انتصار سورية الأسد.. والتهديد المستقبلي والأخطر للكيان الصهيوني
حسن حردان
اعتقد الكثيرون أنّ الولايات المتحدة لن تنسحب من سورية وأنّ واشنطن لن تغادر سورية قبل أن تضمن المصالح الأمنية للكيان الصهيوني، والتي تتمثل في منع تموضع قوات إيرانية والمقاومة اللبنانية في سورية، وعلى الأخصّ على الجبهة مع الجولان المحتلّ.. كانت القيادات الصهيونية تراهن على دعم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتحقيق ذلك وبالتالي ضمان عدم حصول أيّ تحوّل في البيئة الاستراتيجية في المنطقة في غير مصلحة الكيان الصهيوني، بعد خروج سورية منتصرة من الحرب الإرهابية الكونية التي استهدفت إسقاطها في شباك المشروع الأميركي الصهيوني.. فإذا كان هذا الهدف قد فشل بسبب صمود سورية بقيادة الرئيس بشار الأسد، فعلى الأقلّ يجب منع أن يتحوّل هذا الانتصار إلى هزيمة استراتيجية للكيان الصهيوني، غير أنّ القرار الذي اتخذه ترامب بسحب القوات الأميركية من سورية شكل صدمة ومفاجأة للحكومة الصهيونية بقيادة بنيامين نتنياهو، لأنه تمّ من دون ضمان تحقيق الأهداف المذكورة، وترك الكيان الصهيوني يواجه تهديداً مستقبلياً خطيراً ناجماً عن التغيّر الهامّ في موازين القوى نتيجة انتصار سورية ومحورها المقاوم، وتداعي الحصار الذي فرض عربياً على سورية، قبل أكثر من سبع سنوات ونصف السنة، وبدء إعادة العديد من الدول العربية علاقاتها مع دمشق، إنْ كان عبر فتح السفارات أو الزيارات لقادة ومسؤولين عرب، أو عبر الحديث عن التمهيد لعودة سورية إلى جامعة الدول العربية… مما يشكل اعترافاً علنياً واضحاً وضوح الشمس بانتصار الرئيس بشار الأسد…
على أنه كان من اللافت أنّ هذا التحوّل في الموقف العربي جاء متزامناً مع قرار ترامب بالانسحاب من سورية، في دلالة على التسليم الأميركي بانتصار سورية، والإيذان للدول العربية، التي حوّلت الجامعة العربية إلى غرفة عمليات لتوفير الغطاء للحرب الإرهابية على سورية ومحاولة نزع الشرعية عن الرئيس الأسد وفرض العزلة على سورية، بالعودة إلى الانفتاح على سورية الأسد والإقرار بهزيمتها وانتصاره، وبالتالي سقوط مخطط إلغاء عروبة سورية والأمة لمصلحة إقامة مشروع الشرق الأوسط الذي يتسيّد عليه الكيان الصهيوني، وبالتالي تصفية القضية الفلسطينية.. ولأنّ هذا المخطط سقط واعترف ترامب والدول العربية التي تسير في فلك أميركا بذلك… انتصر مشروع المشرق العربي وجوهره المقاومة بقيادة سورية الأسد… وسقط مشروع الشرق الأوسط الأميركي الصهيوني بآخر محاولاته في سورية بعد أن سقط في لبنان بفعل انتصارات المقاومة عامي 2000 و 2006، وبعد ذلك في العراق بتمكّن المقاومة هناك من إجبار قوات الاحتلال الأميركي عام 2011 على الرحيل عن العراق من دون النجاح في تحقيق ما جاء من أجله.. على أنّ هذه النتيجة هي ما تقلق قيادة العدو الصهيوني وتجعلها في حالة من التخبّط والاضطراب، خصوصاً أنّ انتصار محور المقاومة في سورية بقيادة الرئيس الأسد يترافق مع جملة من التطورات الإضافية التي تجعل البيئة الاستراتيجية من حول الكيان الصهيوني هي الأكثر خطورة عليه منذ نشأته على أرض فلسطين العربية عام 1948… وهذه التطورات تتمثل بالاتي:
