تقرير

تناولت الصحف العبرية كثيراً في الآونة الأخيرة، خبر استقالة وزير البيئة الإسرائيلي السابق عمير بيرتس من الحكومة الصهيونية. وثمة صحف اعتبرت أن بيرتس استقال قبل أن يقيله نتنياهو. وصحف أخرى تحدّثت عن تأثير تلك الاستقالة على الحزب الذي ينتمي إليه بيرتس «حزب الحركة»، والذي ترأسه تسيبي ليفني.

أما في التقرير التالي، فجمعٌ بين مقالين، الأول نُشر أمس في صحيفة «هاآرتس»، والآخر منذ أيام في الصحيفة ذاتها، والموضوع بالتأكيد يركّز على عمير بيرتس المستقيل، كنموذج للوجوه السياسية الأمنية «الإسرائيلية» الآخذة في الانحدار، كما يركّز المقال على توقعات حول النتخابات المقبلة، وحظوظ وتوقعات.

استقالة بيرتس… حقّ أُريدَ به باطل

كتب آفي شيلون في «هاآرتس»:

السياسيون الفاسدون يحاكمون بشدة، ليس فقط لأنهم أخطأوا بشكل شخصي، بل لكون أعمالهم تؤثر على البنية بكاملها، وبهذا يساهمون في كراهية الجمهور للبنية الديمقراطية. وشعور «إذا كانوا هناك في الأعلى يسرقون، فماذا تريدون مني؟»، ولكن أحياناً، عند وجود سياسيين يستطيعون قول الشيء الصحيح، فإنهم يساهمون في الحفاظ على هيبة البنية، وهذا ما حدث مع عمير بيرتس.

بيرتس صادق حول أسباب استقالته من الحكومة. إذ كان مؤيداً لحل سياسي وسط، فإن إجراءات حكومة نتنياهو لا تتوافق مع مواقفه. وما يعيب استقالته، السؤال لماذا انضمّ أصلاً إلى الحكومة. فقبل الانتخابات فسّر خروجه من حزب «العمل» بأن شيلي يحيموفيتش تقدّم خطى صقريةً من شأنه الذهاب بها إلى ائتلاف نتنياهو.

يجب عدم تصنع السذاجة. فالبنية بطبيعتها تحتاج إلى حلول وسط، فليس غريباً أن يقوم السياسيون بإعطاء وعود فارغة. لكن أمر بيرتس خطِر جداً لأن هذه ليست المرة الاولى التي يُعرض فيها مكانة السياسيّ في «إسرائيل» للسخرية.

هذا مؤسف حقاً، فسيرة عمير بيرتس الذاتية تعكس صفقات زعيم سياسي «إسرائيلي»، مهاجر من المغرب، وقد بنى قوته السياسية في المحيط، وعمل رئيساً لبلدية «سدروت» لتخفيف التوتر مع الكيبوتسات المحيطة، ونجح في تقديم قناعات حمائمية على شكل شعبيّ. أيضاً خدمته العسكرية تعتبر أمراً أصيلاً لدى الزعماء: مثل معظم «الإسرائيليين»، فقد مر بخدمة رمادية في سلاح الذخيرة، وهناك أصيب أيضاً كضابط في عام 2005، وفي الوقت الذي ركز فيه زعماء العمل والليكود على أمور الخارجية والامن، احتل بيرتس رئاسة الحزب بأجندة اجتماعية. ومع هذا حصل على نحو من 20 مقعداً. وظهر أنه يشبه باراك أوباما كرئيس ـ يعتبر رمزاً لامكانيات غير محدودة ـ وكانت زعامته تكفي لتعزيز القناعة بالقدرة على التغيير، على رغم أنه كان من الواضح أنّ عقبات ستواجهه في الطريق إلى تحقيق ذلك.

هذه الآمال تبخرت سريعاً، وبدلاً من وزارة المالية، فضّل وزارة الدفاع في حكومة أولمرت، على رغم أنه لم تكن له توجهات عسكرية. كان انتخابه خطأً ليس فقط بسبب نتائج حرب لبنان الثانية مع أنه يسود الهدوء منذ ذلك الحين في الشمال وهذا متعلق بأمور إقليمية ومصالح حزب الله لا بسلوك الجيش عندما كان بيرتس وزيراً للدفاع ، خطأه الاساس انحرافه عن الوعود بالاهتمام بالامور الاجتماعية والذهاب إلى منصب أرفع مكانة. واستُبدل بيرتس عام 2007، إلا أن حزب العمل لم يتعافَ منذ ذلك الحين ولم يتجاوز الـ15 مقعداً.

