هذه أسباب تهديدات أردوغان باجتياح شرق الفرات
د. هدى رزق
يتابع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التهديد بإرسال قوات تركية الى شرق الفرات ضد وحدات الحماية الكردية وهي عماد قوات قسد في سورية، ولا يأبه لقلق البنتاغون على الوجود العسكري الاميركي واعتباره التهديد بمثابة إعطاء داعش فسحة للتنفس. لم يمنع هذا القلق المتحدث باسم الجيش الوطني، وهي القوة السورية التي أنشأتها تركيا وتدعمها في شمال غرب سورية، من الرد بأن ما يصل إلى 15 ألف مقاتل مستعدون للانضمام إلى القوات التركية ضد وحدات حماية الشعب. في الواقع لا يوجد أي دليل على نشاط عسكري تركي هجومي على طول الحدود. لكن قوات سورية الديمقراطية ترى أنه يجب أن تؤخذ تهديدات تركيا على محمل الجد فكل مرة يقول أردوغان إنه سيهاجم، يفعل، على الرغم من رأي بعض المحللين بأن تهديدات أردوغان تعود لعوامل انتخابية من اجل الحصول على أصوات القوميين قبل الانتخابات البلدية.. ربما ستكون تل ابيض هي الهدف وهي تشكل الطريق الأقصر إلى الرقة، التي كانت بمثابة عاصمة «الخلافة» والتي تم الاستيلاء عليها من قبل الوحدات في سبتمبر 2017. السيطرة على تل أبيض ستؤدي إلى دق إسفين آخر بين المناطق التي يديرها الأكراد، بعد عملية درع الفرات في آب/أغسطس عام 2016، إلى جانب عملية غصن الزيتون في كانون الثاني/يناير،2018 التي نسفت محاولات الأكراد المستمرة منذ فترة طويلة لاقتطاع جزء غير منقطع من الأراضي من الحدود العراقية وصولاً إلى عفرين. كانت تركيا قد طالبت الولايات المتحدة إقناع وحدات حماية الشعب بالخروج من الأراضي ذات الأغلبية العربية والسماح لها بتشكيل قوة من حلفائها الأكراد والعرب السنة. تعتقد وحدات الحماية الكردية بأن تركيا والولايات المتحدة ربما تكونان قد وقعتا «صفقة سرية» على تل أبيض على الرغم من التحذيرات العلنية من البنتاغون حول التهديدات التركية. فتركيا لن تكون قادرة على إطلاق أي نوع من العمليات في سورية التي تسيطر عليها دون إذن من الولايات المتحدة، أو ما لم تقرر الولايات المتحدة إخلاء المنطقة، فهي قد حددت نياتها في اجتماعات خاصة مع المسؤولين الأميركيين. الأميركيون يحاولون منعها في البداية، ثم يفشلون في الالتزام بالدفاع عن قوات الحماية الكردية، سياسياً وعسكرياً ويتراجعون.
في الواقع يحتاج الرئيس التركي الى عملية ضد وحدات الحماية هو هدد بمعركة في شرق الفرات وضربت طائراته جبال قنديل والولايات المتحدة لا تمانع ضرب حزب العمال الكردستاني. لكن أردوغان يرى انه لا بد من ضرب فكرة الكانتون الكردي وهي حاجة داخلية ايضا فوفقًا لاستطلاعات الرأي التي أجرتها الأحزاب السياسية المختلفة، انخفض دعم حزب العدالة والتنمية إلى 36 بالمئة، احد أهم اسباب هذا الانخفاض الواضح هو تدهور الاقتصاد. تشير الدراسات إلى أن الاقتصاد هو الشغل الأول للشعب التركي قبل قضايا أخرى، مثل الإرهاب. تظهر الأرقام أن الأموال الأجنبية لم تعد تأتي إلى تركيا وأن الإتيان بالمال من الخارج أصبح أكثر تكلفة. تظهر حركة النقد الأجنبي كمؤشر على انتقال تركيا من الركود إلى الكساد. سوف يستمر الاقتصاد التركي، الذي لا يستطيع النمو بدون أموال أجنبية، في التراجع حتى تتم استعادة ثقة المستثمرين الأجانب. ويتوقع الخبراء الاقتصاديون بالفعل انكماشًا بنسبة 3٪ على الأقل، الأمر الذي سيضع معدل النمو الإجمالي لسنة 2018 عند أقل من 2.5٪ وتعتبر وكالة التصنيف الائتماني الدولية «موديز» أكثر تشاؤماً، حيث توقعت نمواً بنسبة 1.5٪ لعام 2018 وتقلص بنسبة 2٪ في عام 2019.
العوامل الرئيسية التي دفعت الركود هي هروب المستثمرين الأجانب والارتفاع الحاد في أسعار صرف العملات الأجنبية، حيث، انتقل 18.5 مليار دولار من رأس المال الأجنبي من تركيا في الفترة في فترة الصيف إلى سبتمبر، كما ان التوترات السياسية الحادة بين أنقرة وواشنطن، أثّرت بشكل كبير على معنويات المستثمرين.
تكمن أهمية الاستطلاعات المحلية في انها بمثابة انتخابات ترتكز على المرشحين، ويصوت المواطنون للمرشحين الذين يعتقدون أنهم سيخدمونهم على أفضل وجه. حتى هذا يدل على مدى استقطاب المجتمع التركي وسياسته.
لذلك ينبغي توقع أن تحاول الحكومة تحويل انتباه الرأي العام من الاقتصاد إلى قضايا أخرى، بالنظر إلى حقيقة أن النتائج الأقسى للاضطرابات الاقتصادية لم يتم رصدها بالكامل بعد. وفي ظل الواقع الاقتصادي المتردي يحث زعيم الحركة القومية بهشلي حزب الشعب الجمهوري وأحزاب المعارضة على عدم محاولة إشعال فتيل التظاهرات في تركيا لأنه هو واردوغان يبديان مخاوفهما من انتشار مظاهرات «السترات الصفراء» وانتقالها الى تركيا وهذا يكتسب معنى عند النظر في ارتفاع تكاليف المعيشة وتزايد البطالة في البلاد. لكن وفي ظل الترتيبات التي قامت منذ محاولة الانقلاب سيصعب تصور السماح لتظاهرات شعبية.
يتعلق الأمر أيضاً بالنسبة الى القيادة التركية بمكافحة الإرهاب، داخل تركيا وخارجها لذلك فان الاعتفاد ان استعدادات تركيا لعملية عسكرية جديدة في سورية هو فقط من أجل السياسة المحلية سيكون غير واقعي، ولكن لا شك في أنه سيكون لصالح تحالف حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية. لذلك ستستمر الحرب ضد حزب العمال الكردستاني في تركيا بدون تباطؤ لأن الامر يتعلق بأمن تركيا واستقرارها.