استقلالية التيار الوطني الحر
ناصر قنديل
منذ بداياته لا يتحمّل التيار الوطني الحر أن يتأطر بأيّ تحالف ليصير جزءاً منضبطاً منه، فالحرص على تثبيت وإثبات الاستقلالية ملازم لمسيرة وسيرة التيار وزعيمه.
المعارضة للطائف وأكلافها يضعها التيار رصيداً لهذه الاستقلالية ولن يفرّط بهما، عبر تعريض الاستقلالية لأي اهتزاز، وطوال عشر سنوات أولى من عمر الطائف بقي يغرّد وحيداً في استقلاليته، على رغم محاولات «القوات اللبنانية» بعد اعتقال قائدها تشكيل ثنائي، أو ثلاثي يضمّ «الكتائب» قبيل عودة رئيسها من الخارج.
مع تشكيل قرنة شهوان كإطار لمعارضة الوجود السوري في لبنان بقي التيار ضنيناً بتظهير مشاركته نصفية، فهو شريك بما يتفق عليه وليس عضواً في القرنة حتى غادرها سريعاً.
مع صدور القرار 1559 ميّز التيار نفسه بالتمييز بين الدعوة إلى خروج القوات السورية، وبين الحرص على ربط مستقبل سلاح المقاومة بحوار وطني داخلي، ومع اغتيال الرئيس رفيق الحريري شارك التيار في أنشطة الرابع عشر من آذار ولم يشارك في الإطار، حتى أعلن الطلاق مع الإطار والأنشطة معاً عند حلول الانتخابات النيابية بعد شهرين.
خلال شهور من الحلف الرباعي كان الحوار الذي أنتج التفاهم مع حزب الله ينضج، نحو تظهير أول تحالف جدّي مؤسّس على وثيقة مرجعية، يضمّ التيار وطرفاً آخر وازناً، ليشكلا معاً ثنائية استثنائية شكلت ولا تزال علامة فارقة في الحياة السياسية اللبنانية، بعد ظهور العماد ميشال عون والسيد حسن نصرالله في السادس من شباط 2006، لإعلان التفاهم، رداً على غزوة الأشرفية التي تمّت قبل يوم واحد، وقادها من صاروا اليوم دواعش، وقال فيهم قائد «القوات اللبنانية» المفرج عنه بعفو، أنهم حلفاؤه.
على رغم ما بلغه هذا التحالف ودوره في صناعة نصر تموز، وتأسيسه لمضمون جديد للعلاقة اللبنانية ـ السورية، بقيت خصوصية التيار حاضرة في المحطات الفاصلة، فهو يصرّ بجدية على أنه ليس من قوى الثامن من آذار، وبين المزاح والجدّ يصف قادة هذا الفريق بحلفاء حليفه.
في انتخابات المجلس النيابي وتسمية رئيس الحكومة المكلف ومنح الثقة للحكومة وإدارة التفاوض قبل ذلك لتشكيلها، دائماً هناك ملف مستقلّ خاص بالتيار لا يشمله الحديث ولا البحث ولا التفاوض مع حلفائه، بل مع حليفه الأهمّ والأبرز، حزب الله، وقد ينتهي الأمر باتخاذ التيار موقفاً مختلفاً عن هذا الحليف، ويعيش الخصوم والأصدقاء تحت وهم حلم أو كابوس تعرّض العلاقة التي صارت علامة فارقة ومؤسّسة في الحياة السياسية اللبنانية، لهزة قد تهدّد مصيرها، لكن هذه العلاقة تثبت أنها أقوى من الهزات، وأنّ هذا التحالف أمتن من أن تهدّه العاتيات.
يريد البعض تصوير التباين الذي ظهر في التعامل مع قضية التمديد للمجلس النيابي، بين التيار وحلفائه وفي مقدمهم حزب الله، مصدر خطر على التحالف الداعم لوصول العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، ولا ينتبه هؤلاء إلى سبب توقيت إعلان السيد حسن نصرالله لاسم العماد عون كمرشح رئاسي إلا في هذه المحطة، كما يتساءلون عن سبب إعلان العماد عون عن التكامل الوجودي الأبعد من مجرّد حلف سياسي بينه وبين السيد نصر الله وبين التيار والحزب.
ببساطة شديدة يريد طرفا التحالف أن يقدما للبنانيين، خصوماً وأصدقاء، نموذجاً من التحالف يشبه لبنان، لا تبعية ولا إمرة فيه ولا إكراه، احترام الخصوصية والاستقلالية فيه شرط وجود، وعبرة امتحان التمديد كما الترشيح للرئاسة، أنه قدم للبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً نوعين من التحالفات، نوع يبدو متماسكاً من الخارج هشّاً من الداخل، يعلن ترشيح حليفه لكنه يعلن سحبه ويساوم على ظهره، ويترك له حرية التصرف بالموقف من التمديد حتى تحين ساعة القرار فيجلبه إلى بيت الطاعة، ونوع يبدو هلامياً من الخارج لكنه الأشدّ صلابة من الداخل، لا يعلن ترشيحاً لكنه لا يتخلى ولا يساوم، يتمنى ولا يضغط ولا يحرج ويترك للحليف أن يمارس خصوصيته واستقلاله، ويتفهّم كل اعتباراته ولا يفسد الخلاف في الودّ قضية، والامتحان يقول للمسيحيين، أي نوع من التحالفات تريدون لقياداتكم يعني أيّ نوع من القيادات تريدون.
قلب بارد يعني، لا عواطف ولا مشاعر ولا وفاء ولا قيم، وعقل حار، يعني لا تفهّم، ولا سماع ولا حوار ولا اعتراف بخصوصية، لذلك العقل الحار والقلب البارد في ضفة، والقلب الحار والعقل البارد في ضفة، حيث الوفاء والصدق والتسامح والتفهّم والخصوصية والاستقلالية.
استقلالية التيار الوطني الحر وخصوصيته ميزة ذاتية حكمت سيرته، لكنها أبقته بلا حلفاء، هذه الميزة اليوم تصير امتيازاً لحليفه ومن خلاله لحلفائه ومن خلالهما لخطاب يقول للمسيحيين، عبر التيار، توجد هناك فرصة لحفظ خصوصية واستقلالية للمسيحيين وللبنان عبرهم، إذا أحسنتم اختيار قادة يحسنون اختيار تحالفاتهم، الخصوصية هنا من ضمن الوحدة والاستقلالية هنا ليست الاستقلال.