حصاد ما بعد القمة… لبنان هو الأهمّ
البروفسور فريد البستاني
عاش لبنان سجالاً حاداً غير مسبوق وهو عشية استحقاق بحجم القمة العربية الاقتصادية التي استضافتها بيروت، حيث الكلام لا يبقى في غرفنا المغلقة ولو أنها لم تكن مغلقة يوماً، لكن الكلام السجالي المتصل بحدث خارجي كبير يستضيفه لبنان بحجم القمة ليس كلاماً بين اللبنانيين، يسمعه الخارج ويدخل على خطه أو يستثمر عليه أو يستنتج منه الحسابات، فهو سجال يخصّ هذا الخارج الذي قال نائب معاون وزير الخارجية الأميركية ديفيد هيل إنه يعتبر نفسه معنياً بنوع الحكومة اللبنانية، فكيف بالتباينات اللبنانية المتصلة بحدث القمة وما حولها وما خلفها، وفي المقدمة مستقبل النازحين السوريين وإعادة إعمار سورية وموقعها في العالم العربي ومؤسسة الجامعة العربية؟
انتهت القمة بسلام وإنْ كان من خسائر فهي خسائر لبنان كله وليست خسائر فريق فيه، وإنْ كانت هناك أرباح فهي أرباح للبنان كله وليست أرباحاً يجنيها فريق دون سائر الأفرقاء، ويجب أن يسجل لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل، عدا عما سجله لهم المشاركون العرب من نجاح في التنظيم والإدارة، النجاح بإدارة دفة الذهاب إلى القمة والخروج منها، ببراعة عالية، وحكمة مشهودة، فجرى تخفيض الخسائر إلى أدناها ورفع الأرباح إلى أقصاها.
عبر الرئيس ووزير الخارجية بسفينة القمة بين تلاطم الأمواج العربية واللبنانية، بما يشبه المعجزة، فالعرب منقسمون بقوة حول الموقف من عودة سورية واللبنانيون مختلفون بعناد حولها، ودخل حضور ليبيا على الخط ليزيد طين الخلافات بلة، ويمكن القول بموضوعية، إنّ لبنان الذي تصرف بمسؤولية محترماً رئاسته للقمة ومعناها، فلم يلجأ إلى التأجيل ولا إلى تخطي القواعد الدبلوماسية بتوجيه الدعوة منفرداً لسورية، فحاز على تقدير عربي وداخلي من الذين يقفون في خندق رفض العودة العاجلة لسورية إلى المكان الطبيعي وهو ما يعتقد الرئيس ووزير الخارجية بأنه حاجة وضرورة، لكنه لم يحرج موقعه وشركاءه في القمة بالتفرّد، وفي المقابل حاز على إعجاب وانتباه الداعين لعودة سورية والذين لا مشكلة لديهم، لو أدّى ذلك لخسارة سائر العرب، ويأخذون على الرئيس ووزير الخارجية عدم تأجيل القمة لغياب سورية، فجاء موقف لبنان بقوة وشجاعة ما قاله وزير الخارجية عن سورية وعودتها ومكانتها، ليشكل سقفاً عالياً يفوق التوقعات بالتحدث بهذه اللغة عن سورية من منبر القمة نفسها، فتوازنت أرصدة أرباح وخسائر الفريقين، وخرج لبنان رابحاً دون خسائر.
أما في قضية عودة النازحين السوريين وإعادة إعمار سورية فالقرارات التي صدرت عن القمة، رغم مخاطر تحوّلها إلى مجرد قرارات لا تبصر النور، يبقى للبنان أن يضعها فوق الطاولة في سنوات رئاسته للقمة، كما قال رئيس الجمهورية، والأكيد أنّ التطورات التي سيشهدها الملف السوري ستمنح المساعي اللبنانية القوة اللازمة لجعل الأقوال أفعالاً، أما في قضية اللاجئين الفلسطينيين فالكلام بذاته فعل، لأنّ لبنان نجح في زمن الحديث عن توطين اللاجئين الفلسطينيين وتصفية وكالة غوثهم بشراكة عربية، بإعادة قرار حق العودة الصادر عن الأمم المتحدة إلى الواجهة مرة أخرى ومن منصة قمة عربية.
المطلوب أن يخرج كلّ فريق لبناني اليوم من خطاب ما قبل القمة، وأن يتجاهل الجميع الذهاب لسجال جديد وظيفته القول من أصاب ومن ربح ومن خسر، فكلّ خسارة كانت خسارة لبنانية، وكلّ ربح هو ربح لبناني، وما أمام اللبنانيين اليوم وهم يتعثرون في استيلاد حكومتهم الجديدة أن يضعوا أيديهم ويشبكونها ببعضها البعض، واثقين أنّ الأرباح الصغيرة التي يتوهّم كلّ فريق أنها ستغيّر موازين القوى بينه وبين الآخرين، صعبة التحقق، وكلفتها على لبنان واللبنانيين باتت فوق قدرة الاحتمال، وفي لبنان لا تتقرّر معادلة الحكم بموازين القوى، ولا بالأوزان البرلمانية والحكومية، فثمة قرارات لا يملك أخذها من بيده الأغلبيات اللازمة دستورياً لفعل ذلك، لأنها تفجر البلد، ومن غير الجائز عندما يتمّ الحديث عن تنازلات أن يحصر الكلام بالتطلع صوب رئيس الجمهورية وفريقه ليقدّموا هم وحدهم التنازلات، والتنازلات مطلوبة من الجميع، والتنازلات المتبادلة وحدها تحصّن الوفاق وتحمي البلد من مخاطر الإنزلاق إلى الأسوأ، وعند الحديث عن خطر بلوغ الأسوأ في ظلّ منح الأولوية للحسابات الفئوية على حساب المصلحة الوطنية، لا بدّ من التذكير بما قاله صاحب الغبطة البطريرك بشارة الراعي في لقاء بكركي النيابي الذي لم يكن إلا دعوة للتعالي عن الحسابات المصلحية وعن المحاصصة، والتطلع نحو تعاون الجميع مع رئيس الجمهورية لتمكينه من قيادة سفينة البلاد إلى بر الأمان.
نائب في البرلمان اللبناني