مآسي «الهويّات» الفرعية.. إنها أسئلة وليست أجوبة!
نظام مارديني
إلى أين تريدنا أن نذهبَ أحصنةُ مشاريع تقسيم سورية الطبيعية؟
ولماذا هذا الإصرار على أن نغسل قدمَيْ زنوبيا، مثلما نغسل قدمَيْ نمرود، بالرماد؟ فهل نترجّل عن «أحصنة» التقسيم لتتبقى لدينا البقية الباقية من زمن الجغرافيا، كما وزمن التاريخ!؟
إحدى مآسي الهويّات الفرعية أنّها أسئلة وليست أجوبة.. هي من أجل تبنّي خطابات عرقيّة ومذهبية، تهدفُ إلى البحث عن الجذور من أجل تحطيم الأجنحة المقابلة، وضمان حالة صداميّة، قوامها، نحن أو أنتم! وبذلك يحدث الذي قالهُ نيتشه في زمنٍ مضى: «أفول المتعادي» مقابل ما يمكن تسميته بـ امتثال العادي، ذاك الذي تتمّ ممارستهُ دون قصدٍ، لحماية المقابل السائد وضمان استقرارهِ وعبوره وبقائه.
لا ينفكّ الحدث السياسي «السورياني» مليئاً بالولادات الجديدة للأحداث. وهذه الولادات لا تعني حراكاً إيجابياً أو منتجاً، بل على العكس من ذلك هي شاهد على ارتباك واضح يتبيّن من خلاله حجم الولادات المشوّهة، والخوف أن يصبح من الصعوبة إيجاد وصفة ناجعة تمكّن «الجماعات الاثنية والمذهبية» من الخروج من مأزقها بعد أن تناثرت مشاريع التقسيم جنوباً وشمالاً وشرقاً وعلى مساحة واسعة من الجغرافيا، وهي مشاريع لا تمتّ للعمل السياسي الناضج في شيء.
فلا يكاد يمرّ يوم أو ساعة إلا ويتمخّض حراك «الجماعات» عن مفاجأة جديدة في سياق المفاجآت التي أدمن عليها «السوريانيون»، حتى أنهم استوطنوها ولم تعُدْ تهزّهم أو تستثيرهم، فكل الأشياء جائزة ومتوقّعة في حلقة الفراغ من جبال زاغروس وحتى شواطئ المتوسط.
بالأمس، خرج علينا رئيس التحالف الوطني السيد عمار الحكيم بآلية إنشاء «الأقاليم» أو توسيع قانون المحافظات، وهي لا تتناقض مع دعوة رئيس «إقليم كردستان» مسعود البرزاني للانفصال، أو دعوة الأخوين النجيفي لإقليم «سنيّ» في العراق، أو ظاهرة الإدارة المدنية في منطقة الجزيرة السورية. وحتى في اللقاء الذي دعت إليه «مؤسسة مسارات» وعُقد في بغداد وضمّ ممثلين عن «الأقليات الدينية الذين طالبوا «بضمان حرية الدين والمعتقد». هذا اللقاء ومن خلال قراءتنا للمواقف التي أطلقت فيه يتبين الخوف الذي يعشعش داخل «الجماعات المذهبية والإثنية»، رغم مطالبة سعد سلوم المنسّق العام لمؤسسة مسارات بـ «وثيقة إعلان مبادئ لمناهضة التمييز».
سلوم كان قد وصف وثيقة الحكيم لـ «التسوية التاريخية» في العراق بـ «المخاتلة»، رافضاً التعامل مع الشعب على أنه «مجرد كومبارس يتحرّك بخيوط لامرئية».
لا شك في أن الإعلام الضالع في الكوميديا، وفي التراجيديا، يهلّل لمشاريع التقسيم والتفتيت.. ماذا يعني حين تسقط هذه «المشاريع» في محرقة الأمم وفي محرقة «الجماعات»؟ لن نقول بعد الآن لعبة الأمم بل لعبة «الأقليات»!
هنا لا مجال إلا للعبة المذهبية التي لا بدّ أن تحرق صانعيها.. فهل من مصلحة سورية الطبيعية، اجتثاث «الجماعات الإثنية والمذهبية»؟
نعم.. من مصلحة مجتمعنا الذي له دوره الخلاق في عبقرية التنوّع بدلاً من مجتمعات البعد الواحد، ودول البعد الواحد، أن يجتث آفة «العنصريات العرقية والمذهبية»، وإلا ستبقى «أحصنة» مشاريع التقسيم تتناسل في سورية الطبيعية.. وحتى الآن لا شيء يشي بتخلّيها عن الأداء «القبلي» ونحن على مفترق.. الوباء المذهبي والعرقي يزداد هولاً يوماً بعد يوم، فقط من أجل بناء أنظمة رثّة، لنبقى نحن المجتمعات الرثة.
فهل آن الأوان كي ندق ناقوس الخطر؟ وكي نرتقي بوعينا وبأدائنا وبرؤيتنا للأمور لأن الأمة، وليست سورية والعراق وحدهما أمام ساعة البقاء أو اللابقاء؟
آن الأوان لنخرج من هروبنا، كما من تثاؤبنا، كما من حججنا، واحتجاجاتنا لنقول الحقيقة، كما هي ونقول: إن بعضنا يريد أن يتعامل مع الزمن بالفحم الحجري! إن الوطن السوري كله يُراد أن يُعاد تركيبه الآن لإزالة أسم فلسطين من خريطته، لحساب الدويلات، الكردية والسريانية والشيعية والسنية والدرزية.. فقط لتكون «أورشليم» هي قبلة المنطقة!
ألا يحتاج هذا إلى صرخة؟