صفعة جديدة للمراهنين على تأجيل قرار الانسحاب والاحتماء بالقوات الأميركية في سورية
حسن حردان
يبدو من الواضح انّ جولة المبعوثين الأميركيين إلى المنطقة، مسؤول الأمن القومي جون بولتون، ووزير الخارجية مايك بومبيو، لم تنجح في تحقيق أهدافها في احتواء تداعيات قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب من سورية، ففي أنقرة كان ردّ فعل الرئيس التركي رجب أردوغان غاضباً من تصريحات بولتون التي دعا فيها إلى حماية قوات «قسد» الكردية بعد الانسحاب الأميركي، ولهذا رفض استقباله، أما في تل أبيب فإنها لم تشعر بالاطمئنان من مرحلة ما بعد الانسحاب الاميركي، خصوصاً أنّ الانسحاب يتمّ من دون تحقيق ما كانت تطمح إليه الحكومة الإسرائيلية التي كانت تريد ربط الانسحاب الأميركي بانسحاب المستشارين الإيرانيين وقوات المقاومة اللبنانية من سورية، عدا طبعاً عن عدم نجاح واشنطن في الحصول على حصة من النفط السوري والمشاركة في إعادة إعمار سورية…
هذه النتائج لمحاولة واشنطن احتواء التداعيات السلبية لقرار الانسحاب والحدّ من انعكاساته على حلفائها وأتباعها في سورية والمنطقة أدّت إلى مفاقمة الخلاف الأميركي التركي حول الموقف من قوات «قسد» من ناحية، ووجّهت صفعة جديدة لمن راهن من حلفاء واتباع أميركا على تأجيل قرار الانسحاب، وتبيّن للقاصي والداني أنّ هذا القرار نهائي وليس قابلاً لأيّ تعديل لأنّ توقيته الآن ينطلق من حسابات المصلحة الأميركية، فواشنطن لم تعد قادرة على البقاء في سورية لأنّ القوات الأميركية الموجودة في شمال وشرق سورية ستصبح محاصرة من كلّ الاتجاهات وستكون عرضة لعمليات المقاومة السورية انْ هي بقيت على احتلالها، في وقت ليس لدى واشنطن قرار بالتورّط في حرب استنزاف ستؤدّي إلى كلفة باهظة وخسائر جسيمة في صفوف الجنود الأميركيين، وهو ما أشار إليه الرئيس الأميركي ترامب عندما قال إنه لا يريد البقاء في سورية حيث هناك «رمال وموت»، ولا يريد أن يرى «الجنود الأميركيين في المستشفيات…»
من هنا فإنّ واشنطن أرادت أن تبلغ حلفاءها بأنّ قرار الانسحاب نهائي ولا عودة عنه وعليهم ترتيب أوضاعهم على هذا الأساس، وهذا يعني أنّ على الدول العربية ان تبادر إلى إعادة العلاقات مع سورية واتخاذ قرار عودتها إلى الجامعة العربية تمهيداً لاتخاذ الدول الغربية قراراً مماثلاً مبنياً على قرار الجامعة، أما الأكراد فإنّ واشنطن حاولت مع تركيا أن تجنّبهم هجوماً عسكرياً يدفعهم إلى الارتماء في أحضان الدولة الوطنية السورية، لكن هذه المحاولة فشلت، ولهذا ليس أمام الأحزاب الكردية، التي راهنت على الحماية الأميركية، سوى العودة إلى خيار الاتفاق مع دمشق التي لم تغلق يوماً الباب أمامهم لكن على قاعدة التخلي عن طموحاتهم الانفصالية، والحكم الذاتي، لأنّ المنطقة الشمالية لا يقطنها فقط مواطنون أكراد وإنما فيها أيضاً مواطنون سوريون آخرون، وبالتالي الجميع شركاء في الإدارة المحلية في ظلّ الدولة المركزية الواحدة.. هذا هو الخيار الذي انتصر، وهو خيار وحدة سورية، دولة وشعباً وأرضاً، وبالتالي سقوط كلّ مشاريع ووصفات التقسيم والفيدرالية وغيرها من الوصفات التي دعمها الأميركي للاتكاء عليها في مواصلة تدخله في سورية…
وعندما يحصل مثل هذا الاتفاق الشامل بين قيادات الأحزاب الكردية والحكومة السورية، على غرار اتفاق منبج، وينتشر الجيش السوري في كلّ المناطق التي تسيطر عليها قوات «قسد»، فإنه لن يكون أمام تركيا أردوغان سوى التراجع عن الإقدام على أيّ عملية عسكرية لأنها ستؤدي إلى التصادم مع الجيش السوري وليس لها من مبرّر، وهو ما دفع رئيس حزب الحركة القومية التركي إلى التحذير من التورّط العسكري في سورية باعتباره فخاً أميركياً.
انّ السبيل الوحيد لإنهاء التدخلات والاحتلالات الأجنبية في شمال شرق سورية إنما يكمن في العودة إلى الاحتماء بالدولة الوطنية السورية والجيش السوري.. انه أقصر الطرق إلى الخلاص وإنهاء آخر فصل من فصول الحرب الإرهابية والقضاء على ما تبقى من إرهابيين في محافظة إدلب وشرق الفرات…