نعم «إسرائيل» هي العدو… ولكن!
ثائر الدنف
استباحت «الحركة اليهودية» المتاح وغير المتاح للوصول الى غايتها، فكان لا بدّ لها من ان توظّف وتحرّف «التاريخ» لنيل مبتغاها الاوحد وهو إنشاء «دولة إسرائيل» الكيان السياسي في الشكل، و»الوطن اليهودي الديني» في المضمون.
وعملت «الحركة اليهودية» على ان يكون تاريخها هو «التوراة»، وأن تقدم «الديانة اليهودية» على انها إبنة هذا التاريخ، ومنذ ذاك الحين اصبحت «اليهودية» و«التاريخ التوراتي» يشكلان العصب الاساسي للحركة «الصهيونية» في محاكاة «شعب الله المختار» باغتصاب أرض فلسطين أرض الميعاد .
وبناءً على ما ورد، اخذت «الحركة الصهيونية» تشكل نقطة الارتكاز التي قامت عليها «دولة اسرائيل»، من دون نسيان ان «الصهيونية» هي فكرة ودعوة «يهودية».
أوجد «اليهود» كتاب «العهد القديم» ليروي تاريخ بني «إسرائيل»، وأمَا نصوصه «الدينية» التي تفيض عنصرية، فلا تعدو ان تكون خيوطاً سياسية لـ»مملكة قومية يهودية».
و»اليهودية» كما جاء في «التوراة» دين كما يسمى . لذا وبناءً على ما سبق، فالاساس الذي ارتكزت عليه «إسرائيل الدولة» هو أساس ديني.
اما «الصهيونية» فهي الوجه الآخر «لليهودية» في العصر الحديث انطلاقاً من تراثهم التلمودي الحاقد على الشعوب تاريخياً «أمّا مدن الشعوب التي يهبها الرب إلهكم لكم ميراثاً فلا تستبقوا فيها نسمة حية، بل دمّروها عن بكرة أبيها» سفر التثنية ، والذي يشكل الاساس الايديولوجي «للصهيونية» التي تدعو الى «وطن قومي يهودي».
فإن «اليهودية» «والصهيونية» و»دولة إسرائيل» شأن مركب «إيديوليوجي»- «ديني»- «اقتصادي».
وفي محاولة للغوص في الشك المنهجي الذي يعتمد على العقل والتاريخ فإنّ مقارنة كتاب العهد القديم بالنصوص المكتشفة في بلاد ما بين النهرين، ومصر، وسورية الطبيعية، تؤدّي إلى نتائج مذهلة، بحيث أنّ الشرائع والمزامير والقصص والأساطير الواردة في «التوراة»، قد وجد الباحثون أصولها في مدونات بابل وأشور وسومر وكنعان مصر وأوغاريت. «وهذا ما تؤكده التنقيبات الآثارية في بلاد وادي الرافدين حينما اكتشفت الرُقم والألواح المدوّنة بالكتابة المسمارية في بابل ومحيطها مثل اريدو وشبار واور والوركاء وغيرها من الحضارة السومرية والاكادية والبابلية والاشورية . وحينما قرأها علماء الآثار والباحثون وجدوا وبالبرهان القاطع ما اخذته التوراة واقتبسته، انْ لم نقل سطت عليه وضمّته بالنص او بالتحوير المشوّه مثل قصة الطوفان ملحمة جلجامش ، اضافة الى القصص مثل قصة طوبيا وايوب والمزامير ونشيد الأناشيد وغيرها خصوصاَ بعد السبي البابلي حيث أمضى العبرانيون اليهود اكثر من مائة عام يتعلّمون ويدرسون في بابل».
وإذا اردنا أن ندينهم من كتابهم ايضاَ، يتبيّن لنا انّ فلسطين، هي أرض الفلسطينيين باعتراف كتاب «العهد القديم» ذاته، قبل مجيء إبراهيم إليها، وانّ هذا الكتاب يُسمّيها «أرض غربة» بالنسبة إلى ابراهيم، وأحفاده من بعده.
لكن اله التوراة «يهوه» أصرّ على تأسيس مملكته في أرض «فلسطين»، وأراد ان يعمّر بيته على جبل صهيون، وأراد للأمم كلّ الأمم، ان تأتي إليه، وتقدم الطاعة والخضوع. بقوله: يجمع الرب منفيّي «إسرائيل»، ويضمّ مشتتي يهوذا من أربعة أطراف الأرض… وينقضون على أكتاف الفلسطينيين غرباً، وينهبون بني المشرق معا… سفر اشعيا١٢/١١. وبقوله: «ويقف الأجانب ويرعون غنمكم، ويكون بنو الغريب حراثيكم وكراميكم. أما انتم فتدعون كهنة الرب وتأكلون ثروة الامم، وعلى مجدهم تتآمرون… سفر اشيعا ٥/٦١ .
وبناء على ما سبق، يتأكد لنا أنّ نقطة الارتكاز التي قامت عليها «دولة إسرائيل» المتلازمة للحركة الصهيونية لم تكن «وعد بلفور» في العقد الثاني من القرن العشرين. بل انّ «وعد بلفور» نفسه بُني على وعد «الله» لابراهيم، بإعطائه أرض كنعان ميراثاً أبدياً. لذا أصبحت «عودة اليهود» الى فلسطين وإقامة «دولتهم»، وإعادة بناء «هيكل سليمان»، يعتبرها «اليهود» حقاً دينياً وارادة الهية.
في الخلاصة إنّ كيان «إسرائيل» الديني كان ولا يزال متجذراً في عقول الكثيرين، حتى أصبحوا قادرين على التفريق بين الكيان «الاسرائيلي» السياسي واعتباره العدو، وبين الدعوة الدينية الايديولوجية الداعية الى قيام هذا الكيان أي «اليهودية» واعتباره ديناً ومن يمسّ بهذا الدين انما يمسّ بالسامية.
إذاً التاريخ ليس سرداً لوقائع يكتبها البعض خدمة لأهوائهم ومشاريعهم، ولم تكن المشكلة ولو لمرة في كتابة التاريخ، بل في من يكتب هذا التاريخ، لذا علينا ان نتنبّه دائماً من مدى خطورة تشويه العقل من خلال تشويه التاريخ، بهدف تحريف الحقيقة من أجل تمرير الباطل وتسميم العقول.