السترات الصفراء قادمة… انتبهوا أيها المسؤولون!
د. فريد البستاني
سواء صدقت التحيلات التي تعتبر تحركات السترات الصفراء في فرنسا عملاً مصنّعاً ومفبركاً لغايات سايسية، تقف وراءه جهات مخابراتية، أو صدقت التحليلات التي تقول إنها مولود شرعي لزمن ضعف العمل الحزبي ووسائل التواصل الاجتماعي، وتفاقم الفقر والمعاناة الاجتماعية، وانصراف الحياة السياسية عن هموم الناس، ففي الحالتين يبدو لبنان معرّضاً للإصابة السريعة بالعدوى، فالسترات الصفراء ليست ماركة مسجلة، وهي حالة متحركة كأيّ موضة جديدة جاذبة، أو تطوير لتطبيقات تقنية حديثة تلبّي حاجة، سيتشارك في نقلها إلى أيّ بلد، ومنها لبنان، معجبون بالموضة أو محتاجون للتطبيق التقني الحديث، وفي لبنان الحالتين والحاجتين.
ربما يشعر الكثير من اللبنانيين بأنهم أوْلى من سواهم بتحرك على نمط السترات الصفراء، وهم يعيشون حال الانسداد السياسي ويصفون سلوك المسؤولين باللامبالاة بأحوالهم، ويعيشون ضائقة معيشية خانقة وتردّياً موصوفاً في الخدمات الرئيسية، وغربة عن المتداول في الوسط السياسي، وغضباً يصل حدّ اليأس، وهذه كلها أسباب كافية لتفاجئنا مبادرة مجهولة المصدر لتجمع شبيه بالمرة الأولى التي خرجت فيها السترات الصفراء في فرنسا، وها هي الظاهرة تتمدّد نحو بلجيكا وهولندا وسويسرا وألمانيا، ولا يعلم أحد بعد أين تقف حدود الصدقية الشعبية في هذه التحركات وأين تبدأ حدود الاستغلال والتوظيف السياسي وربما المخابراتي.
لبنان سيكون مطالباً بالانتباه أكثر من أيّ بلد آخر من حجم الغضب الشعبي المشروع من جهة، ومن كثرة الجهات المحلية والخارجية التي ستجد في هذا الغضب فرصة لتمرير رسائلها، والطبيعي عندما نتحدث عن حراك شعبي بلا قيادة واضحة ومطالب محدّدة، يحركه الغضب، ويقوده الغموض، أن نتوقع الفوضى، وأن نتوقع المواجهة مع القوى الأمنية، وأن نتوقع من كليهما معاً مخاطر نزف الدماء، التي ما إن تحصل لمرة أولى حتى تصير محركاً إضافياً للغضب ومصدراً للمزيد من الفوضى واتساع رقعة المصادمات، وخروج الوضع عن السيطرة.
إنّ على المسؤولين في لبنان أن ينتبهوا بأنّ السكون الراهن مخادع، وأن لا يعتبرونه مصدراً كافياً للإطمئنان فلحظة مثل هذه الانفجارات مفاجئة ولا تنبئ بقدومها، فهي كالسيل والطوفان والزلازل لا تنبئ بقدومها، إنها تحدث وحسب.
المسؤولية الوطنية تستدعي من كلّ مسؤول في البلد داخل الدولة والمجتمع المدني، الضغط لتسريع الخروج من المأزق الحكومي، بمعزل عن التوصيف السياسي للحكومة، لأنّ مجرد وجود حكومة، جيدة أو سيئة، يعني وجود قطب مرجعي يتحمّل مسؤولية إدارة أوضاع البلد، ومجرد وجود حكومة سيعني فترة سماح أمامها لإظهار أهليتها لحلّ العديد من المشاكل الاجتماعية والخدماتية المتفاقمة، أو على الأقلّ حلحلة حال الجمود المالي والاقتصادي الذي يشكل تعطل آلة الدولة سبباً رئيسياً فيه، سواء لأنّ الدولة مصدر الإنفاق الرئيسي في الإقتصاد، أو لأنّ الثقة لدى القطاع الخاص لاستئناف نشاطه تنتظر ولادة الحكومة.
الدعوة صادقة والخطر داهم، والاطمئنان للوقت مخادع، اللهم أشهد أني قد بلغت.
نائب في البرلمان اللبناني