إفادة الأمين سليمان الصايغ في محكمة التمييز العسكرية عن كتاب «سراديب النور» للأمين شوقي خير الله
تولى الأمين سليمان الصايغ مهمة مرافقة رئيس الحزب الأمين الدكتور عبد الله سعاده في السنتين اللتين سبقتا الثورة الانقلابية وكانت له مواقف مشهودة في الجرأة والتفاني. بعد خروجه من الأسر تابع الأمين سليمان نشاطه الحزبي متولياً مسؤوليات في منفذية الغرب منها مسؤولية ناظر التدريب.
في كتابه: «سراديب النور» يعرض الأمين شوقي خير الله للمرافعة التي كان أدلى بها الأمين سليمان الصايغ في 17 أيار 1963 في محكمة التمييز العسكرية، وفيها تميّز واضح بالإيمان بقضية الحزب، وبالالتزام الجريء والمتفاني. وهذا ما تميّز به أيضاً معظم رفقائنا الأسرى، الذين كان لمواقفهم الجريئة أثرها المعنوي الكبير بالنسبة إلى رفقائهم خارج الأسر، فاندفعوا أكثر في نشاطهم وفي تحدّيهم أجهزة الشعبة الثانية، كما الرأي العام اللبناني الذي أذهلته بطولات رفقائنا الأسرى.
كل هذا ساعد لاحقاً في إصدار المجلس النيابي اللبناني قانون العفو العام، وهنا لا بدّ أن نسجّل للأمين عبد الله محسن دوره المميّز في هذا الشأن، وكنت رافقت مساعيه الدؤوبة واتصالاته المكثفة مع مختلف القيادات السياسية والعسكرية، وكان يُطلع عليها أعضاء اللجنة المركزية التي كان يرأسها، وكنت عضواً فيها. حتى إذا صدرت الأحكام بسجنه 1 تابع الأمين مسعد حجل المساعي المفيدة 2 .
لأنه من غير الممكن نشر كل ما أدلى به رفقاؤنا الأسرى في قفص المحكمة العسكرية، نكتفي بنشر إفادة الأمين سليمان الصايغ كما وردت في الصفحات 77-78-79 من كتاب «سراديب النور»، موجّهين له ولكل رفقائنا الأسرى الذين تحمّلوا الكثير من العذاب وبقيوا شامخين بالعزّ والعنفوان القوميين الاجتماعيين، تحية فخر واعتزاز، ومثلها إلى عائلاتهم التي أعرف كم قاست وعانت، ورغم ذلك بقيت تواجه بشجاعة كلّ أساليب القمع وآلامه الفاقة… والحرمان.
ل. ن.
حضرة الرئيس، حضرات المستشارين، حضرة النائب العام، المحترمين،
المتهم الماثل أمامكم فلّاح فقير من شارون، وأنا بحمد الله ونعمته قومي اجتماعي، سوري قومي اجتماعي. هداني قدري منذ الطفولة إلى الحقّ فتبعته. وأضاء لي الصراط فاهتديت وسرت رافع الرأس أتحدّى العاصفة والجاهلية والعبودية، وأتحدّى كلّ ما سلّط الطاغوت على قريتي شارون من مفاسد القرون الوسطى، ومن أوتاد الرجعية التي شدّت أبي وجدودي وأهلي ودفعت بهم وبالآخرين أيضاً إلى التذابح الطوائفي والمجازر العائلية القبلية وإلى مهاوي الأحقاد.
سيدي الرئيس، السادة المستشارين،
ترعرعت طفلاً يافعاً يستمع إلى أهله يشتمون كل من ليس درزياً مثلهم، ردّاً على شتيمة غير الدروز لنا، ويسبّون مطلق لبناني ـ درزياً أم غير درزي ـ إن لم يكن من حزبيتهم وعلى غايتهم وغرضيتهم. وكانوا مبدئياً، وعندما تسنح الفرصة، يستحلّون كل محرّم بحق من ليس شريكاً لهم في رأيهم وعصبيتهم سواء كان درزياً أم غير درزي، فالجميع إذن، أهلي وسواهم من الشعب، شيمتهم زحف أمام أخطبوط أفقدهم عقلهم والمنطق والكرامة. وكانوا خاضعين لتقليد أعمى أصمّ، ويعميهم ويصمّهم ويقفل دونهم دروب الوعي ومسالك النور والحرية.
وكان أني اهتديت بنعمة تبشير رفاقي إلى الطريق القومي الاجتماعي وإلى الحقّ والحياة والمناقب، فصرت بفضل انتسابي وانتمائي الجديدين إنساناً جديداً ومواطناً يسعى إلى الصلاح الذاتي ويسعى إلى خير الشعب كلّه والأمة كلها.
وصرت جندياً في خدمة بلادي وكرامتها، ولحرّية الجميع. صرت مواطناً حراً. همّي هو أن أقوم بواجبي على هدى عقيدتي ومن ضمن نظام الحزب، فإذا بي طاقة خيّرة تضاف إلى الطاقات الأخرى من أعضاء الحزب والحركة والنهضة. فصرنا جماعة واعية متكاتفة وقوية ومنظمة. وأنا صرت نقطة في النهر الذي كان قد بدأ بخميرة تدعى أنطون سعاده، الزعيم أنطون سعاده.
النهر بدأ نقطة وحيدة منبوذة مستنكَرة ولكنه تزايد واستقوى بفعل اليقين والوضوح والصدق فصرنا قوة هادرة ما برحت منذ ثلاثين عاماً تبذل الخير لمضطهديها من أبناء الظلمة، وتضيء الطريق لمن يعتّمون دونها، وتُستشهد عند الضرورة ولكن بوقفة عزّ تعلّم الشعب كرامة الإيمان، وتبرهن على خلود الأبطال، وعلى أن العقيدة تستحقّ فعلاً أن تسقى بنسغ الحياة وبلون الأرجوان.
أيها السادة،
هذا السليمان الصايغ المتهم إزاءكم يقف أمامكم جريئاً بالحق، كريماً بحريته ومعتقده، فخوراً بما فعل، مجاهراً بحقيقته التي لا حياة له من دونها.
أنا سليمان عارف علي الصايغ، من شارون، كنت مرافقاً مؤتمناً لرئيس الحزب، مسؤولاً عن سلامته، ومستعدّاً للموت في سبيل القيام بواجبي. وقد تخلّيت عن عبودياتي السابقة التي أرهقت أهلي. لقد عرفت الحق والحق حرّرني.
مهمتي الحزبية كمرافق وكميليشيوي مسلّح وكوظيفة في الانقلاب، قمت بها بإرادتي وبعلم منّي وبتأييد منّي لما كنت أعرف أنه قيد الإعداد. وكان هاجسي الأول أن أحمي رئيسي المندفع في هذا العمل النظامي العقدي من الطراز الأرفع.
أما الوقائع التي تسألون عنها لإدانتي فها هي أجوبتي:
نعم. كنت بكل فخر أحمل سلاحاً.
نعم. عرفت الانقلاب قبل حدوثه بقليل.
وظللت بإرادتي حارساً ومرافقاً للرئيس، حتى بعد أن سمح لي، بل بعد أن أمرني، بالانصراف. فلم أطعه لأن الأمر بمرافقته وبحراسته ليس صادراً عنه بل من اللجنة العليا للانقلاب.
ونعم! عرفت أن المخطوفين العراة أم المدنيين بلباسهم آنذاك، هم من الضباط. وإنهم لأعزّاء علينا. ولكن خطفهم موقتاً كان جزءاً من الخطة العليا.
أما من أعرف من اللجنة الإنقلابية العليا فقد عرفت المدنيين جميعاً. وعرفت من الرفقاء العسكريين النقيب شوقي خير الله لأنه كان من منفذيتي في الغرب، وأعرفه قبل انتسابه إلى المدرسة الحربية. وكنت أراه مع الرئيس ولا أكلمه لأني غير مكلّف بذلك. وهو معنا في هذا القفص المشرّف، وقد سبق أن أدلى أمامكم بإفادته.
هذا كل ما عندي، ولست نادماً على ما أقدمت عليه، وبما أن الانقلاب قد فشل فإني أستحق ما ينصّ عليه القانون ضدّي. وشكراً.
بعض من سيرة غنيّة
ـ هو سليمان عارف الصايغ
ـ مواليد شارون 01/01/1935
ـ متأهل
ـ انتمى إلى الحزب في 01/01/1956
ـ مُنح رتبة الأمانة في 22/06/1981
ـ حاز على وسام الثبات في 13/11/2010
هوامش:
1 مراجعة النبذة بعنوان «4 أشهر ونصف في سجن الرمل»، في قسم «من تاريخنا» على الموقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info
2 تحدّث الأمين مسعد حجل عن ذلك في كتابه ـ المذكرات الصادر مؤخّراً بعنوان «لم أبدّل… ولن».