أولاً: ازدياد قدرات الجيش السوري على كلّ المستويات التسليحية والقتالية، فهو خرج من الحرب من أقوى الجيوش في المنطقة يملك خبرات قتالية عالية المستوى في مختلف أنواع الحروب التقليدية والمدن والصحراء والجبال وحروب العصابات، إلى جانب استحواذه على أسلحة ردعية متطوّرة كاسرة للتوازن مع العدو الصهيوني، وأهمّها منظومة صواريخ «أس 300»، التي تستطيع، مع منظومات أخرى، حماية سورية وردع العدوانية الصهيونية وشلّ قدرة طيران العدو الحربي المتطوّر على شنّ اعتداءاته وحروبه…
ثانياً: تعزيز التلاحم بين أطراف حلف المقاومة بعد أن خاض، كتفاً إلى كتف، الحرب ضدّ الجيوش الإرهابية المدعومة أميركياً وعربياً وتركياً ومن الأنظمة الرجعية العربية، وانتصر عليها، وامتزجت دماء شهداء ضباط وجنود الجيش السوري مع ضباط وجنود إيرانيين وعراقيين والمقاومين اللبنانيين في ساحات وميادين القتال.. وبات محور المقاومة أمتن وأقوى وقد اتسعت دائرته لتشمل، إلى جانب سورية وإيران والمقاومة في لبنان والمقاومة في فلسطين، قوى المقاومة في العراق واليمن المنتصر على تحالف العدوان الأميركي السعودي…
ثالثاً: تعزز التحالف السوري الروسي وتحوّله إلى تحالف استراتيجي بعد أن أسهمت روسيا عبر سلاحها الجوي وخبرات ضباطها في دعم الجيش السوري في حربه ضدّ الإرهابيين وتحقيق الانتصار عليهم، في حين أوجد الحضور العسكري الروسي النوعي توازناً استراتيجياً في مواجهة القوة الأميركية، وساعد على إحباط مخططاتها.. وتجسّد تعزّز هذا التحالف السوري الروسي الاستراتيجي في الاتفاق المشترك على تكريس وجود القواعد العسكرية الروسية في طرطوس واللاذقية لمدة 45 سنة، وعودة روسيا بقوة إلى الساحة الدولية لاعباً أساسياً مما أضعف الهيمنة الأميركية وأوجد توازناً جديداً في القوى على المستويين العالمي والإقليمي يؤسّس إلى ولادة عالم متعدّد الأقطاب…
هذه التطورات معطوفة على تنامي القدرات الردعية والقتالية للمقاومة في لبنان وازدياد قوة إيران الإقليمية تضاعف من قلق دوائر القرار في كيان العدو الصهيوني، فهذه الدوائر تشعر بأنّ جيش الاحتلال الصهيوني لم يعد قادراً على شنّ الحروب والانتصار فيها، وقوته الردعية تآكلت، ليس فقط تجاه سورية والمقاومة في لبنان، بل حتى تجاه المقاومة في غزة، في حين أنّ تراجع الهيمنة الأميركية وتوضع روسيا العسكري في سورية يعزّز من دور سورية التي أصبحت بعد انتصارها أقوى مما كانت علية قبل الحرب عليها، وسوف تلعب دوراً محورياً على صعيد استعادة النهوض العربي في مواجهة المشروع الصهيوني الاحتلالي ودعم القضية الفلسطينية ومقاومة وانتفاضة شعب فلسطين.. ومعروف أنّ كيان العدو الصهيوني قام على العدوان والتوسّع وعندما يصبح عاجزاً على مواصلة التقدّم فإنه يبدأ بالتراجع التدريجي، وهو تراجع يترافق مع تصاعد استنزافه بفعل اشتداد المقاومة في فلسطين المحتلة المدعومة من حلف المقاومة الذي يحاصر كيان العدو ويشلّ قدرات جيشه على شنّ الحروب، وهو الجيش الذي بات يفتقد الإيمان والقدرة على تحقيق النصر في الحرب، ويعيش تراجعاً في روح القتال والتطوّع مما يشكل، حسب صحيفة «يديعوت احرنوت» الصهيونية 24/12/2018 «الخطر الاستراتيجي الأكثر إثارة للقلق».. وتضيف الصحيفة «… فالأشخاص الجيّدون يهربون من الجيش، وهذه مشكلة أخطر من أية أنفاق في الشمال أو الجنوب»…
كاتب وإعلامي
كيف نستعيد فلسطين: القادة والحكام باعوها بأبخس الأثمان
والمقاومة وحدها عبّدت طريق الانتصار بالتضحيات وبدماء الشهداء
اياد موصللي
أصبح عمر المسألة الفلسطينية 121 سنة من عام 1897، حيث نشأت الفكرة الصهيونية وبدأت معها فكرة الهجرة الى فلسطين والاستيطان فيها وبروز الوجه المتآمر للدول الغربية وأميركا في طليعتها.
