تحديات الفرصة الأخيرة!
د. مصطفى حكمت
كثيرة هي الآمال التي عقدها الشعب العراقي على حكومة عادل عبد المهدي على أمل انّ القوى والأحزاب قد فهمت الدرس من المشاركة الضعيفة في الانتخابات، وبالرغم من اتباع الطرق القديمة ذاتها في التشكيل المنقوص الى الآن، ورغم مرور شهرين على كسب عبد المهدي الثقة البرلمانية، لم تغادر الكتل منطق المحاصصة في توزيع كعكعة المناصب في ما بينها. ورغم كلّ ذلك تبقى الآمال معقودة والتحديات عظيمة أمام حكومة الفرصة الأخيرة للكتل التي فشلت في إدارة البلد منذ الاحتلال وحتى الآن، رغم يقين الجميع بأنّ المشاكل في كلّ الجوانب تقريباً، وانّ الحلول لا يمكن ان تكون في وقت قصير، فالبناء الصحيح يحتاج تخطيطاً دقيقاً وعملاً منظماً وأموالاً كبيرة كي نرى تغييراً ملموساً في واقع البلد المتهالك، فمحاربة الفساد تحتاج رجالاً فدائيين للقضاء على عصابات فاسدة تجذرت في مؤسسات الدولة، وخطوة رئيس الوزراء في تشكيل مجلس أعلى لمحاربة الفساد تمثل بداية مهمة لكنها بحاجة إلى تشريعات وتحركات سريعة ودقيقة واستعانة بخبرات محلية ودولية في هذا الشأن لأنّ استمرار الهدر يعني انهيار البلد بالكامل.
ملف الخدمات كذلك بحاجة لرؤية واضحة وفق توقيتات زمنية محدّدة وخطط واقعية لأنّ الشعب ملّ الوعود بلا تنفيذ، فهل يُعقل انّ البصرة التي تمثل أغنى مدينة في العالم لا يوجد فيها ماء صالح للشرب ولا توجد فيها كهرباء مستقرة ودائمة؟ كذلك معظم محافظات العراق تعاني مشاكل عدة، ومن هنا جاءت مطالبات شعبية وسياسية بتشكيل مجلس أعلى للإعمار والإنماء في العراق يتولى رئاسته شخص مختص وتكون صلاحياته مطلقة في هذا الملف من رئيس الوزراء حصراً لتقليل الروتين ومنع التقاطعات بين الوزارات المختصة وتحديد المسؤول وفق خطة زمنية محددة…
الملف الاقتصادي ايضاً بحاجة لتعديلات وإصلاحات جوهرية لضبط الإنفاقات الحكومية وتحويل اقتصاد البلد الريعي الى اقتصاد منتج وفتح الطريق أمام الاستثمار وتذليل العقبات الحالية أمام الشركات الاستثمارية، كما حدّد ذلك رئيس الوزراء حين أعلن برنامجه الحكومي في البرلمان وهو الخبير الاقتصادي الذي شغل منصب وزير المالية في أول حكومة عراقية بعد الاحتلال..
هذه الملفات تمسّ حياة المواطن بشكل يومي وعملي وان لم يتمّ حلها ستعيد مشاهد الصيف الماضي حينما اشتعلت المظاهرات في جنوب العراق عموماً والبصرة بشكل خاص لكنها في المرة القادمة اذا حدثت قد تأكل الجميع ولن تبقي وقتاً للتعديل والإصلاح..
الى ذلك يبرز ملف العلاقات الخارجية للعراق المختلف عليها داخلياً، فلا توجد سياسة موحدة تجاه كلّ القضايا المصيرية وهنا سرّ التفكك السياسي الداخلي لذلك يجب ان يكون قرار الحكومة موحداً وحازماً في هذا الملف رغم الإشارات الجيدة في هذا الملف حينما اتخذت الحكومة قرارات مستقلة عن التوجهات الأميركية حصراً إذا تمّ البدء بخطوة التكامل العراقي السوري بعد ان أعلن الرئيس السوري موافقته على إعطاء الإذن للقوات العراقية بقصف أهداف إرهابية داخل الأراضي السورية في ايّ وقت وموقع تراه القوات العراقية مناسباً دون الرجوع للقيادة السورية، وهي علامة مهمة لجهة الوصول لأعلى درجات التنسيق الذي كان مفقوداً في ما سبق بين الدولتين، إضافة لذلك قرار رئيس الوزراء العراقي بعدم الانصياع للعقوبات الأميركية على أيران ورفض تطبيقها، وصولاً لمعلومات مؤكدة عن قرب توقيع العراق صفقة عسكرية مهمة مع روسيا سيتمّ توقيعها في العام الحالي. هذه الخطوات قد تبشر بسياسة عراقية خارجية أكثر استقلالاً وتطبيقاً لرغبات الشعب ومصلحته والخروج من سياسة التهادن والرمادية التي كانت سائدة في الفترة الماضية…
في المجمل فإنّ العراق مقبل على تحديات لا تقلّ صعوبة عن تحديات الانتصار على الإرهاب، وانّ السير بين الأشواك يحتاج حكمة عالية ودراية ووعي حكومي وشعبي والا فإنّ التاريخ قد يعيد نفسه لجهة ظهور عصابات إجرامية كداعش وغيرها وحينها لا ينفع الندم لأننا في الفرصة الأخيرة…