شرق الفرات والتزاحم الدولي
ربى يوسف شاهين
سورية التي كانت ولا زالت عصية على المعتدين منذ عصور خلت، إن كان في محاولة الضغط عليها، أو إضعافها كمحور ممانع يقف خلف أي محاولة للنيل من المنطقة العربية، لأنها ما تزال الأسبق بين الدول العربية لصدّ أيّ اعتداء على أيّ بلد عربي، المحاولات جميعها باءت بالفشل الذريع، وما يحصل الآن وهذه الحرب الكونية على سورية، لأكبر دليل لجهة حجم المخطط الصهيو – أميركي للنيل من الدولة السورية الموقع والدور الإقليمي المؤثر.
مناطق كثيرة على أراضي الجمهورية العربية السورية كانت وما زالت حلماً لكثير من الدول الغربية، وفي مقدّمتهم أميركا، لتفتتح مخططها تحت ما يُسمّى الربيع العربي الباب على مصراعيه. فيبدأ الاقتتال بين قوى التحالف وأدواتهم الإرهابية على المناطق التي تُشكل مجالاً حيوياً واستراتيجياً لتفعيل نظريات التقسيم وفرض مناطق النفوذ، لكن صمود الشعب السوري والجيش السوري بقيادة الرئيس بشار الأسد، والحلفاء الرئيسيين كروسيا وإيران، قلبوا الموازين، حيث أضحى العدو في شتات وتخبّط كبيرين، لتنتقل ساحة الصراع إثر منجزات الجيش السوري وحلفائه، إلى منطقة شرق الفرات، حيث احتمالات الصراع مفتوحة ومصالح المتنافسين على هذه المنطقة كبيرة لأهميتها الاستراتيجية، عدا عن أهميتها وغناها بالثروات النفطية وخصوبة أراضيها، وبدأ مسرح تصفية الحسابات والاصطدام العسكري الممنهج بين قوات سورية الديمقراطية قسد التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية ثقلها الرئيسي، والتي أضحت والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة فريقاً لتحقيق مصالح تبتغيها «إسرائيل»، وقد كانت الولايات المتحدة سبّاقة في إنشاء قواعد عسكرية لها، لتقديم الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي لتنظيماتها الإرهابية ولوحدات الحماية الكردية في المنطقة. تزايد الفرق المتناحرة على شرق الفرات، تُضاف لها تركيا، يجعل من المسارات السياسية والعسكرية تقترب من حافة صِدام عسكري، حيث إنّ تركيا أيضاً من القوى الغازية لسورية، وتتذرّع بمحاربة الأكراد السوريين الذين يشكلون تهديداً لها، فهم وبحسب الرواية التركية امتداد لحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً لديها، في مقابل ذلك فإنّ الدولة السورية تؤكد دائماً أهمية كلّ شبر من أراضيها، وتولي اهتماماً كبيراً بشرق الفرات. فالاقتصاد الأقوى يكمن في شرق الفرات بشقيه النفطي والحيواني، لذلك لا بدّ من إعادة هذه المناطق لكنف الدولة السورية، وإن كان المخطط الأميركي الهادف إلى التقسيم واللعب على وتر الأكراد السوريين كورقة ضاغطة على القيادة السورية، وما تحاول واشنطن من خلاله تمرير أجندات خاصة للنيل من محور المقاومة المتمثل بسورية وإيران وحزب الله، وكان اللعب على الشمال والشمال الشرقي السوري وفتح باب الاقتتال بين ما تبقى من التنظيمات الإرهابية و»قسد» وتركيا، مستغلة أميركا هذه المنطقة الحدودية مع العراق لتعزيز تمركز هذه القواعد. وصحيح أنّ ترامب أعلن انسحاب قواته من سورية، لكنه لم يعلن انسحابها من العراق، وهذا بدوره مؤشر على أنّ انهزامه في سورية جعله يسلم الدفة للأكراد وتركيا، على مبدأ التصادم المفيد لتنفيذ السياسية الأميركية، وهو على يقين أنهم سيطيلون أمد الحلّ في هذه المنطقة، فالجهتان تتناحران سياسياً. وقد يصل الأمر بهما إلى الاقتتال العسكري على الأرض، وواشنطن لا تَحسبُ في هذه المعادلة سوى حسابات مصالحها، فالكنوز على أرض العراق ما زالت موجودة، ولا بدّ من وضع اليد عليها، لتكون الحدود على سعير نار محتدم، وتبدأ بالتنقيب عن الثروات، وتثبيت الأقدام، وإطالة أمد الحرب على سورية، عبر التحكم بمسارات الحل سياسياً وميدانياً.
ما تحاول أميركا تنفيذه وتطبيقه واقعاً، هو جعل الأرض السورية مفتوحة على العديد من الاحتمالات، من جهة شنّ حروب على التمركز الإيراني في المنطقة، ومن جهة أخرى زعزعة الورقة الكردية والمتاجرة بها، حيث إنّ هذه الورقة تُمثل فتيل صراع قد يُطوّع أميركياً، تُضاف إلى ذلك، رغبة واشنطن في إدارة الصراع بين الأكراد وتركيا، فضلاً عن محاولتها زرع إسفين في العلاقات الروسية الإيرانية التركية، وفي هدف أبعد تحاول واشنطن منع إنشاء معبر يمتدّ من طهران مروراً بالعراق وصولاً إلى سورية، لذلك لم تُرد واشنطن سحب قواتها من العراق، بل ترغب في إدارة الساحة السورية من قواعدها هناك، مع صفر خسائر، فالشبح الإيراني مازال موجوداً، والمخططات لصالح «إسرائيل» لم تنتهِ، لذلك لا بدّ من اللعب على كافة الأوراق وخلطها، لضمان استمرار الوجود الأميركي في منطقة الشرق الأوسط، ولا ضير من مراقبة أحداث شرق الفرات خلال 100 يوم، لإعادة صياغتها أميركياً.
في المحصلة، يبدو أنّ السيد ترامب وخططه الترامبية، لم تأخذ بالحسبان وثبات الأسد، وجموح الجيش السوري، فهذه المعادلة كفيلة بنسف أيّ خطة أميركية.
ولكن لـ ننتظر.