الزركلي لـ«البناء»: ملتزم مع المركز الوطني للفنون البصرية على إنجاح التعاون بيننا ليكون تقليداً ثقافياً يعتاده الجمهور
لورا محمود
بداخله مزيج ثقافي حقيقي لذا من يستمع لعزفه وموسيقاه يلاحظ عمق تجربته ودقّة انتقائه، أحب الموسيقى منذ طفولته ومع العمر زادت دهشته بسحر هذا العالم خاصة البيانو، الذي تآلف معه وكوّن علاقة كسرت الحاجز بينهما. فالحاضر يلاحظ الانسجام بين البيانو وروح العازف فهو يتعامل معه بعناية فائقة وهي تحافظ على مسار النغم ورقته وكيف لا فهو العارف بأسرار هذه الآلة النبيلة وخباياها فأخرج منه نغماً أطرب كل من حضر وسمع فأصابعه كانت ترسل ألحاناً بحجم المدى مع آلة وموسيقى تهذّب الروح وتصقلها.
هو عازف البيانو العالمي والمؤلف الموسيقي غزوان الزركلي الذي قدّم حفلاً موسيقياً في المركز الوطني للفنون البصرية بدمشق، حيث تنوّعت المقطوعات الموسيقية بين الهادئة والسريعة كسوناتا لسيرغيه بروكوفيف والفصول لبيوتر تشايكوفسكي.
الأخرس
«البناء» التقت مع رئيس مجلس إدارة المركز الوطني للفنون البصرية الدكتورغياث الأخرس الذي لفت إلى أن هذا الحفل هو من ضمن برنامج تمّ التحضير له طيلة العام 2019، مشيراً إلى أن الجودة والنوعية التي ستقدّم للجمهور هما على درجة عالية من الكفاءة والاحترافية والدليل ضيف أول حفل موسيقي يحييه المركز لهذا العام هو الموسيقي الكبير غزوان الزركلي.
وأضاف الأخرس: هذا الحفل مهم جداً، فقد كنّا أمام نوتة موسيقية وموسيقي كبير قدّم لنا مقطوعات موسيقية أخذت من روحه ووقته الكثير ونوعية المقطوعات التي عزفها زركلي لنا من حيث سرعتها ورصانتها تتفق كثيراً مع طريقة تفكيره ونشأته الموسيقيّة، فقد أعطى لكل مقطوعة من ذاته صانعاً الاختلاف إذا ما قارناه مع غيره بالأداء، فهو قامة كبيرة تمكّن من استحواذنا بنوعية الموسيقى التي قدّمها.
وأضاف: في كل مدن العالم هنالك حي يُعنى بالشأن الثقافي، وللأسف هذا غير موجود لدينا. فالأنشطة الموسيقيّة وكذلك الأنشطة المسرحية محدودة وحتى نشاط الفن التشكيلي، فهو متقطع وللأسف الشديد ومنذ إعلان دمشق عاصمة الثقافة في عام 2008 لم نكن نمتلك في وقتها البنى القادرة على حمل العبء الثقافي بكل أشكاله وأنواعه. لذا كنتَ عراب هذا الموضوع على صعيد المركز الوطني، لذا تمّ العمل على تصميم المركز وفق قياسات عالمية دولية، واليوم استطاع المركز الوطني أن يكون أول مركز في الشرق الأوسط يقدم المواصفات المطلوبة وقادراً على استيعاب كل الأنشطة وتقديم برنامج ممتد على كل المساحة الوطنية يحمل الجودة وقادراً على استقطاب الجمهور بعيداً عن أي تسويق دعائي. كما نسعى في المركز الوطني الذي يعمل بجدّ كي ينجز برنامجه كاملا للعام 2019 وهو قيد التنفيذ تباعاً بحسب الزمن المحدّد، سواء من حيث المعارض التشكيلية أو الحفلات الموسيقية أو حتى الندوات التي سيكون فيها حوار مفتوح بين مدير الندوة والجمهور الذي يضم مختلف الأطياف والأعمار.
الزركلي
بدوره قال الموسيقي غزوان الزركلي لـ»البناء» إن للظروف الخارجية التأثير البالغ على الموسيقى، سواء أكانت برودة في الطقس أو أية عوامل أخرى من حيث تقينات المسرح أو حضور الجمهور، لكن بطبيعة الحال الحرفنة أو الامتهان هما عاملان أساسيان في تمكين العازف من السيطرة والابتعاد عن أي ظرف من الممكن أن يؤثر على أدائه.
أما عن الحزم والجديّة التي بدت واضحة على الزركلي، فيما يخصّ الجمهور الذي طالبه بالجلوس والتوقف عن التصوير، لفت الزركلي إلى أنّ هذه الأمور يجب أن تكون عادة متّبعة لدى الجمهور المتلقي وعليه الامتثال لها كما يجب أن تكون ثقافة مكتسبة يعتادون عليها، لكن في الحقيقة ما يعوّد الناس على ذلك هو الكادر المؤهل لتوجيه الجمهور، بداية من الجلوس في الأماكن المخصّصة وبعدم التصوير أو التصفير لذا اعتبر الموسيقيّ على المسرح له شخصيته، وحضوره الذي يطغى على كل التفاصيل وهو القادر بأن يأخذ جمهوره حيث يريد.
أما عن الموسيقى الكلاسيكية التي لاقت إصغاء من الجمهور، قال الزركلي: يجب توجيه الأطفال ومن ثم الكبار إلى الإصغاء للموسيقى الكلاسيكية وهو نوع من التربية والتعويد، فالطفل المعتاد على الصراخ لن يكون من السهل التفاهم معه إلا بهذه اللغة نفسها وبعلو الصوت نفسه بينما الطفل الذي تربى على الإصغاء فهو قادر على الاستمتاع بهذا النوع من الموسيقى. وموضوع حسن الإصغاء والتمتع بالموسيقى الكلاسيكية كنت لاحظته بالقسم الثاني للحفل بعد الاستراحة، فأنا ممنون للجمهور الذي أحسن الإنصات إليّ وتابع عزفي بشكل جدّ رائع.
وأخيراً حول مشاريع غزوان زركلي المستقبلية وعودته للوطن سورية ختم قائلاً «أنا لم أترك سورية أبداً، صحيح أنني غبت ثلاث سنوات لكنني عدت وبقيت هنا لأكثر من خمس مرات خلالها، حتى في وقت الدراسة كنت دائماً أعود لزيارتها مرتين في العام. أما بالنسبة للنشاطات المستقبلية في الوقت الحالي لن تكون هناك نشاطات. فأنا أقوم بتأليف كتاب إلى جانب تأليف المقطوعات الموسيقيّة، وحالياً ملتزم مع المركز الوطني للفنون البصرية وسنعمل على إنجاح التعاون بيننا، كي يصبح المركز تقليداً ثقافياً يعتاد الجمهور على ارتياده عبر برنامج من الحفلات التي لها قيمتها ووزنها سواء من حيث التحضير أو التقديم أو الجهد المبذول، ضمن خطة معينة نتوجّه بها للناس سواء أكانوا من النخبة أو المتابعين أو حتى من الأطفال.
باغبودريان
أما المايسترو ميساك باغبودريان الذي التقته «البناء» وكان ضمن الحضور اعتبر بأن الحفلات الموسيقية هي من الطقوس التي يجب أن تتحوّل عادة وألا يقتصر على منبر معين ونحن بحاجة أثناء الحرب والأزمات للثقافة كي نحافظ على الهوية وعلى الشخصية الثقافية للمجتمع خاصة في مركز كالمركز الوطني للفنون البصرية، وبحضور قامة كبيرة كالفنان غزوان الزركلي الذي قدّم لنا خلال الحفل وجبة دسمة من المقطوعات الموسيقيّة. كما أن التناوب بين كل من المركز الوطني للفنون البصرية ودار الأسد للثقافة والفنون إضافةً إلى مسرح الحمراء هو تناوب جميل وضروري من حيث تنوّع البرامج المقدّمة في كل منبر من المنابر المذكورة، بل وهو مهم جداً.
وتابع باغبودريان: إن المركز الوطني للفنون البصرية ومنذ لحظة الدخول إليه العين ترى الجمال في كل مكان بدءاً من اللوحات المعروضة، ثم بحضور ما يطيب سمعه في الحفلات الموسيقيّة، ليخرج بعدها المرء مشبعاً من الفنّ الراقي.
والي
وتحدثت «البناء» مع مديرة المسرح القومي الفنانة أمانة والي التي أعربت عن سعادتها بنوعية وجودة أنشطة كهذه وقالت: هذه النوعية من العروض ترفع من سوية الذوق عند المتلقي السوري.
ووجهت والي دعوة بأن تُقدّم فعاليات كهذه في أماكن أخرى كمسرح الحمراء مثلاً أو مسرح القباني كي تكون أقرب لشريحة أكبر من الجمهور وفي متناول الجميع حتى من حيث السعر لكونها تقدم بأماكن تميل الى النخبوية.
واعتبرت ان الأمر ضرورة وحاجة يجب استدراكها.
وأضافت والي: الحفل كان رائعاً بالرغم من أنني لا أستهوي كل الموسيقى الكلاسيكية باستثناء بيتهوفن وتشايكوفيسكي، إلا أن الموسيقي زركلي رائع في عزفه الحي وآسر للقلوب وأعيد وأشدد بأن ينشر زركلي وكل من يحمل رسالة موسيقية راقية موسيقاهم الحيّة في كل المسارح كي نتمكن من إعادة تقويم سمع وتذوّق الشباب الذين للأسف لم تبق لهم رموز موسيقية أو طربية غنائية يأنسون بها وترافقهم في كل مراحلهم العمرية.
لا بد من الإشارة إلى أن عازف البيانو والموسيقيّ غزوان الزركلي من مواليد دمشق 1954، يحمل أربع شهادات جامعية من برلين وموسكو. وهو عازف منفرد شمل نشاطه سبعة وعشرين بلداً. له ثماني أسطوانات في العزف والتأليف يحمل الجنسية الألمانية ومجاز بتعليم اللغة الألمانية، كما له كتابان في الموسيقى بعنوان «عن الموسيقى والموسيقيين» و»الصوت والزمن» يدير مدرسة باسمه في مدينة فايمار الألمانية يُشرف على صف الأداء الخاص بطلاب البيانو في المعهد العالي للموسيقى بدمشق.