الحكومة التركية… هرولة إلى الرمال المتحركة بمساعدة أميركية!
محمد ح. الحاج
يبدو جليا أنّ الحكومة التركية تحث الخطى نحو المجهول، تصريحات وزير الداخلية والحديث عن ميثاق وطني ميثاق مللي والتعبير عن رفض تامّ لكلّ اتفاقات الزمن الماضي من سيفر إلى لوزان ومحاولة التمسك بالحلم العثماني والقول إنّ شمال سورية وصولاً إلى المتوسط هي أراض تركية بالأحرى هي محط أطماع الدولة التركية التي اقتطعت من الأراضي السورية ما يعادل مساحة الجمهورية السورية الحالية عدا لواء الاسكندرون، هذه التصريحات والتلميحات التي تتناقض مع تصريحات سابقة للقيادة التركية حول الحرص على الحدود السورية المعروفة وأن لا أطماع لها فيها، وجاء ذلك على لسان أردوغان ووزير خارجيته في أكثر من لقاء ومؤتمر مع أطراف أخرى معنية بالمسألة السورية كروسيا وإيران.
المنطقة الآمنة… من يحميها؟
الهرولة التركية مستغربة في موضوع الموافقة الأميركية على إقامة منطقة آمنة طالبت بها تركيا قبلاً ورفضها العالم بما في ذلك الإدارة الأميركية، والسبب أنها ستكون مشروع نزاع دائم بين الأطراف المحلية وأيّ وجود تركي أو غريب فيها، ولأنّ الإدارة الأميركية قرّرت الانسحاب على عجل، عملت الحكومة العالمية السرية على إخراج جديد للانسحاب بالعودة إلى زرع المنطقة برمال متحركة وفتيل تفجير دائم وهي بالتأكيد ليست جادة في حماية الكرد ولا العشائر، الإدارة الأميركية ملتزمة بحماية الكيان الصهيوني جهاراً، وقتال الآخرين من حول الكيان ضمانة أكيدة لاستمراره وهو بيت القصيد الذي لم يفهمه الكرد أو بعضهم الفاعل على الأقلّ، ولا يمكن تبرئة قادة الكيان الكردي في الشمال العراقي من الضلوع بالمؤامرة.
ما يدعو إلى العجب والتساؤل هو موقف «قسد» المعلن عن الأمل بتفاهمات مع الحكومة التركية وكأن أسس الخلاف مع طرف آخر غيرهم، وأن يقوم تفاهم فهو يسقط الحجج التركية ويفرغها تماماً من وهم التخوّف من الكرد وكيانهم المزمع وأنهم إرهابيون ليتحوّل الأمر تعبيراً صادقاً عن الأطماع خصوصاً أن تجري الأمور على نحو اقتسام المنطقة بين «قسد» والحكومة التركية والتشاركية في توفير الأمن للمنطقة الآمنة التي تمّ تحديدها بعمق ثلاثين كيلومتراً على امتداد الحدود شرق الفرات، كيف يلتقي القط والفأر ليتعايشا في منطقة واحدة يسمّونها آمنة وهل يمكنهم اقتسام جبنتها؟
الترحيب التركي المتعجّل بإعلان الموافقة الأميركية على المنطقة الآمنة يعطي الانطباع ويؤكد وجود مخطط مسبق وسيناريو جاهز لما بعد الانسحاب، بحيث يشكل انقلاباً على كلّ التفاهمات التركية مع أطراف سوتشي، وتكشف حقيقة التحالف التركي السري مع الأميركي، ولتسقط كلّ التهديدات والإنذارات والاحتجاجات على أنها مسرحية حرب كلامية لا أكثر! وهنا يظهر الكرد ضمن جمهور المتفرّجين الذين انطلت عليهم اللعبة ليتراجعوا عن خطة التفاهم مع حكومتهم ويعودوا الى دولتهم الأمّ.
ليس صحيحاً أنّ قرارات الرئيس ترامب مدروسة ومتفق عليها، فكلّ ما يطلقه من وعود ومواعيد عبر صفحته على تويتر مجرد كلام غير ملزم، الإجراءات وحدها ملزمة وهذه تكون بوحي يهبط عليه من أجهزة الحكومة العالمية السرية، وهي لم تكن يوماً عشوائية، بل مدروسة ومحسوبة ونتائجها شبه مضمونه، من هذه الإجراءات التي لم يعلنها قبلاً… المنطقة الآمنة – وهي جزرة يتمّ التلويح بها للحليف التركي الذي انتظرها طويلاً، وبدا أنها كفيلة بتغيير سلوكه تماماً وتغيير حتى خطابه وموقفه رغم أنه لم يخلص لا في الخطاب ولا في السلوك تجاه التزاماته نحو من اعتبرهم شركاء مرحليين على الأرض السورية، لقد استخدم التركي في لعبته ورقة الجوكر بمهارة، بوجه المقامر الأميركي وفي النهاية سيكون الرابح بغضّ النظر عن حسابات الربح والخسارة من إقامة هذه المنطقة وهل ستكون رحلة استجمام لقواته أم بداية جحيم يهرب منه الأميركي قبل استعاره، ليس على الأرض السورية فقط بل وعلى أرض العراق وكامل المنطقة حيث الوجود الأميركي.
أن يكون التركي مخلصاً في القول بالحرص على أمن وسلامة الأرض السورية، لن يقوم بالتفاهم مع تنظيمات «إرهابية» حسب تصنيفه، بل يتوجه بالطلب إلى الجانب الروسي الذي يعتبره صلة الوصل مع الحكومة الشرعية طالبا أن تتسلم القوات السورية المناطق التي يرحل عنها الأميركي لتتولى الأمن على الحدود كما في السابق مع دمج القوات المحلية في الوحدات الداخلية بعيداً عن الحدود وتحت قيادة مختلفة تماماً، هذا إنْ كانت الغاية حماية الحدود الحالية من تجاوزات الكرد إقامة كيان أو تسلل قوات حزب العمال باتجاه الداخل الواقع تحت سيطرة القوات التركية قبل العام 2011، وإلا فالأمر مجرد ذريعة لاستباحة الأرض السورية وتحقيق أطماع متجذرة تؤدّي إلى تجديد الصراع وفتح أبوابه على مصاريعها وتنتقل تركيا من «صفر مشاكل» إلى المئات منها إضافة إلى حرب مفتوحة لا يعلم مداها إلا الله ولا تخدم إلا الكيان الصهيوني، ويبقى السؤال هل من صحوة؟
الصحوة المطلوبة ليس من الحكومة التركية وحدها، بل ومن الحكومات العربية التي تضع سياساتها على قواعد الكيدية والمصالح الشخصية وليس على قواعد صيانة الأمن القومي، هذه الصحوة قد توفر الكثير من الدماء ومعها المبالغ الهائلة التي ينفقونها على الحروب الكيدية ولم تحقق لهم سوى الكراهية والنزوع نحو الثأر داخل العقلية البدوية العشائرية المتوارثة منذ قرون، وبسببها لا يكون ارتقاء ولا تقدّم ولا أمن قومي ولا انتصار لقضية، بل تستمرّ في إفساح المجال أمام كلّ القوى الغريبة لمزيد من التسلط والنهب وقضم الأرض وها هم اليوم يتباكون على القدس والأقصى بعد أن تناسوا، بل تنازلوا عن فلسطين وغيرها، وهم لم ولن يطالبوا بأرض أو حق إلا بضوء أخضر وأوامر خارجية يؤدّي تنفيذها لخدمة الكيان الصهيوني وتناسي أنه العدو الأساس بعد اختلاق عدو جديد بالتوصيف الأميركي، فهل بعد هذا ينجزون الناتو العربي ليشاركهم العدو حربهم، بالأحرى يدفع بهم إلى أتونها كما يفعل بالقوات الأميركية ومعلوم أنّ كثير من السياسيين في عالم الغرب أقرّوا وأعلنوا أنّ «الكيان الصهيوني» يبحث عن قوى يسخرها لحمايته.
يخطئ من يعتقد أنّ الحكومة السورية غافلة عن رؤية أدق التفاصيل والتحركات الجارية، ولها أيضاً حساباتها التي في حال باشرت تنفيذها سيلتزم الحلفاء بمساعدتها والوقوف إلى جانبها طبعاً مع قناعتهم بأحقيتها، ومنها اجتياح إدلب وتحريرها من كلّ الأدوات بما فيها التركية، من ثم الانتقال لتحرير شرق وشمال الفرات ولو أدّى ذلك إلى حرب وصدام مع القوات التركية التي لن تجد نجدة من حلف الناتو الذي ينصّ ميثاقه على دعم دوله الأعضاء حال تعرّضهم لعدوان خارجي، وهنا تركيا ستكون المعتدية وليس المعتدى عليها، حتى الشعب التركي سيقف جزء كبير منه ضدّ الحرب العدوانية التي تقوم بها حكومته على شعب جوار تاريخي تربطه به عواطف راسخة، في الوقت الذي يلتف فيه الشعب السوري بكامله حول حكومته وجيشه الوطني من منطلق الدفاع عن الكرامة والسيادة الوطنية.
لا يكون الحق حقاً في معترك الأمم إلا بمقدار ما تدعمه من قوة، ونحن نثق بحقنا وقوتنا وقواتنا المسلحة الأبية التي أثبتت جدارتها على مدى سنوات من حرب عالمية ظالمة.