رواية «ذاكرة عبثية» للكاتب حسام بدوي… صمت أمام قدر طلقة

مجدولين الجرماني

من مطلقٍ بديهيٍ أدخل بأسئلة افتراضية بيضاء حيث تبدأ حكايتي أنا مع القراءة، ترى هل نحيا بما تختزنه ذواكرنا، رائحة الأماكن، الأشخاص، الماء، الملح، أم نحن موهومون بقصة البحث عن أمل لنحيا ونستمر بركب عجلة الجنون المتدحرجة؟

قصة قصيرة تشنق روحها على مشجب الرواية كي تدخل أعماقك وتخترقها بسلاسة إنصاتنا لكل ما هو على الورق من أفكار لرجل شرقي جمعته الصدفة على طاولة فتاة ومن دون موعد في ذات مقهى، علقت هي كل إرث قلبها على مواعيده ورمت حبل قاربها على متن حضوره عندما قال لها معرفاً، «زياد أنا… أنا رجل المطر وأقداري يكتبها المطر، أنا رجل الألم والجنون».

من فتنة الماء التي تأخذ الطرف الآخر إلى أقصى درجات الجنون… حيث الحبّ، دخل بنا الكاتب دهاليز مورثاته كلّها، التفكير والتشعّب والتشتّت بين الواقع والافتراض في خياله الفسيح على الرغم مما يحيط به من عبثية اليأس مقحل في الداخل. فوجود أنثاه التي تحبه بين يديه ـ عندما سلّمته قياد قلبها ـ هي لم تكن تدرك بأن ما تمر به ليس إلا فقط مرحلة جوع جسدي بل قصة الكل يعرف أن مسمى الحب ليس أكثر من اسم، لكن الدليل يقول هو النهج الذي تقوده الخطوات على درب إشباع الرغبات الروحية… في ثقافة مجتمع مكتسبة.

هل هو الجوع أيضاً أم الصدق؟ عندما ذهبت «جوليا» إلى أبعد جهات الجنون لتقدم نفسها قرباناً على معبد حب غير واضح الملامح، حين أسلمت لحبها كل جوارحها وهي تعرف، بأنه مهووس بحب يبحث عنه ليغطي انكشاف روحه. حاول الكاتب ترك إشارات أو ربما مفاتيح مبعثرة كي يمسك زمام القارئ، وهو يدرك أنه يضرب على الألم، من خلال أن يبين له كرجل شرقي بأن «القبلة تدوّخ الفتاة الشرقية»، في كناية إشارة العطش ثم ينعطف ليبدد كل شيء مما سبق بأن الحكاية كلها مجرد ذاكرة عدمية لأشخاص دثرهم الزمن مرصوفين على رفوف المكتبات بهيئة كتب، لكنه يرضخ أمام قصة العمر ليبين أنه لا يعني شيئاً بمقياس ريختر بالنسبة للحب، فـ»زياد» بطل الرواية كل ما شاهده وعاشه هو قصته مع حبيبته فرح، فرح حب قلبه وذاكرته وبقية التفاصيل لا تعنيه، هنا فقط شعر بنبض الانتعاش لذاكرته الميتة.

يذهب الكاتب في مفاصل عديدة من الرواية أن لا يفقد الخيط الرفيع بينه وبين القارئ، وذلك عبر شده إليه بطريقة مختلفة عما غيره من خلال أسلوبية تخصّه وحده ككاتب، تجعل من القارئ متلهّفاً للوصول إلى طريق الحدث عما سيقوله في النهاية، وخصوصاً عندما يتحدث إليه ليخبره بأن «الحبّ ينبت أصلاً في أرض الجنون وإلا ما كان حبّاً».

من جهة أخرى، يقول عن سؤال حول حالة التطابق بين ما يحمله الأدب مع الواقع:

«نهرب من أخطائنا أو مشاكلنا إلى الأدب، وهو ما يتيح للكثيرين أن يتدثّروا بمعاطف الإنسانية ليخفوا ما يملكونه من غرور وكذب وقسوة بين ضلوعهم».

فيما تبين لنا خطوط النصّ عن تمكّن كاتبه حسام بدوي الذي حاول تثقيف نصّه بمقولات ومبادئ فلسفية، وهو ما انعكس عليه ككاتب ليحاور نفسه بعمق من خلال اعترافه: «صديق رحلتي الشارع الكئيب، أمضي معه ويمضي معي، أسقيه عناء ويسقيني وجوهاً»، «يمتلكك التاريخ أو الماضي لا تلفظ كلمة الحرية، لأنك أصبحت مقيداً بالتالي، لا يحق لك مطالبة الآخرين بشيء لا تملكه أنت بالأصل».

لكنها في النهاية، الرواية تمثّل دائرة حياة كاملة، وفي أغلب الأحيان تستدعي وبكل جرأة أبطالها للوقوف أمام مرايا ذاتهم تحت وقار السؤال، أي ذاكرة مقيتة تبيح العذاب لأنثى على يد رجل ذكوري؟

وفي نهاية القصة، قال «زياد» البطل بجرأةٍ: «مَن يمتلك الإحساس تكفيه رصاصة قدر واحدة، كي ترميه في المنفى».

كاتبة سورية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى