قمة «سياسية» بامتياز حضرها أمير قطر برسائله
روزانا رمّال
بحضور أمير قطر الأمير تميم الى القمة الاقتصادية العربية «عنوة» في بيروت وبخروجه عن الإجماع الرئاسي العربي بالمقاطعة الرئاسية الصارخة عربياً يتأكد أكثر الانقسام الخليجي الخليجي والعربي العربي حيال خيارات استراتيجية جامعة. وبحضوره أيضاً «عنوة» اُخذت روحية القمة نحو «تسييس» غير مسبوق فهي قمة «سياسية» بامتياز لا قمة اقتصادية كما بدت وكأن المايسترو الذي أدار الحضور والغياب واحد ويعرف جيداً طبيعة العمل السياسي اللبناني وكيفية توجيه الرسائل ونجح في اقنتاص الفرص في جعلها مناسبة للحديث عن الكثير في الغياب الكثير من المواقف.
وقبل كل هذا يتبين بحضور أمير قطر والرئيس الموريتاني أن لا علاقة لعزوف ليبيا عن مشاركتها في القمة باعتذار القادة العرب عن عدم الحضور أو بسبب إهانة علمها من قبل مناصري حركة أمل في لبنان بشيء، ولا علاقة للمشهد الذي استمر لساعات كتعبير شعبي عن غضب أياً كانت أسبابه باتجاه المشاركة الليبية بشيء. وهو مشهد اعتاد عليه الشارع اللبناني وكوادر حزبية «منضبطة» بالرغم من انها تبدو عكس ذلك.
على هذا الاساس تتوجب قراءة المشهد من منظار الرسائل الكبرى التي وجّهها العرب الى لبنان واهله وعهده، لأن المعني بنجاح الحدث وفشله هو الرئيس ميشال عون رئيس القمة بأي حال من الأحوال وعدم قدوم نظرائه إليه يعني عدم رغبة بدعمه او دعم عهده وبالحد الأدنى يؤكد عدم رضى العرب على المشهد السياسي اللبناني القائم في هذا العهد.
المشهد السياسي المحلي هو عبارة عن نتائج انتخابات نيابة صبّت لصالح حزب الله وحلفائه وبالنسبة للعرب المقاطعين هي أكثرية في مصلحة ايران على ما عبر عنه قائد الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني باعتبار أنها اكثرية حسمت المشهد لصالح نفوذ صارخ لحزب الله في البلاد. وهو الأمر الذي يبدو غير مقبول عربياً. هذا يعني ان الملوك والامراء العرب وان «قدموا» الى لبنان فهم يأتون إلى ارض يسيطر فيها الخصوم مما قد يعرض أمنهم الشخصي للخطر. وهذا بعض ما هول به الأميركيون باتجاههم مع العلم ان مسألة الوضع الامني ليست سوى واجهة لتبرير المقاطعة العربية على اساس ان الوضع الامني في لبنان لا يسمح ولا بأي شكل من الاشكال.
بالمقابل أتى أمير قطر الذي يمثل حسابات أخرى في المنطقة والذي يعتبر صديقاً جيداً للإيرانيين الذي وقفوا الى جانب قطر في محنة المقاطعة العربية لها والتي فتحت أجواءها للطائرات القطرية اضافة الى مساعدتها اقتصادياً في مشهد يؤكد ان قطر تجد في لبنان اليوم مساحة أمن وأمان وأرضية سياسية تستحق الدعم، ولو كانت تمثل حزب الله الذي صار تلقائياً فصيلاً مرحباً به في قطر، بالرغم من الخلاف على قتاله في سورية.
هي ليست ازدواجية قطرية حيال لبنان بالتأكيد بل ازدواجية تعيشها لارتباطها بحسابات اقليمية كبرى قوامها التحالف مع تركيا في لحظة صعود نجم الاخوان المسلمين بالمنطقة. وهو الامر الذي يشكل أكبر العقد بالنسبة للخليجيين ومعهم المصريون وهم رأس حربة الخلاف مع الاخوان المسلمين. «شكراً قطر» اليوم تؤكد تكرار الموقف تجاه حزب الله للمرة الثانية قطرياً. فبعد حرب تموز زار امير قطر حينها الأمير حمد الضاحية الجنوبية وقدم أموالاً طائلة من أجل اعادة اعمارها والجنوب ثم تراجع عن هذا الدعم بعد اندلاع الثورات العربية، بل على العكس اتهمت قطر بدعم جبهة النصرة التي فجرت في الضاحية الجنوبية حسب تحقيقات القوى الأمنية اللبنانية في الأعوام الماضية تزامناً مع اشتداد الحرب السورية مع الارهاب.
السياسة وبراغماتيتها اخذت قطر من جديد نحو اصطفاف ايراني – تركي قوامه حفظ مصالح هذا المحور، لكنها من جهة أخرى تدرك اهمية الاحتفاظ بالعلاقة مع لبنان وهي التي كان لها دور كبير بعد اشتباكات عام 2008 حيث فرجت الأزمة بمؤتمر الدوحة الشهير والذي شهد بعده انتخاب رئيس للجمهورية.
السؤال المحوري هو هل تتحرك قطر بمعزل عن حلفها المتين مع الولايات المتحدة الأميركية وهي التي تضم اكبر قاعدة عسكرية أميركية في الخليج؟ الطبيعي هو ان قطر تتحرك ضمن هذه الدائرة ما يعني ان واشنطن هي التي توزع بين حلفائها السعودية وقطر أدوارها باتجاه العلاقة مع لبنان تحديدا الذي يرمز الى «الازمة مع سورية». وهي التي تحتاج إدارة من نوع آخر ربما فيها من يعمل على ابقائه مادة خلافية حتى لو تصالح العرب باغلبهم مع دمشق ما يكشف رغبة بجعل بيروت ساحة مستثناة من هذه المصالحة حتى الساعة.
السؤال الآخر هو عن الرئيس المكلف سعد الحريري الذي وإن تميز بعلاقة صداقة مع القطريين إلا انه ليس حليفاً لهم انما حليف سعودي تاريخي، فهل هناك من يرغب بتعطيل مهمته وعرقلتها على اساس انه صار يغرد خارج سرب التوازنات الكبيرة التي تعني لبنان في اكثريته الجديدة؟
بكل الأحوال مقاطعة القمة الاقتصادية هي موقف من التسوية الرئاسية وقوامها «عون – الحريري» وبالتأكيد فإن رسالة القمة وصلت للحريري أيضاً.
حضور أمير قطر الى بيروت هو استعداد قطري مستقبلي للعب دور كبير في لبنان بموافقة أميركية تنسق وتوزع الأدوار بين حلفائها ووفق سياسات اقليمية لا يمكنها تخطيها كدور تركي يشكل تحدياً كبيراً لواشنطن، لكنه حاجة ايضاً للتوصل الى تسوية سياسية في سورية ودور إيراني لا يجب ان يقوم على اساس الاضرار بمصالح «إسرائيل» العليا في لبنان وخارجه.