العراق ساحة المواجهة المقبلة ونصر الشام يرسم معادلات العالم الجديد…!

محمد صادق الحسيني

تتقدّم موسكو بخطوات ثابتة ودقيقة متعكزة على محور المقاومة بهدف الارتكاز على سواحل المتوسط والاستحمام في مياهه الدافئة في تحوّل استراتيجي مهمّ كانت ترنو إليه منذ قرون.

لا شك في أنّ قرار روسيا بالتدخل العسكري المباشر، في الدفاع عن الدولة الوطنية السورية والمحافظة على وحدة البلاد وسيادتها، لم يكن يهدف لا إلى حماية الرئيس الأسد لأجل ذاته، ولا طمعاً في خيرات سورية وثرواتها الطبيعية مهما كانت مغرية.

إذ إنّ روسيا العظمى، التي تبلغ مساحتها سبعة عشر مليون كيلو متر مربع، ليست بحاجة الى خيرات أحد، وهي التي تملك احتياطيات هائلة من كلّ المواد الخام اللازمة لها ولغيرها، ولا هي تقيم علاقاتها مع الدول على أساس مواقفها من هذا الرئيس أو ذاك.

فلقد اتخذ قرار التدخل انطلاقاً من هدفين استراتيجيين هما:

أولاً: التصدي لسياسة سيطرة القطب الواحد على العالم، التي تمارسها الولايات المتحدة، والتي أدّت الى نشر الفوضى والقتل والدمار في أنحاء العالم كله وليس في بلد واحد منه، الى جانب تجاهل الولايات المتحدة لنصوص القانون الدولي، التي تمنع أي دولة في العالم من التدخل في شؤون الدول الاخرى الا اذا طلبت منها الدولة المعنية ذلك التدخل، وهو ما حصل في الحالة السورية بين الدولة الوطنية السورية وكلّ من روسيا وإيران.

ثانياً: الدفاع عن أسوار موسكو والأمن القومي الروسي انطلاقاً من حماية المصالح الاستراتيجية للاتحاد الروسي على صعيد العالم كله، ومن ثم للدول التي تتعاون أو تتحالف معها، كالصين وإيران وسورية وغيرها من الدول العربية وغير العربية في العالم، وذلك من خلال تعزيز التمركز العسكري، وبالتالي الدبلوماسي والسياسي، الروسي في منطقتنا العربية والاسلامية بشكل عام وعلى سواحل شرق المتوسط بشكل خاص. أيّ تعزيز تمركزها العسكري في سورية كقاعدة ارتكاز استراتيجية، لعمل الاسطول الروسي في الخاصرة الجنوبية لحلف شمال الأطلسي، أي في البحر المتوسط، والذي يشكل مسرح عمليات للسفن الحربية التابعة لدول حلف الأطلسي، ومن بينها سفن الاسطول السادس الأميركي الذي تتمّ قيادته، الى جانب الوحدات البحرية لدول الحلف الأخرى، من القاعدة البحرية الأميركية في مدينة نابولي الإيطالية.

وبالنظر الى السياسات العدوانية للولايات المتحدة الأميركية، تجاه روسيا وحلفائها في الصين وإيران بشكل خاص، إضافة الى سورية طبعاً، فإن واشنطن تواصل العمل على ما يلي:

أولاً: استكمال الحشد العسكري، ذي الطبيعة الاستراتيجية، على حدود الصين الغربية وفِي بحار الصين والمحيط الهادئ، الى جانب مواصلة واشنطن حشد العديد والعتاد على حدود روسيا الغربية، بهدف تطويقها وتهديدها استراتيجياً. علماً أنّ هذه الحدود الغربية لروسيا تمتدّ من استونيا، شمال شرق بحر البلطيق وبالقرب من مدينة لينينغراد الروسية، عبر دول لاتفيا ولتوانيا وبولندا وسلوفاكيا ورومانيا وبلغاريا، وجميعها أعضاء في حلف شمال الأطلسي، الى تركيا التي تشارك بلغاريا ورومانيا وأوكرانيا وجورجيا في شواطئ البحر الأسود. وهي دول معادية لروسيا، حتى لو كان بعضها ليس عضواً في الأطلسي كجورجيا وأوكرانيا.

ثانياً: تنفيذ مشاريع سكك حديدية، تمتدّ من حيفا في فلسطين المحتلة وحتى عُمان، وذلك في إطار الاستعدادات الأميركية لاحتمال قيام إيران بإغلاق مضيق هرمز وقيام الجيش اليمني واللجان الشعبية بإغلاق مضيق باب المندب، ما يعني وقف الملاحة عبر قناة السويس، الأمر الذي يجعل البحث عن بديل لهذه الممرات البحرية أمراً ذا أهمية استراتيجية عالية. وهو ما دفع الولايات المتحدة للتفكير بمشروع السكك الحديدية، وطرحه للتداول عبر الشريك الإسرائيلي هنا تظهر أهمية المخلب الصهيوني الذي رمي أخيراً على سلطنة عُمان !

وفِي ضوء كلّ هذه التطورات المتسارعة، على الصعيدين «الإقليمي» والدولي، وعلى الرغم من تحسّن العلاقات الروسية التركية، والنمو المتسارع لعلاقاتهما الاقتصادية والتجارية، وحتى الأمنية والعسكرية، في حدود تنحصر في معالجة مشاكل إقليمية، تتعلق بالوضع السوري على وجه الخصوص، وفِي ضوء ان تركيا هي الدولة ذات السيادة على مضائق البوسفور والدردنيل، التي تربط البحر الأسود بالبحر الابيض المتوسط، وذلك بموجب اتفاقية مونتري Montreux بلده في سويسرا الموقعة بتاريخ 20/7/1936 بين الدول المعنية وهي تركيا واليونان ويوغوسلافيا والاتحاد السوفياتي ورومانيا وبلغاريا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا واليابان، نقول إنه وفِي ضوء إعطاء السيادة الكاملة على هذه المضائق لتركيا، ورغم وجود نظام محدد يحكم حركة الملاحة، بما فيها السفن العسكرية، في هذه المضائق، فلا بد لروسيا أن تفكر دائماً في بديل لإمداد أسطولها العامل في البحر المتوسط والذي يتم حالياً من قواعدها في البحر الأسود عبر المضائق المشار إليها اعلاه. كما أن عليها أن تتخذ الإجراءات اللازمة لضمان تدفق الإمدادات لقواتها الجوفضائية العاملة في سورية أيضاً، بخاصة أن تفاصيل تنظيم حركة السفن التجارية والحربية، للدول المشاطئة وغير المشاطئة للبحر الأسود، وعلى ارضية سيادة تركيا الكاملة على تلك المضائق، فإنّ تركيا تتمتع بهامش كبير جداً في التحكم بحركة وحرية العبور في فترات الحرب.

وعلى الرغم من استبعاد حصول أية حروب بين تركيا وروسيا في المدى المنظور، وعلى الرغم من العلاقات الأخرى المتنامية، إلا أنّ تأمين طريق إمداد بديل، للقوات الروسية في المتوسط وسورية، يبقى أمراً استراتيجياً هاماً جداً وذلك في ضوء أن يقوم طرف ثالث، في حالة وقوع نزاع دولي مسلح، بإغلاق تلك المضائق او تقييد حرية الملاحة فيهما وخاصة السفن الروسية.

من هنا، وفي ضوء التحركات العسكرية الأميركية المريبة، في العراق بشكل عام وفِي محافظة الأنبار بشكل خاص، ومواصلة البنتاغون محاولات إقامة قواعد ونقاط قيادة وسيطرة أميركية في المنطقة الممتدة من التنف السورية وحتى مدينة القائم العراقية، بهدف قطع التواصل الجغرافي البري بين موسكو ودمشق، أي قطع طريق الإمداد الروسي البديل هذا والمبيَّن اعلاه، فإن روسيا ومعها إيران وسورية وقوى المقاومه في العراق ولبنان لا يمكن لها أن تتخلى عن هذا التواصل البري وجاهزيتها لأن تمنع الجيش الأميركي من السيطرة على تلك المناطق حتى لو بالقوة العسكرية، وهي التي لن تتوانى عن الانتقال الى استخدام ذلك لهزيمة المحتل الأميركي وإجباره على الانسحاب منها. أي من شرق سورية وغرب العراق وذلك لإفشال مخططاته في ربط محافظات العراق الشمالية والتي يطلق عليها البعض «إقليم كردستان العراق»، مع «إسرائيل»، عبر الاْردن الذي يعجّ بالقواعد العسكرية الأميركية والأوروبية والمنفتح، تنسيقاً وتعاوناً مباشراً، على الكيان الصهيوني.

وخير دليل على ذلك ما يتمّ تسريبه عبر الدوائر الاستخبارية ووسائل الإعلام الاسرائيلية عن زيارة عدة وفود عراقية لفلسطين المحتلة في الآونة الأخيرة. بالاضافة الى القرار الذي أصدره وزير المالية الإسرائيلي، كحلون، يوم أمس ألغى فيه كون العراق دولة معادية وسمح بالتالي بسفر الإسرائيليين الى العراق وإقامة علاقات تجارية في هذا البلد!

وهو الأمر الذي سبق أن عمل على تحقيقه المدعو خالد سلام / أو محمد رشيد / الكردي الأصل، والذي كان عميلاً «إسرائيلياً» اعتقلته الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في بيروت سنة 1977، بهذه التهمة وسجنته في بئر في بلدة الدامور جنوب بيروت لمدة ثلاثة أشهر، ثم أفرج عنه في ظروف غامضة. الى أن أصبح يطلق على هذا الشخص لقب المستشار الاقتصادي للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات حتى نهاية سنة 2003 عندما انقلب عليه، بناء على أوامر مشغّليه، وانتقل الى العمل في أربيل وقام بإنشاء العديد من الشركات بالتعاون مع مسعود برازاني وابنه وبتوجيه مباشر من الموساد «الإسرائيلي»!

وبالعودة إلى الأهمية الاستراتيجية لحماية التواصل البري الاستراتيجي بين موسكو ودمشق، فإننا نذكّر بقيام دول الحلفاء باحتلال إيران، خلال الحرب العالمية الثانية، لتأمين الإمدادات الحيوية لجيوش الاتحاد السوفياتي، عبر بحر قزوين ونهر الفولجا الروسي. تلك الجيوش التي كانت تقاتل ما مجموعه 67 من الجيوش الألمانية كاملة وعلى جبهة تمتدّ من ستالينغراد في الجنوب حتى لينينغراد في الشمال على بحر البلطيق .

وعلى أهمية هذا التواصل البري، من الناحية الاستراتيجية عسكرياً، إلا أن أهميته الاقتصادية والسياسية لا تقل في حجمها عن تلك العسكرية إطلاقاً.

اذ انّ هذا التواصل، وبالنظر الى تحسن العلاقات الاقتصاديه التركية الروسية ونظراً الى الإمكانيات الهائلة، من موارد طبيعية وثروة مالية وتكنولوجيا متقدمة وعدد سكان كبير، يصل الى حوالي 400 مليون مواطن، لكلّ من روسيا وتركيا وإيران، الى جانب إمكانيات العراق الكبيرة والسوق السوري الواعد، والذي سيسجّل أعلى نسبة نمو في العالم لسنة 2019، حسب تقديرات الجهات الدولية المختصة، نقول إنه بالنظر الى هذه الوقائع فإن توجهات روسيا وقوى حلف المقاومة، مضافةً اليها الصين ومشروعها المعروف بمشروع الحزام والطريق، ستشكل منعطفاً استراتيجياً غاية في الأهمية لتعزيز الثقل الاقتصادي وبالتالي السياسي لهذه المجموعة في العالم، ما سيؤدي الى تغير جذري في موازين القوى الدولية وفِي تراجع دور سياسة الهيمنة الأميركية والسيطرة الاحادية الجانب، المستندة الى قانون الغاب وليس الى القانون الدولي…!

أخيراً على أميركا وأذنابها واتباعها الذين خاضوا في دماء شعوبنا لسنوات طوال أن يعرفوا بأن الاندماج الاقتصادي، وليس الحروب والدماء، هو الطريق الذي تبحث عنه قوى حلف المقاومة والصديقة روسيا وهو الطريق الوحيد القادر على ضمان الاستقرار والنمو الاقتصادي في منطقتنا والعالم، وهو الكفيل بأن يقودنا الى مزيد من التطور والتقدّم.

فيما التمترس وراء أوهام، أو حتى أهداف لا تتحقق إلا بالوسائل العسكرية وبالعدوان، كما هو موقف تركيا بالمقابل لا سيما نوع تعاطيها مع القضية السورية بوجه عام ومع مسألة الأكراد بوجه خاص، لن يقود إلا الى مزيد من التوتر والتصعيد والدمار…!

نقولها ونحن في خواتيم القضاء على أحلامهم الإمبراطورية والجهنمية بأن الحل لكل القضايا المتعلقة بالخلافات على الحدود او حقوق الأمم والشعوب وتقرير المصير لا يكمن إلا في احترام سيادة الدول وإقامة تعاون مشترك على هذه القاعدة.

وأخيراً وليس لا آخرا لا خلاص ولا أمن ولا استقرار ولا نجاح لكل ما تقدم من مشاريع الا بتفكيك القاعدة العسكرية الأميركية المزروعة على ارض فلسطين والمسماة «إسرائيل» وترحيل كل عديدها ومعداتها مع سائر قواعد الطغيان والعدوان الأميركي الأخرى لأنها اصل البلاء وبذرة الشر المطلق.

قيامتنا تقترب بزوال هذه الغدد السرطانية.

وشرط نجاح كل مشاريع السلم والتعاون لدينا رهن بذلك.

بعدنا طيبين، قولوا الله.

اترك تعليقاً

Back to top button