محللون يدّعون بخصوص استقالة بيرتس بأنه يستطيع التنبؤ بالمستقبل. ومن الممكن أن بيرتس واعٍ وخبير بدرجة كافية كي يبدأ مرحلة أولى في طريق اقامة جسم وسط ـ يسار. ولكن لن يحدث أي تغيير حقيقي فقط بناءً على الحسابات الرياضية. ومن أجل ذلك، هناك حاجة إلى قادة قادرين على التأثير، والتنقل الذي قام به بيرتس أفرغه ممّا يمتلك من صفاته القيادية. لا بل على العكس، فإنّ استقالته تحوّل «الحقيقة» إلى بضاعة سياسية. وبذلك هو يلوّث المحيط السياسي ويضعف إيمان الجمهور بالسياسيين الذين يعدون بعمل تغيير اجتماعي ـ سياسي.

كحلون… رابح ما يخسره غيره

وكتب أودي فريدان:

لمحافل الاستخبارات تقنيات تساعدها في تحليل سلوك الانسان، ومن ضمن أمور أخرى، المزايا النفسية ولغة الجسد. وكل غرّ في دائرة البحوث في «CIA» يعرف أنه عندما يخاف بنيامين نتنياهو، يبدأ بالإخافة. إخافة مواطنيه وإخافة العالم: إيران، حماس، حزب الله، «القاعدة»، «داعش». ومن جهته حتى إيبولا.

«بيبي» لا يخاف من كل هؤلاء. «بيبي» يخاف ألا يكون رئيس الوزراء التالي هو نفسه. ففي عام 1999 قال عن وسائل الإعلام إنها «ت خ ا ف»، لأنه خاف. والان الخوف ملموس جداً. في واقع الامر هذه حقيقة نهائية: هو لن يكون.

إذ كم يمكن للمرء ألا يفعل شيئاً؟ كم يمكن أن يتوقع من الجميع أن يخطئوا مرة أخرى؟ كم يمكن خداع الجميع؟ كم يمكن التعويل على الشقاقات والنزاعات؟ كم يمكن غمز اولئك وهؤلاء في الوقت نفسه؟ كم يمكن الاستخفاف برئيس القوة العظمى التي تجعلك تصمد اقتصادياً وعسكرياً. كم يمكن الكذب؟ كم يمكن البناء في «يتسهار» بدلاً من الخضيرة؟ كم يمكن تنمية فرضية أن ليس هناك من يحل محلّي؟

في الانتخابات المقبلة كلّ أحزاب الائتلاف، باستثناء «البيت اليهودي» ستتضرّر. فلـ«الليكود» متوقع انخفاض بـ4 إلى 5 مقاعد. وهذا سيحصل بسبب خيبة الامل، إحساس الفراغ، ترك الكبار، صفر رؤيا وصفر أفعال. ونصيحة «أحيتوبول» التي أعطاها لبنيامين نتنياهو آرثر فينكلشتاين، للارتباط بأفيغدور ليبرمان و«إسرائيل بيتنا»، ظهرت خاطئةً. فقد قدّم نتنياهو حبل الشنق ليائير لابيد من دون أيّ مسؤولية إزاء مصير الدولة، هدفه الوحيد ـ الحفاظ على كرسيه. ليس له عون ضدّه، ليس له أصدقاء، ليس له شيء ـ بدلة فارغة.

ليتسحاق بوغي هرتسوغ و«حزب العمل» متوّقع انخفاض 2 إلى 3 مقاعد. «بوغي» ليس بديلاً حقاً فقد انتخب لأن شيلي يحيموفيتش تبعث على العداء. هو مسؤول كبير ولكنه غير قابل للانتخاب.

ليائير لابيد، و«يوجد مستقبل» متوقع هبوط حقيقي: 8 إلى 12 مقعداً. فعشية الانتخابات كان للابيد عشرة مقاعد. تسعة مقاعد أضيفت إليه في صناديق الاقتراع كنتيجة لنمط التصويت «الإسرائيلي» يكره البديل . ومنذئذ وهو مصاب بالغرور. لا خطأ لم يرتكبه. «أنا وبعدي الطوفان»: الاعتداد، انعدام التركيز الاستراتيجي، عناوين رئيسة في صفحة الرياضة، إعضاء كتلة لا فعلاً، بلا تحقيق أيّ تعهد. وفيه يقال إنه عمل كل يوم على إعادة المقاعد الزائدة التي تلقّاها بالصدفة.

لتسيبي ليفني و«حزب الحركة» متوقع انخفاض 2 إلى 3 مقاعد، ولا عجب، «فالرسول إلى اللاشيء لا يتلقى البقشيش». لقد أثبتت ليفني أنّ التجربة السياسية تشبه تجربة الصيد: إذا لم يكن هناك طعم، فلا يجدي نفعاً أيّ شيء.

لليبرمان و«إسرائيل بيتنا» متوقع انخفاض 3 إلى 5 مقاعد. وبروح مدرسة فينكلشتاين الكلاسيكية، فإنه سار مختاراً الكراهية، التخويف والشقاق. صحيح أنه بدلاً من الأرانب، تخرج له في القبعة أفاعٍ، لكن لا يمكن خداع الجميع كل الوقت. وحتى الروس لم يعودوا مستميتين عليه. كوزير خارجية، سنداته الوحيدة هي سندات السيارات العمومية من الكازينو إلى الفندق في روسيا البيضاء. ليبرمان هو خلل ارتكبه المستشار القانوني، وهو أمر واجب التحقيق بحدّ ذاته.

