التوريث الرياضي في الألعاب الفردية آباء اجتهدوا في صناعة بطولات أبنائهم

ابراهيم وزنه

بعيداً عن الخوض في معايير توريث الممتلكات الخاضعة لاعتبارات دينية وشخصية، تتفرّع عمليات التوريث في لبنان في أكثر من اتجاه، فهناك التوريث السياسي والتوريث الوظيفي والتوريث المهني… وصولاً إلى التوريث الرياضي الذي ارتأينا فلفشة بعض أوراقه في مجال الألعاب الفردية تحديداً، حيث الآباء يزرعون خبراتهم ويجتهدون لسنوات أملاً بحصاد وفير مع بطولات أبنائهم من بعدهم.

الاقتداء أولاً

في الواقع، غالباً ما يصطحب الآباء أبناءهم إلى ساحات تألقهم الرياضي بغية إدخال السرور إلى قلوبهم وسعياً للفوز بتشجيعهم أملاً باستدراجهم إلى اللعبة التي يمارسونها، وفي ضوء الاصطحاب المتكرّر تتوطد العلاقة الجديدة ما بين الابن ورياضة أبيه، فمن الطبيعي أن يتأثّر الابن بالرياضة التي يمارسها والده وهو الذي ينظر اليه كقدوة وبطل يسعى إلى تقليده ولعب دوره في المستقبل.

كثيرون من أبطال لبنان في عدد من الألعاب الفردية سهروا على رعاية وتوجيه أولادهم في سياق إيصالهم إلى منصات التتويج التي سبق ووقفوا فوقها رافعين العلم اللبناني في أكثر من مناسبة، والجدير ذكره أنّ بعض الأبطال من الأبناء نجحوا بالتفوّق على آبائهم نظراً لاستفادتهم من خبراتهم والعمل لاحقاً على بذل المزيد من الجهد والاهتمام لتجاوزهم في سياق تسجيل أرقام جديدة وتحقيق إنجازات غير مسبوقة. فالألعاب الفردية ساحات مشرّعة للمجتهدين، والإنجازات فيها حصرية لا مشاركة فيها لأحد، وهذا ما يرفع منسوب السعي لإثبات الذات في نفوس الأبطال الجدد كسباً لمزيد من الشهرة على قاعدة «رب تلميذ فاق أستاذه»، ولا شكّ أنّ سعادة الأب الأستاذ كبيرة في هذا الميدان التنافسي.

أبطال على خطى الآباء

رافي مومجوغليان مواليد 1956 ، هو بطل لبنان بكرة الطاولة لأكثر من 18 سنة قبل اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، رزقه الله بثلاثة أولاد هم تيفين وآفو ونانسي، ومن منطلق عشقه للعبة، كانت هداياه إلى أولاده كرات ومضارب، وبحكم خبرته ودوره الريادي في فريق هومنتمن راح يسهر على تدريبهم من منطلق قناعته بأنهم مشاريع أبطال في كرة الطاولة مستقبلاً، فأشرف على تدريبهم ثمّ إشراكهم في دورات تدريبية خاصة في الصين على مدى سنتين، ولما اشتدّ عودهم أشركهم في بطولات لبنان، وجاء الحصاد سريعاً ووافراً مع آفو وشقيقته تيفين، حيث نجحا سوية بالوقوف فوق منصات التتويج للبطولات المحلية والأرمينية الخاصة بأندية هومنتمن المنتشرة في العالم، واليوم يعتبر آفو مواليد 1992 من أبرز اللاعبين في لبنان، ترتيبه الأول للعام 2017، كما أنّ شقيقته تيفين تحمل في رصيدها بطولات عدّة.

وبالانتقال من القاعات والطاولات الخضراء، إلى حقول الرماية، فقد نجح الرامي رشاد الخليل مواليد 1957 ، بطل سابق في مسابقة «دوبل تراب» في التسعينيات، ورئيس الجمعية اللبنانية للرماة، بإقناع ولده وسام مواليد 1987 في اقتناء الجفت وهو في مقتبل العمر، فكان يصطحبه معه إلى الصيد وإلى البطولات، ومع الوقت تعلق وسام بالرماية، وراح يتسلق درج البطولات المحلية، ورفع كأسه الأول وهو في عمر 16 سنة، ثم انتقل إلى منصات التتويج العربية، ووسام اليوم هو بطل لبنان في رماية «دوبل تراب» وحامل الميدالية الفضية العربية، وله مشاركات مشرّفة في البطولات الآسيوية، بالإضافة إلى عضويته في اتحاد الرماية وفي الجمعية اللبنانية للرماة.

وفي الحديث عن حسن بنوت، يختلف المشهد الرياضي، فقد أفتتن «أبو علي» بجسم قريبه سمير بنوت بطل لبنان في لعبة كمال الأجسام في السبعينيات، ومن ثم راح يبني جسمه على طريقته الخاصة حتى نجح بفرض هيبته الجسمانية على الأندية التي سعت إلى ضمّه لتمثيلها في البطولات المحلية الرسمية، وبفضل إرشاداته إلى ولده محمد، الضابط في شرطة مجلس النواب، انضمّ الأخير إلى طابور الساعين لبلورة أجسامهم وعرضها أمام العدسات وفوق حلبات النزال، لينجح في إحراز بطولات عالمية، بعد تربّعه على عرش البطولات المحلية والعربية، وكذلك عمل محمد على إنشاء نادٍ رياضي وقد دفع بولديه إلى الميدان الذي دفعه إليه والده منذ أكثر من 20 عاماً.

ومن صالات الحديد أيضاً، سار حسنين مقلد مواليد 1975 على خطى والده أحمد البطل الذائع الصيت في لعبة رفع الأثقال في الخمسينيات، فتجاوز والده وأخوه خالد محرزاً ذهبية رفع الأثقال في المغرب 1985 ، وهما من البارزين في هذا المضمار ليحفر اسمه بأحرف من ذهب، كبطل عالمي في الرفع والخطف والنتر في أكثر من بطولة عربية ودولية، وبفضل انجازاته عرضت عليه دولة قطر الجنسية القطرية أملاً بتمثيلها في المحافل العالمية 1998 ، وبعد سنوات من خوض التحديات وتسجيل الانجازات عاد حسنين إلى لبنان مندفعاً لرفع اللعبة التي أحبها، وهو اليوم يشغل منصب رئيس الاتحاد اللبناني للتربية والبدنية ورفع الأثقال منذ العام 2015، وبتشجيع منه لولده الموهوب مهدي مواليد 2005 ، ها هو الأخير يجتهد في صالات الحديد أملاً بتجاوز جدّه ووالده وعمّه… ولو بعد حين.

وبالانتقال إلى حلبات الملاكمة، ففي مدينة صيدا برز البطل مصطفى الزينو مواليد 1971 ملاكماً من الطراز الكبير، أحرز الزينو ذهبية العرب في العام 1993 ومن ثم فضية البطولة العربية التي أقيمت في لبنان في العام 1997، بطولاته المحلية كثيرة، وفي ناديه «تيتانيوم كلوب» الذي أسّسه في صيدا منذ سنوات عدّة استدرج الزينو بكره حسن مواليد 2000 إلى الحلبات، وبعد سنوات من الجدّ والتوجيه والتدريب، نجح الملاكم الواعد حسن مصطفى الزينو بإحراز بطولات وزنه بشكل تصاعدي، ومؤخراً أحرز ذهبية الأندية العربية في الأردن 2018 ، ويُنتظر منه أن يفرض نفسه بطلاً لسنوات مقبلة. وفي المجال عينه، نشير إلى أنّ البطل أحمد المصري قد شرّع باب البطولات في لعبة الملاكمة أمام شقيقيه نبيل وبلال اللذين وجدا في الحلبات ساحات تألق ونجاح وإثبات وجود على المستويين المحلي والخارجي.

وهناك الكثير من الأبطال في الألعاب القتالية شقّوا طريق البطولات أمام أبنائهم، كخليل نصّور لولديه ابراهيم وحسن في الـ أم أم اي وسامي قبلاوي لولده لؤي ونادين السمرا لابنتها لين مبيّض في حلبات الكيك بوكسنغ، وهناك كثيرون غيرهم…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى