ملحمية حكاية المولود الجديد للكاتب جوان جان

ولفة الخطيب

لا يُخفى تأثر المسرح السوري المعاصر بالنظرية الملحمية أو نظرية بريشت والتي حوَّلت المسرح من دراما تأخذ عقل المشاهد بكليته، وتنتزع عقله وتجعله مندمجاً في الحدث مهيجةً لديه مشاعر الشفقة والألم ليصل إلى ما يسمى التطهير الأرسطي كما في أوديب ومسرحيات اسخيليوس وغيرها مما أنتجه المسرح اليوناني القديم، فكلُّ ما يجري يتحكَّم به القدر الذي لا بدَّ من التسليم لأحكامه، أما في الاتجاه الملحمي الذي نأى بنفسه جانباً عن التراجيديا والدراما مولياً عقل المشاهد أهمية ً كبرى فجعله يَحكُم على ما يرى وينقده دون الغوص كلياً فيه

مشاهدٌ ويعي ما يُشاهد، يراقب الحدث ويستشعر الحجج المنطقية لمقارعته، مُديراً مشاعره بوعيٍ تامٍ وإدراكٍ بأنّه فاعلٌ ومؤثّر.

فقد حلّ مكان التطهير مصطلح التغريب والذي نصّه الكاتب الألماني برتولد بريشت وهو إظهار الشيء المألوف في صورة غير مألوفة، وبدا ذلك في مسرحية حكاية المولود الجديد للكاتب جوان جان بأن يُقدم أبو نوفل وهو الشخــصية الرئيسة في المسرحية رهاناً بتســـمية مولوده القادم باسم بقرة إن هو خسر في لعبة الطاولة.

فهنا يبتعد الكاتــب عن الأشياء المعروفة ويجعلها مبهمة مستــغربة تثير الدهشة فحدثُ الولادة أمر طبيــعي أما التسمية فهي لا مألوفة وفيها استهــجان كبير تُوصل متلقيها إلى حالة تغريــب الحادثة دون تقمصٍ منه لتــلك الحادثــة إنّما هي مروية ومسرودة بعــناية من راوٍ لها حيث يقوم الكاتب بسرد الأحــداث ويُمثلها ضمن وقائع وشخوص ٍمحافــظاً على ذلك البعد بين الأحداث والشــخصيات وبين المتلقي لها فيُحدث لديه كسراً للإيهام إذ يجعله ناقداً لما يراه، حيث عمد جوان جان إلى إسقاط شيءٍ من الواقع المعاصر على نصه المسرحي وهو الشائــعات التي لا صحة لها والسرعة في نشرها ضمن المجتمعات التي يتفشى فيها الجــهل. فالولادة حادثة بيولوجية ولكنّ مراهنــة أبو نوفل فيها شيء من الجنون الإنساني اللامعقول والذي أدى لرفض المجتمع لمولود كان عبارة عن فتاةٍ جميلة ٍ لقيت الرفض لاسمها أوّلا ً ولجهل الجميع بها فهم صدقوا دون أن يروا، أنها بقرة. وهنا تتجلى الغرابة والصدمة في ذروتها حين يتم الحكم على الفتاة وقتلها نتيجة للجهل الاجتماعي الذي يحوط بها لتُحدث لدى متلقيها وعيا ً ثوريا ً واجتماعيا ً ضد الجهل والانجراف وراء الخرافة.

ولم يُغفل الكاتب الوظيفة الأساسية للمسرح التسلية والمتعة حيث يُقدم المسرحية ضمن قالب ٍ كوميدي وإن كان سوداوياً لكنّه يحمل تسلية ً عبثية من خلال التنقل بين الأحداث وقطعها متمثلا ً بانتشار خبر مرض جنون البقر والذي أدى للحكم على الفتاة البريئة بالقتل.

هكذا يجعل الكاتب من مسرحيته خلقا ً لواقع وتطورا ً لأحداث ٍ مأساوية ٍ هدفها نبذ الخرافات والسعي وراء إعمال عقل الإنسان لا تجميده.

جوان جان كاتب مسرحي سوري وخريج المعهد العالي للفنون المسرحية من أبرز أعماله المعطف وأجمل رجل غريق في العالم ونور العيون وحكاية المولود الجديد التي تم عرضها في المركز الثقافي بمدينة مصياف من إخراج علي عبد الحميد.

مربية وباحثة في المسرح

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى