الغياب الأوروبي والتركي عن وارسو يفضح المشاركة العربية الحريري يقبل بصيغة الـ32 وزيراً بوزير سني بدلاً من العلوي؟
كتب المحرّر السياسيّ
لا تحمل الوقائع السياسية والاقتصادية والعسكرية ما يفرح واشنطن وتل أبيب رغم الضجيج الإعلامي الذي يرافق الخطوات التي تحيطها الحكومتان الأميركية والإسرائيلية بالعبارات المفخمة والمضخمة لمنحها أهمية ومكانة للإيحاء بأن زمن التحولات الكبرى لصالحهما قيد التبلور. فعلى ضفة شمال الشمال حيث ينصبّ السعي الأميركي على تفخيخ العلاقات الروسية الأوروبية الأوكرانية، وحيث يشكل الغاز الروسي الواصل إلى اوروبا عبر أوكرانيا عصب القضية وجوهر التجاذب، نجح الاجتماع الثلاثي الأوروبي الروسي الأوكراني بالتوصل إلى اتفاق مبدئي على حل القضايا العالقة، ينتظر أن يتحول اتفاقاً شاملاً على خطة ما بعد العام 2020، التي كانت تدور حولها علامات الاستفهام، كما صرح وزير النفط الروسي أكسندر نوفاك، مشيراً إلى دور بناء لجميع الأطراف، رغم إشارات وزير خارجية أوكرانيا إلى نقاط خلافية تبدو إثارتها تحسيناً للوضع التفاوضي وفقاً للمصادر الروسية، بينما في شرق الشرق على الضفة المقابلة للحرب الاقتصادية التي تراهن واشنطن أنها أم المعارك، وهي الحرب مع الصين، وبعدما اضطر الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إلغاء الإجراءات العقابية التي اتخذها ضد المنتجات الصينية تفادياً لعقوبات صينية موازية، ولجأ إلى التفاوض، فقد غرّد الرئيس ترامب مبشراً بقرب التوصل لتفاهم تجاري مع الصين، بينما حيث حرب العقوبات في ذروتها على جبهة الحصار المفروض على إيران خصوصاً في مجال النفط والغاز، فقد أعلن وزير النفط الإيراني بيجن زنكنة أن إيران سجلت زيادة في إنتاج الغاز بنسبة الثلث قياساً بالفترة نفسها من العام الماضي، حيث تقدّمت على مكانة قطر في سوق إنتاج الغاز، حيث تشكل روسيا وإيران وقطر الأطراف الثلاثة الأقوى عالمياً.
على الصعيدين العسكري والسياسي، لم تنجح المبالغات الإعلامية الإسرائيلية التي يواكبها الإعلام الخليجي بحملة ترويجية، بجعل الغارات الإسرائيلية قادرة على تغيير أي من المعادلات العسكرية التي رسمتها تطورات السنوات الماضية في سورية، وأهمها أن الأجواء السورية محرّمة على الطيران الإسرائيلي، وأن الدفاعات الجوية السورية قادرة على منع الإغارات والصواريخ الموجهة عن بعد عاجزة عن بلوغ أهدافها، وأن معادلات الردع حاضرة كلما دعت الحاجة لوضع حد للاعتداءات الإسرائيلية، وأن موسكو حاسمة وحازمة في إبلاغ ما يجب إبلاغه لتل أبيب، وأن علاقة سورية بمحور المقاومة ليست علاقة تحالف، فسورية ركن مؤسس في هذا المحور وموقعها القيادي فيه ليس موضوعاً للمساومة، ووجود أي حضور لقوى المقاومة في سورية شأن لا يناقش مع الأعداء ولا يفرض نقاشه تحت نيران العدوان، بل تقرره مقتضيات التصدي للعدوان بين الشركاء الذين حققوا الانتصارات معاً ويستعدّون لتحقيق المزيد منها معا أيضاً.
وحدهم الحكام العرب الذين قاطعوا قمة بيروت بقرار أميركي إسرائيلي، وأصرّوا على المضي في معاقبة أنفسهم بضبط توقيت عودتهم إلى سورية على الساعة الإسرائيلية، يمنحون الأميركيين والإسرائيليين فرص الظهور بمظاهر قوة يحتاجونها، فيهرولون إلى وارسو حيث الطلب أميركي تحت عنوان مؤتمر لأمن «إسرائيل»، قررت أوروبا وتركيا مقاطعته، وأسقطت عنه الهالة التي أرادتها واشنطن وتل ابيب.
لبنانياً، تعود المحادثات حول الشأن الحكومي بعد طي صفحة القمة العربية، وفي هذا السياق سجل لقاء ضم الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل. وقد نقلت مصادر مطلعة على المشاورات لقناة «أن بي أن» أن «الحريري وافق على صيغة 32 وزيراً مشترطاً أن يكون الوزير الإضافي الأول سنياً وليس من حصة العلويين والثاني يمثل الأقليات المسيحية ، وفيما حظي هذا الأمر بموافقة مبدئية من رئيس الجمهورية وباسيل فإن حركة أمل و حزب الله لن يسيرا به لما يولده من خلل في التوازن الطائفي داخل الحكومة العتيدة ولكونه يفرغ صيغة الـ 32 وزيراً من أهدافها أي تمثيل الأقليات ولا سيما العلوية».
عاد الملف الحكومي إلى الواجهة مجدداً بعدما وضعت التحضيرات للقمة العربية الاقتصادية التأليف جانباً عقب انسداد أفق التفاهمات السياسية. وإذا كانت صفحة القمة التنموية قد طُويت، بيد أن اللافت أمس، ما رافق مقررات القمة على المستوى الاقتصادي لجهة إعلان قطر عزمها الاستثمار في سندات الحكومة اللبنانية دعماً للاقتصاد اللبناني. يأتي هذا القرار بعد لقاء جمع الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، برئيس الجمهورية العماد ميشال عون، على هامش القمة. وقال نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في تصريح خاص لوكالة الأنباء القطرية إن بلاده ستقوم بشراء سندات الحكومة اللبنانية وتقدر قيمتها بـ500 مليون دولار أميركي. وأكد «أن هذه الخطوة تأتي لتدعيم الاقتصاد اللبناني»، مشدداً على «أن قطر كانت دائماً ملتزمة بدعم اللبنانيين في ظل التحديات الجمّة التي يواجهونها، وأن هذه الخطوة تأتي انطلاقاً من أواصر الأخوة العميقة التي تجمع بين البلدين، حيث يبقى التزام دولة قطر تجاه الأشقاء العرب ثابتاً مهما تغيّرت الظروف». وتأتي الخطوة القطرية بعد مساعٍ بذلها وزير الخارجية جبران باسيل، وهي تمّت بعدما طرحها اول أمس على أمير قطر الذي تجاوب.
ولفتت مصادر في تكتل لبنان القوي لـ«البناء» إلى أن دعم الدوحة كسر المقاطعة الخليجية الاقتصادية للبنان، آملة أن تكون مساهمة قطر دافعاً للدول العربية والخليجية للمساهمة في دعم الاقتصاد اللبناني لا سيما أن إعلان بيروت أكد ضرورة جذب مزيد من الاستثمارات العربية والدولية إلى الدول المستضيفة للنازحين، مشيرة إلى أن الآمال معقودة على تشكيل الحكومة، لأن من شأن ذلك أن يشكل حافزاً لإعادة الدعم الخليجي من اجل دعم القطاع الاقتصادي وتنفيذ التعهّدات الماليّة التي أقرّتها القمة للدول المضيفة لتلبية حاجات النازحين واللاجئين، ودعم البنى التحتيّة فيها.
أما على الخط الحكومي، فشهد بيت الوسط أمس، عقب اجتماعات أجراها الرئيس المكلف سعد الحريري مع النائب السابق وليد جنبلاط، والرئيسين تمام سلام وفؤاد السنيورة، اجتماعاً مطولاً بين الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل الذي قال إن «هناك افكاراً عدة قابلة للنقاش والحريري أبدى موافقته على أكثر من فكرة». وأضاف أنّ «هناك امكانية حقيقية للعمل كي تشكل الحكومة في حال توافرت النيات لذلك، وسيجري الحريري الاتصالات اللازمة في اليومين المقبلين لمتابعة الموضوع».
ولفتت مصادر نيابية في التيار الوطني الحر لـ«البناء» الى أن الاتصالات الحكومية مردّها إبلاغ الرئيس ميشال عون المعنيين ضرورة استعادة زخم الاتصالات لتذليل العقبات أمام التأليف الحكومي، لافتة الى ان الرئيس عون لن يسمح ان تبقى الأمور على ما هي عليه اليوم، وأنه قد يلجأ الى صلاحياته، فلديه أوراق عدة يمكن ان يستخدمها من اجل وضع الأمور في نصابها الصحيح. ولفتت المصادر الى ان باسيل سيواكب حراك الحريري عبر لقاءات سيعقدها للمساعدة في إيجاد حل للعقدة السنية المتبقية. وتحدثت المصادر على أن أفكار الوزير باسيل الخمس لا تزال موضع بحث ونقاش ولا بد من اعتماد واحدة منها، مع اشارة المصادر الى ان باسيل أعاد طرح صيغة الـ32 وزيراً على الرئيس المكلف سعد الحريري لكن الأخير جدد رفضه لها من منطلق أنه لا يريد ان يكرّس عرف توزير العلويين، علماً ان رئيس التيار الوطني الحر قال للحريري إن تمثيل الأقليات لا يمكن ان يحصل في حكومة من 30 وزيراً او حكومة من 24 وزيراً، وبالتالي فإن إعطاء العلويين وزيراً في هذه الحكومة 32 وزيراً ، لا يعني على الاطلاق ان الحكومة المقبلة سوف تتألف من 32 وزيراً، غير ان الامور وصلت الى طريق مسدود الامر الذي اعاد تثبيت الصورة على حكومة من 30 وزيراً على أن تتواصل الاتصالات في شأنها في الساعات المقبلة لحل ازمة تمثيل اللقاء التشاوري.
واشارت مصادر قيادية في تيار المستقبل لـ«البناء» الى ان أي تقدم لم يسجل حتى اللحظة في الملف الحكومي. ولفتت المصادر الى ان الرئيس الحريري لن يقبل بصيغة الـ32 وزيراً الا بشرط ان يكون الوزير الإضافي من الطائفة السنية، معتبرة ان الامور في النهاية ستتبلور على اساس صيغة الـ30 وزيراً. واعتبرت ان الحل يكمن في النهاية عند الرئيس ميشال عون الذي في حال تنازل عن المقعد السني للقاء التشاوري، فإن العقدة تحل، لا سيما في ظل إصرار نواب سنة 8 آذار على موقفهم مدعومين بتأييد مطلق من حزب الله، اما في حال جرى التفاهم على ان يكون وزير اللقاء التشاوري من حصة العهد وتكتل لبنان القوي، عندها يمكن القول إن حزب الله تراجع عن موقفه الرافض إعطاء لبنان القوي الثلث الضامن داخل الحكومة.
وبينما أكدت مصادر النواب السنة المستقلين لـ«البناء» ان اللقاء التشاوري مصرّ على موقفه القائم على ان الوزير الذي سيتم اختياره من الأسماء المطروحة، يجب أن يكون ممثلاً حصرياً لهم خارج أي حصص أخرى. واذ لفتت الى ان الحديث جدي حول تأليف حكومة من 32 وزيراً، اكدت مصادر مقربة من حزب الله لـ«البناء» أن ما طرحه الحريري حول رفض تمثيل العلويين في حكومة من 32 وزيراً لا يمكن القبول به على الإطلاق، لافتة الى ان حزب الله عندما طرح هذه الفكرة عقب تكليف الحريري هدف من خلاله تمثيل الأقليات.
وأكد عضو المجلس المركزي في حزب الله الشيخ نبيل قاووق أنه لا بدّ من موقف جريء وشجاع ومسؤول بعد القمة العربية، لأنه من أوجب الواجبات، وعلى رأس الأولويات، المسارعة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، تضمن تمثيل اللقاء التشاوري، معتبرًا أنّ الحل متاح وليس فيه كسر ولا استفزاز ولا انكسار لأحد، والكل يعرف طريقه الأقصر والأضمن والأسرع لإنقاذ البلد. وأوضح خلال احتفال تأبيني في حسينية بلدة عيناثا الجنوبية، ان تمثيل السنة المستقلين في اللقاء التشاوري بات من ثوابت الحكومة الجديدة، لأن الانتخابات النيابية، جعلت منهم جزءاً من المعادلة السياسية ورقماً صعباً يصعب تجاوزه.