لنفتالي بينيت و«البيت اليهودي» متوقع ارتفاع 2 إلى 3 مقاعد. فهو مركّز، ذكيّ، مخلص لناخبيه. لا يخادع ومن شبه المؤكد انه سيستفيد من هاجري «بيبي» وليبرمان.

لباقي الاحزاب لا يتوقع تغيير ذو مغزى. بمعنى أن بالاجمال يفرغ نحو 22 إلى 23 مقعداً. مثل هذا الامر لم يسبق أن كان. ولكن هنا تفسيراً ومنطقاً. القيادات خائبة الامل. صفر فعل، اقتصاد في انحدار، حرب موضع خلاف، عزلة دولية، ائتلاف متنازع وفاشل، قلق وجودي. دولة في حالة تراجع. معارضة في حالة نزاع موت.

هناك نحو 22 إلى 23 مقعداً. موشيه كحلون سيأخذها، ربما ليس كلّها، فهناك الكثير من العمل أمامه.

ما القصة؟ منذ الان، بلا أي عمل، لكحلون نحو عشرة مقاعد. جاء من الشعب والشعب سيكون قوّته. صحيح أننا تعبنا من فجر يوم جديد، من «إسرائيل تريد التغيير». وثمة مستقبل بلا غطاء. ولكن كحلون، خلافاً للواعدين العابثين، كان وفعل. أكثر بكثير من «ثورة الخلوي». الثورة إياها، التي جلبت توفيراً لكل بيت في «إسرائيل»، تدل على حساسية اجتماعية، ولكن أيضاً على معرفة بالجهاز السياسي. تدل أيضاً على تصميم وتمسّك بالهدف، وعلى قدرة إدارة وتنفيذ. هي تدل على أن هناك أساساً للأمل بأنّ الوعود التي يعد بها كحلون، ستوفى.

صحيح ألا سيرة ذاتية أمنية سياسية له. وأنا أرى في هذا ميزة. فقد ملّت نفسنا من النموذج في أن الرئيس يجب أن يأتي من المجال السياسي ـ الامني. هراء تام، جمود. انه الاقتصاد، يا غبيّ، كما سبق أن قيل مليون مرة. وأنا أريد أن يأتي زعيمي مع عقل لا مع خرائط وبندقية. وما الذي أجدته التجربة السياسية ـ الامنية لبنيامين نتنياهو، إيهود باراك، تسيبي ليفني، موشيه يعالون وغابي آشكنازي؟ أجندة كحلون هي الامل الوحيد لـ«إسرائيل» في العودة إلى المسار: المساواة في الفرص، تقليص الفوارق، القضاء على السلطة الظلامية للأجهزة العامة المنتفخة، الاحتكارات القومية واللجان الفاسدة. كلمة أمن ستبقى، ولكنها ستحصل على انعطافة. الامن سيأتي من الامن الاجتماعي، من الامن الاقتصادي.

تعريفات اليسار واليمين هي عالم قديم. التقسيم الجديد سيكون بين العاملين، المعيلين، السذّج، اليائسين، والاستغلاليين، المرتبين، الواصلين. إما ضفة أم ضفتان للاردن؟ فأولاً هناك حاجة لمأوى، خبز وكرامة. كحلون سيقود جدول أعمال جديد. 5 في المئة سيتضرّرون من جدول الاعمال هذا، لكن 95 في المئة سيفهمون أنّ جدول الاعمال صار جدولهم فجأة.

صحيح، توجد مشكلة. سيتعين على كحلون أن يجلب أناساً أثبتوا فعلاً، لا سياسيين دسمين. وسيتعين عليه أن يغير أنظمة الحكم، أن يحطم الافكار النموذجية القديمة، أن يغيّر منظومات معقدة للحكم في «إسرائيل»، أن يقلّص البيروقراطية، أن يدخل النجاعة إلى السياقات وأن يدفع إلى الامام قوانين وأنظمة جديدة. ليس بسيطاً. ولكن بالذات، المشكلة هي الامل. خلافاً للبيديين الذين يسيرون وحدهم، زائغي البصر بنورهم، كحلون يفهم أنّه لن يسير وحيداً. فهو يحتاج إلى فريق قائد واسع معه، ويحتاج إلى أن ينصت إلى الاصوات وينتبه إلى المصاعب في الطريق، ويحتاج إلى أن يضمّ إلى الحلم كل من هو مستعدّ حقاً لأن يقدّم الإسناد. كحلون يفهم هذا وهو سيقود هذا. وعليه، فهو سيكون رئيس الوزراء المقبل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى