينية مقدسة.
يدرك قادة التسوية والتطبيع، من جماعة رام الله.. ومشيخات الخليج، الذين يملأون الفضائيات بالكلام المعسول، أن أحداً منهم لا يمكن أن يصل إلى البيت الأبيض قبل أن يصبح «إسرائيلياً».. التوراة هي روح أميركا.. وكأن يُقال أميركا هي «إسرائيل الكبرى»، و»إسرائيل» هي أميركا الصغرى!
ولكن أيّ عار يعيشه العربان الآن حين نتذكّر قول أمير من مشيخة نفطية: «مستقبل العرب إسرائيل»!
ها هو المستعمر بشخص ترامب يُعيد صياغة الاتفاق من جديد ووفق معايير جديدة، تقسم المقسَّم بهدف خلق دويلات مذهبية وإثنية وجعل وحدة الحياة التي كانت قائمة في هذه المنطقة، مجرّد ذكرى تناثر ريحها مع بدء الدعوة ليهودية الكيان الصهيوني العنصري القائم في فلسطين المحتلة.
لعلنا نتذكّر كيف أقرّ الكونغرس الأميركي بالإجماع، في جلسة سرية، «مشروع برنارد لويس» في العام 1983، الذي يقوم على ضرورة تفكيك العراق والشام سورية ولبنان على أسس عرقية ومذهبية لتبقى «إسرائيل الكبرى» قائمة على حساب ضياع فلسطين وتفتيت محيطها الطبيعي.
لن نحتاج إلى تصفّح مجلداتنا الحافلة بالنكبات والنكسات.. ولا إلى تحليل تقلبات دواليب التاريخ، وأعاصيرها التي تعصف بنا منذ بدء الحرب الكونية على الهلال السوري الخصيب، تلك التي بدأت مع احتلال فلسطين منذ أربعينيات القرن الماضي، ولا تزال تردُّداتها مستمرة حتى الآن؟
لطالما كانت للأرض الفلسطينية تركيبة غريبة، وهي ليس كباقي أصقاع العالم.. ولأنها كذلك تكالبت كل حثالات الكون عليها ودفعوا كل روائح الكراهية والقذارة إليها فجاءها اليهود يحملون العنصريات كلها في جيوب قلوبهم يوزّعونها «دويلات» و»فيدراليات» هنا وهناك وهنالك.. كردية وشيعية ودرزية وآشورية ومارونية.
وحكاية فلسطين هي حكاية عشق أبدية، ولعل فلسفة وجودنا يرتبط بفلسطين الأسطورة الخالدة لذلك الصراع القائم بيننا وبين الصهاينة هو صراع وجود.
هي حكاية الروح التي تحلّق في الفضاء في لحظة الحقيقة، وهي تتجلّى في أبهى صورها.. عشقنا بيسان من دون أن نراها. عشقنا صفد من دون أن نراها. عشقنا طبريا من دون أن نراها. عشقنا حيفا ويافا وبيت لحم والقدس والخليل.. ويطول عشقنا لكل حبة تراب من بلادنا الممتدّة من جبال كردستان الأبية وحتى شواطئ فلسطين الحبيبة.
أقول لك يا فلسطين، منذ انهمار الضوء على الكون كنتِ تتجوّلين في مقدّمة الهواء عندما كنت تلوّحين يوماً بأكمام السماء كي تتلمّسي الظهيرة المشبعة بالأنفاس وهي تتمايلُ كلّ لحظة بظلال من الحب.
لا تزالين يا فلسطيننا قوساً روحياً أخضر يتعثّر بلحية نبوخذ نصر وهو ينقشُ شعارات نصره على الشاطئ السوري، ويسبي اليهود وخرافاتهم ليعلمهم الزراعة والكتابة في بابل، ومن هناك سطّروا كتابهم «التوراة» بالمزامير والأساطير السورية.
تمرّ صورُ شهدائك أمامنا كشقائق النعمان تتدلّى حلماتها في فم النحل، حين يسري الشهد بروح منحوتات تدمر ونمرود وهي تخرجُ من خزانتها رسائل حياة وحضارة.
لا تزالين يا فلسطين تشاكسين تاريخك المألوف في سوق عكاظ كأنّ سرّتك قيثارة بابل تعزفُ سيمفونية للإله مردوخ بعدما مرّت سنون وقرابين المعبد ولا تزالين تنسجين خيوط حريرك بنوافذ أحلامنا.
إليكِ نقول: الأمانة ننقلها من جيل إلى جيل، وإننا لفلسطينيون، فلسطينيون سوريون.