وجهة نظر
حسين مرتضى
جاء قرار ترامب بسحب القوات الأميركية من سورية والذي أعلنه في التاسع عشر من كانون الأول الماضي، معجوناً بكمّ هائل من فانتازيا التوقيت والاحتمالات والأكاذيب التي تحاكي أطماعه، محاولاً تحسين مكانه ضمن شروط الانزلاق السياسي الذي تعيشه الولايات المتحدة الأميركية، ومخالفاً بقراراته المتناقضة كلّ نقاط المقاربة السياسية.
عملياً ندرك أنّ هناك العديد من المتغيّرات في الآونة الأخيرة، وعلى رأسها الانتصارات العسكرية للجيش السوري، كانت هي السبب في هذه الاستدارة الأميركية، وإنْ كانت بطيئة نوعاً ما، وهذا ليس بجديد على الولايات المتحدة، فالتاريخ مليء بالأمثلة والشواهد على التناقضات التي بدأت تبدو جلية في عهد ترامب، وهنا نبحث عن أجوبة للأسئلة المهمة، وهي هل سيلتزم ترامب بقرار انسحاب قواته من سورية، هل سيعزز وجود قواته في العراق؟
بعد غزو العراق وقبلها أفغانستان، بدأت العديد من المتغيّرات تظهر في السياسة الأميركية، وأصبحت الولايات المتحدة تتجنّب الاعتماد على مبدأ المواجهة المباشرة، واستعاضت عنها بتكتيكات مرحلية، وقصيرة الأمد، وصولاً لما بات يسمّى بالجيوش البديلة، فالولايات المتحدة لم تشارك في الحرب المفروضة على سورية، لا بأموالها ولا بجنودها، وهو ما حدث فعلاَ عندما استقرأت إدارة ترامب، من أنّ تقدّم الجيش السوري على الأرض، وحصره لمن تبقى من مسلحين في إدلب، وبات تحرير مركز ثقل المسلحين في الشمال السوري مسألة وقت، أدركت واشنطن أنّ معركة الجيش السوري ضدّ الوجود الأجنبي، ستكون تحصيل حاصل ولا مفرّ منها، سواء كانت أميركية أو تركية أو غيرها.
أضف الى ذلك انه خلال الأشهر الستة الماضية حدثت عدة متغيّرات مهمة لم يتمّ تسليط الضوء عليها إعلامياً، وهي انطلاق مقاومة شعبية عشائرية سورية في مناطق شرق البلاد، وقمنا بإحصاء أكثر من عملية للمقاومة السورية، منها استهداف دوريات تابعة للقوات الأميركية، وإطلاق صواريخ نحو دوريات لجنود الاحتلال الأميركي، وزرع عبوات ناسفة على طريق كانت تسلكه الآليات التابعة للقوات الأميركية، وهنا ظهر الخوف لدى الإدارة الأميركية، وبالطبع لم يتمّ الإعلان عنها، وهنا وصلت تقارير استخباراتية أميركية للبيت الأبيض، بعد اجتماع عُقد قبل حوالي ثلاثة أشهر، بين وفد استخباراتي وصل عبر معبر سيملكا الحدودي مع العراق الى منطقة القامشلي، والتقى بالقيادات العسكرية الأميركية، وخلص بالنتيجة إلى أنّ من وراء هذه العمليات هي مجموعات مدعومة من الدولة السورية، اثر دراسة طبيعة الأسلحة المستخدمة وتكتيك الكمائن والأهداف التي ضربت، وربطت هذه المعلومات مع موقف العشائر، والعرض العسكري الذي تمّ في ريف حلب، بالإضافة الى وجود عدد من المجموعات التي تمتلك أسلحة متطورة ويمكنها قصف القواعد الأميركية في أيّ لحظة، وعندها كان التقييم أنّ المرحلة القادمة ستشهد تصعيداً كبيراً من حيث استمرار وتطوير هذه العمليات العسكرية ضدّ جيش الاحتلال الأميركي، بدأت الاستدارة الأميركية في قرار سحب القوات من سورية.
لم يقف الأميركي مكتوف الأيدي عند هذا الحدّ بل انطلق بإنشاء قاعدتين عسكريتين في داخل الأراضي العراقية، وتحديداً قرب المناطق الحدودية من سورية، من ناحية القائم والموصل تحديداً، بهدف منع ايّ تحرك مشترك من قبل القوات العراقية والسورية في المنطقة الحدودية، وأن لا يتمّ اتصال المنطقة الحدودية بين سورية والعراق، ومن جهة أخرى، يطمح الأميركي من خلال هذه الخطة إلى تجميع من تبقى من إرهابيّين يتبعون لداعش في سورية والعراق في هذه المنطقة الحدودية، لإشعال حرب عصابات في الداخلين السوري والعراقي، ليقول الأميركي حينها، إنّ داعش عادت بعد انسحاب القوات الأميركية من سورية، وبذلك يحاول الأميركي كذلك منع التواصل العسكري عبر الحدود بين الجانب السوري والعراقي، ومع الإعلام الأميركي دخل العامل الصهيوني مباشرة على الخط ، ضغوط من اللوبي الصهيوني على ترامب، تخبّط من جديد في تصريحاته لكنه لا يستطيع التراجع ليأتي بعد ذلك الحراك السياسي الأميركي والذي تجاوز المشهد المعتاد، وكان التعويل عليه فقط لطمأنة كيان العدو الإسرائيلي، عبر تأخير انسحاب قوات الاحتلال، وتطبيقه على مراحل وبالذات في قاعدة التنف، وهذا يطلق يد الطمأنينة في جسد الكيان الغاصب، وتبقى الإدارة الأميركية على مقاس السياسيات في كيان العدو.