منذ 121 سنة كان اليهود في فلسطين لا يتجاوز عددهم 8 من عدد السكان وهم من أهل البلاد… اليوم هم يعدّون ثمانية ملايين ويملكون بالقوة كامل الأرض بعد ان شرّدوا شعبها. فماذا فعلنا منذ أن نشأت هذه المسألة حتى اليوم وماذا فعل الصهاينة في المقابل.
الحكومات باعت وتواطأت وتآمرت لتمكين اليهود من الاستيطان والتملك والسيطرة، والهيئات الشعبية شاركت في ضياع البلاد وفقدان السيطرة عليها بسبب تناحرها وتنافسها على السلطة والنفوذ.
ضاعت فلسطين ولا زلنا الى الآن نمارس ونسير على نفس الخطى تحت عنوان الإعادة والإنقاذ. لا زلنا نسلك ونمارس نفس الأسلوب الذي ادّى الى ضياع فلسطين. فكيف سنعيدها إذن؟
قرارات الأمم والدول أضاعت فلسطين رسمياً، وممارسات حكومات شعوبنا سهّلت تنفيذ هذه القرارات وكما كان الأمس نشاهد تكراراً له اليوم.
عندما قامت الحركة الصهيونية في أوروبا عبر مؤتمر «عشاق صهيون» وهو المؤتمر الأول للصهيونية انعقد في أيلول 1897، وطالبت بإقامة دولة خاصة باليهود في فلسطين باعتبارها كانت المقرّ التاريخي لدولتهم..
جوبه هذا الطلب برفض غاضب من الشعب في فلسطين وتزعّم تلك الحركة الرافضة آنذاك مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني والشيخ عز الدين القسام وعبد القادر الحسيني وأعداد من الزعماء والشخصيات الفلسطينية. كانت فلسطين ولاية تحت الحكم العثماني التركي وثار الشعب وبدأ حركة مقاومة لهذا المشروع بينما قادة العرب في أقطارهم وكعادتهم وحسب مصالحهم.. قسم رفض واعترض وقسم أيّد بصمت وسكوت، ومنهم من أيّد بكلّ وضوح كالأمير فيصل بن الحسين الذي التقى وايزمن في العقبة في 4 تموز 1918 بحضور الكولونيل البريطاني جويس، وبنتيجة هذا اللقاء رأى الأمير انه بالإمكان تنفيذ البرنامج الصهيوني كما حدّده وايزمن، وكذلك فعل والده الشريف حسين الذي استجاب لفكرة إقامة اليهود في فلسطين، والشريف حسين هو أمير منطقة الحجاز، أيّ ما يعرف اليوم بالمملكة العربية السعودية، حيث بدأت الآن بوادر التلاقي والتطبيع مع «إسرائيل». الدولة السعودية التي أبدى نتن ياهو قلقه على وليّ عهدها. هذا الذي أظهر تعاطفاً واضحاً مع دولة «إسرائيل» وشجع على التطبيع معها. وكان عدد اليهود عام 1914 لا يتجاوز 60 ألف شخص…
المصالح الفردية ظهرت منذ البداية
منذ البداية كنا نرسم لمصالح فردية ولا نؤمن بقضية وطنية من عهد شريف مكة في الحجاز والأسلوب واحد في التعامل مع «إسرائيل».. فالأمير فيصل وقع في 13/1/1919 اتفاقية فيصل وايزمن وهذه الاتفاقية تعطي لليهود تسهيلاً في إنشاء «وطن قومي» وفق ما ورد في وعد بلفور.. هكذا بكلّ بساطة وما أشبه الأمير ابن سلمان وسلطان عُمان بالأمير فيصل، يهبون ما لا يملكون فهم ليسوا من أهل هذه البلاد ولذلك تبرّعوا بسخاء. ورداً على كلّ هذا قام الفلسطينيون وبمشاركة من قدِموا من الشام بثورة شعبية ضدّ الانكليز واليهود المهاجرين الى فلسطين. الثورة التي بدأت عام 1920 1921 و1929 وتجدّدت عام 1936 1939.
شعبياً في تلك الفترة تصدّى الفلسطينيون للسياسات العدوانية وجابهوا المعتدين.. ولكن كما اليوم كان الأمس. فقد بلغ عدد الأحزاب والمنظمات السياسية المدافعة عن الحقوق الوطنية 17 حزباً ومنظمة ابرزها:
حزب الاستقلال العربي، الحزب الحر الفلسطيني، الحزب الشيوعي الفلسطيني، عصبة التحرير الوطني، جماعة الاخوان المسلمون، حزب الزراع الفلسطيني، حزب الائتلاف الوطني، مؤتمر الشباب العربي، الحزب العربي الفلسطيني.
هكذا وبهذا التعداد جابهوا العدوان واليوم وبنفس الأسلوب نجابه العدو الذي أصبح له دولة وجيشاً واستولى على كامل البلاد.. فالشرذمة منتشرة ومتعدّدة والتباين بالرأي والتفكير والتحالفات هو ذاته.
المقاومة اليوم أعداد متنافرة متباينة في مخططاتها تواجه العدو الذي وضع خططاً مدروسة للسيطرة على فلسطين وامتداداً الى الدول المجاورة ونجح في تحقيق مشروعه وبدأ العمل لتطبيق المرحلة الأخيرة منه عبر السيطرة النهائية وضمّ القدس رسمياً وفرض التوطين على اللاجئين حيث يقيمون. وأقرّ وحدانية الدين اليهودي في هذه الدولة وطرد كلّ الديانات الأخرى.
ففي عام 1947 جابهنا قرار التقسيم بارتجال وعدم استعداد.. عدو مشرذم منتشر في شتى أنحاء العالم. قام بتوحيد صفوفه وتطبيق خطة مدروسة وضعها مسبقاً أتاحت له السيطرة على البلاد فيما كان العرب في حالة تأزّم عسكري في بناء قوة عسكرية موحدة.. احتلت «إسرائيل» القسم المقرّر لها في قرار التقسيم وطردت سكانها من الفلسطينيين.. ثم تمدّدت إلى ما تبقّى فأستولت عليه.. اليهود يأتون مستوطنين محتلّين معتدين والفلسطينيون يغادرون نازحين. دخل العرب الحرب عام 1948 وكانوا أحد أسباب النكبة لأننا إذا استطلعنا الموقف في الجانبين لدى اليهود ولدى العرب وقارنّا الصور يتبيّن بوضوح انّ نتائج حرب فلسطين ما كانت لتكون غير الذي كانته… ذلك انّ العرب بما لديهم من إمكانيات حربية واقتصادية ومالية كانوا قادرين على تحقيق ما يريدون لو أرادوا ولكن قادتهم لم يريدوا لذلك حجبوا كلّ الإمكانيات المتوفرة في زمن حرب لم يشعر بها أحد ممن كانوا يأتون ويذهبون الى البلاد العربية، فلا أهلها ولا زوّارها الغرباء شعروا بانّ هذه البلاد تواجه حرباً نتائجها مصيرية على أمتهم ومستقبل أجيالهم. فملاهيها وحياتها الليلية كما هي، إجراءاتها الأمنية كما هي. تدابير الوقاية والاحتياطات والإجراءات لم تتبدّل. ولم تتخذ الإجراءات الخاصة بمثل هذه الظروف والأحوال.
أما في الجانب اليهودي فقد أعلنت التعبئة وجنّد كلّ قادر على الحرب من الرجال والنساء ونظم العمل بالبطاقات التموينية وفرضت الضرائب الاستثنائية وحصر كلّ نشاط بالحرب ومقتضياتها.
ارتجال واستهتار وتفكك
لقد سيطر في الجانب العربي الارتجال والاستهتار وساد التفكك والريبة والتواطؤ ضدّ مصالح الأمة وتدليلاً على واقع السياسة النفعية المتواطئة. كتب طه باشا الهاشمي مفتش عام جيش الإنقاذ:
إنّ القوات العربية لم تحارب بالمعنى الصحيح حتى يُقال إنها خسرت المعركة. وإذا كانت النتيجة بعد القتال الذي جرى بين العرب واليهود انّ هؤلاء نجحوا في تأسيس دولتهم فانّ مردّ ذلك في نظري إلى أسباب سياسية وليس عسكرية. من المعلوم عندما تبدأ الحرب يترك القلم شأنه للسيف، وبمعنى آخر تنتهي سياسة القول والكتابة وتبدأ سياسة السيف والمدفع وتصبح السياسة خاضعة للأغراض العسكرية. والتاريخ مملوء بأمثلة تدلّ على انّ السياسة حينما تتدخل في توجيه القتال في الحروب يخسر الجيش المعركة. وعلى الرغم من انّ الجيوش العربية لم تشترك في قتال فلسطين بقوات كافية فإنها لو استخدمت الأغراض العسكرية البحت من دون أن تصبح الأغراض السياسية هي المسيطرة لكانت تلك القوات على قلتها قد حالت دون تأسيس تلك الدولة، ولم يحدث في الحروب التي نشبت ان تخضع الجيوش لغير قيادة عامة تديرها حسب الخطة الحربية، بينما كانت حركة القوات العربية في حرب فلسطين تجري من دون قيادة موحدة وتتحرك من دون الاستناد الى خطة حربية.
ومن البديهي ان يصيب حركة القوات الفشل. والواقع انّ الحركات التي سبقت الهدنة لم تكن عمليات تجري لاستهداف أغراض عسكرية وإنما كانت السياسة النفعية مع الأسف هي التي تفرض ارادتها على سير الحركات .
إنّ ما أشار إليه طه الهاشمي هو تشخيص واقعي صادر عن رجل عايش المسألة من موقع الخبير المسؤول، كان العسكريون يلحون ويشدّدون على ضرورة وجود قيادة عامة عليا موحدة تسيطر على جميع القوات ولها وحدها الأمر بتوجيه التحركات وقد رفع العسكريون تقريراً بعد اجتماع عقدوه في عمّان في أواخر شهر نيسان 1948 بدعوة من اللجنة السياسية للجامعة العربية، وقد ضمّ هذا الاجتماع رؤساء أركان الجيوش العربية مع عدد من كبار ضباط القيادة وبحضور الملك عبدالله. وبعد اطلاعه على التقرير قرّر الملك عبد الله ألا يشارك الجيش الأردني في الحرب إذا لم تعط القيادة له وتمّت مسايرته والنزول عند رغبته فأعطيت القيادة له. هكذا جرت الأمور وكأنها عملية زواج عشائرية، زعل الملك فأرضيناه بتزويجه قضية تساوي وجودنا، وبعد ان نال منها وتراً طلقها لم يعِدها الى بيت أهلها بل سلّمها لأهل البغي…
قرّر الملك عبدالله ان لا يشارك في الحرب. ولمن يريد ان يعرف نقول انّ الملك عبدالله هو شقيق الأمير فيصل ابن شريف مكة من الجزيرة العربية السعودية اليوم التي تريد أن تلعب نفس الأدوار!
انّ قادة العرب لو تصرّفوا بوعي وإدراك لما وقع هذا الذي ادّى الى الكارثة القومية الكبرى والى هذه الساعة لم تجر لهم محاكمة تاريخية لتدينهم وهم في قبورهم ولتلعنهم في كتب التاريخ وذاكرة الأجيال.
وما زال الأعراب يمارسون نفس أدوار العمالة فبعد حرب لم يخوضوها أصبحوا سماسرة المفاوضات والتسويات وصكوك التمليك وتطويب فلسطين بشكل قانوني ونهائي لليهود، لقد صنع الاستعمار من هؤلاء المشايخ والأمراء حكام دول وهمية، ليكونوا يوماً ما صوته وسوطه.
مسرحية التنازل عن فلسطين بديكور جهادي بطولي
بعد كلّ ما مرّ أمامي ولمسته لمس اليد بات لديّ اقتناع راسخ أننا لم نكن جزءاً من مجهود حربي كما كنا نعتقد، يساهم في إنقاذ فلسطين من أطماع اليهود، بل فصل من فصول مسرحية التنازل عن فلسطين بديكور جهادي بطولي، كنا مؤمنين بأننا ذهبنا لفلسطين لممارسة فعل إيمان بالجهاد، ولكن أصحاب الشأن أداروا العملية كلعبة من ألعاب الدمى المتحركة على مسرح السياسة الدولية، ومارسوا الديماغوجية لخداع الشعوب العربية. باعوا فلسطين بهدوء ودفع الشعب العربي في كلّ مكان وفي المقدّمة الفلسطينيون ثمنها دماً وعذاباً وقهراً وإهانة. لقد كبرت الصورة ووضحت في ما بعد، لقد دخلت الحكومات العربية الحرب مفتقرة الى الجدية والإيمان فكان دخول الحرب عملاً ارتجالياً غير مسبوق بالاستعداد والتحضير والتجهيز رغم وضوح الرؤية لدى القاصي والداني وانكشاف النوايا منذ سايكس – بيكو، بما يخبّأ لهذه الأمة، ورغم معرفتنا باستعدادات العدو لمثل هذا اليوم عبر مشاركته في الحربين العالميتين الأولى والثانية لاكتساب خبرات قتالية وتحقيق وعود قطعت له بالمساعدة على تحقيق حلمه بإقامة دولة يهودية في فلسطين ثمناً لهذه المشاركة. كانت أخبار تأسيس منظمة الهاغانا، الجيش الإسرائيلي للمستقبل والعديد من المنظمات اليهودية الإرهابية المنتشرة في العديد من دول العالم وأبرزها منظمتا «شتيرن» «واورغن» واللتان ارتكبتا مجزرة جبل الكرمل في حيفا ونسف فندق الملك داود وقتل الأمين العام للأمم المتحدة ومجزرة دير ياسين الشهيرة، قد ملأت الدنيا، ورغم كلّ هذا لم تتحرك حكومات الدول العربية لا لوجستياً بجمع الأموال وشراء السلاح وتدريب الشعوب، ولا عسكرياً بالقتال الا بعد صدور قرار التقسيم وبشكل ارتجالي غوغائي جاء لرفع العتب أكثر منه تحرك وليد قناعة وإيمان بقضية تساوي وجودنا، عكس ما كانت تحسّه وتؤمن به جماهيرنا وشعوبنا واستعدادها الهائل للعطاء السخي والتضحية المثلى بالروح والدم من أجل عزة الوطن وكرامته يتملكها إيمان قوي بانّ الدماء التي تجري في عروقها هي وديعة الأمة متى طلبتها وجدتها، هذه الثروة الإيمانية السخية، هذه الروح المعطاء هُدرت وتبعثرت لأنها لم تجد حاضنة تجمعها وتؤطرها وتضعها في بوتقه تجعل منها القوة التي كانت ستقلب كلّ المعادلات وتعيد صياغة التاريخ بما يليق بوجودنا…
من سياقات كلّ ما مرّ حتى اليوم يتضح أنه ما من نظام كان يرغب أو يريد فتح القمقم وإخراج المارد لتبقى هذه الأمة في طفولتها وسباتها العميق ليبقى الزمام بيد سماسرة التاريخ الحديث أسوة بسماسرة الأزمنة الغابرة وليبقى مصيرنا دائماً على مائدة المصالح وصفقة من صفقات الاستمرار بالحكم تجعل من تلك الأنظمة أداة تحقيق الإرادة الدولية ومصالحها التي تتضارب في معظم مفاصلها مع تطلعاتنا وطموحاتنا ومصالحنا. وما أشبه الأمس باليوم.
أقامت «إسرائيل» دولة اعترف بها العالم، وأقمنا حكومة عموم فلسطين في غزة لم تعترف بها الجامعة العربية ولا حكومات مصر والعراق ومنعتها مصر من ممارسة أنشطتها في قطاع غزة، استبدلنا فلسطين بحكومة شكلية وهمية… وتركت أجزاء وهمية تحت سيطرة منظمة التحرير وفعلياً تحت إرادتها وسطوتها.
اتفاقيات تعقد وقرارات أممية تصدر وحكومة فلسطينية تؤلف بوهم كبير وهي أشبه بمحمية الهنود الحمر. منظمات متعددة مختلفة في ما بينها، ومنظمة التحرير عام 1993 وبقيادة ياسر عرفات اعترفت رسمياً بـ «إسرائيل» عبر رسالة وجهها الى إسحق رابين رئيس الوزراء، واعترفت «إسرائيل» بمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، وأصبح للفلسطينيين سلطتان سلطة في الضفة الغربية وسلطة في قطاع غزة وانطبق عليهم المثل: قسّموا المقسّم .
فهل كلّ ما استعرضناه وتابعناه يفتح لنا طريق استعادة فلسطين ونحن الآن نواجه أوراق النعوة توزّع بعنوان «صفقة العصر»… التي تتحضّر الدولة السعودية وسلطنة عُمان وإمارات ومشيخات الخليج لدفن القضية الفلسطينية كما سبق ان دفنت الاسكندرون وتوابعها.
يومها كان العزاء: «اذكروا كيليكيا وانطاكية والاسكندرون»، واذا استمرّ التشرذم والتواطؤ المهين والبوادر تشير الى ذلك فلن يكون هنالك من يحدّد عنوان العزاء اذكروا فلسطين.. واذكروا ما جاء في البروتوكول الأول من بروتوكولات حكماء صهيون فتعرفوا عدوكم بوضوح:
«عقيدة هذا الشعب المختار انه يستطيع ان يفسد العالم ويعطله ويخرّبه ويقيم على أنقاضه ملكاً يهودياً داوودياً ينفرد بحكم العالم بأسره، وما الأمم والشعوب إلا حيوانات متخلفة العقل والذهن والفهم… وفي يوم قريب سوف نحكم العالم رسمياً وسيكون المنطلق من أورشليم من حيث أتانا الذلّ ومن حيث سيأتينا النصر».
وكما قال سعاده: «لم يتسلط اليهود على جنوبي بلادنا ويستولوا على مدن وقرى لنا إلا بفضل يهودنا الحقيرين في ماديتهم الحقيرين في عيشهم الذليلين في عظمة الباطل.
انّ الصراع بيننا وبين اليهود لا يمكن ان يكون فقط في فلسطين بل في كلّ مكان حيث يوجد يهود قد باعوا هذا الوطن وهذه الامة بفضة من اليهود، انّ مصيبتنا بيهودنا الداخليين أعظم من بلائنا باليهود الأجانب».
«اننا لا نريد الاعتداء على أحد ولكننا نأبى أن نكون طعاماً لامم أخرى، اننا نريد حقوقنا كاملة ونريد مساواتنا مع المتصارعين لنشترك في إقامة السلام الذي نرضى به وإنني أدعو اللبنانيين والشاميين والعراقيين والفلسطينيين والأردنيين إلى مؤتمر مستعجل تقرّر فيه الأمة إرادتها وخطتها العملية في صدد فلسطين وتجاه الأخطار الخارجية جميعها وكلّ أمة ودولة اذا لم يكن لها ضمان من نفسها من قوتها هي فلا ضمان لها بالحياة على الإطلاق.
يجب أن نعارك يجب أن نصارع، يجب أن نحارب ليثبت حقنا. واذا تنازلنا عن حق العراك والصراع تنازلنا عن الحق وذهب حقنا باطلاً، عوا مهمتكم بكامل خطورتها ولا تخافوا الحرب بل خافوا الفشل».
لن تنفع هذه التنظيمات المقاومة وهي على ما هي عليه من تفرقة وتشرذم واختلاف. لم تنجح المقاومة في لبنان وتنتصر الا لدقة تنظيمها ووحدة قرارها… حرّرت لبنان وطردت العدو المحتلّ منه واصبحت هيكل الرعب في حياته ووجوده.
نستعيد فلسطين ونسجل صفحة العزّ في تاريخنا من جديد وتصبح فلسطين حرّة واذا لم نصبح أحراراً من امة حرّة فحريات الأمم عار علينا.. إذا سرنا على درب المقاومة المجردة النقية سنثبت اننا من أمة ابت ان يكون قبر التاريخ مكاناً لها في الحياة.